وعند الإمام الغزالى أن الأصوات الجميلة من حنجرة الإنسان أومن الآلات التى يصنعها لتعزف الأصوات الجميلة إنما هى محاكاة الصنعة الإنسانية للخلقة الإلهية التى أودعها فى الأصوات الجميلة للطيور وما شابهها. فالأصل فى الأصوات حناجر الحيوانات وإنما وضعت المزامير على أصوات الحناجر، وهو تشبيه للصنعة بالخِلْقة التى استأثر الله تعالى باختراعها فمنه تعلم الصناع، وبه قصدوا الاقتداء. فسماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة، فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب، وسائر الطيور، ولا فرق بين حنجرة وحنجرة ولابين جماد وحيوان، فينبغى أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمى، كالذى يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيره (إحياء علوم الدين ص 1126). من الحلقات الرائدة الموجهة للأطفال من الإذاعة برنامج «بابا شارو» تقديم الرائد الإذاعى محمد محمود شعبان.. حلقة بعنوان «عيد ميلاد أبو الفصاد» قدم فيها بأسلوب بسيط جذاب فكرة الإمام الغزالى بأن أصوات الآلات ما هى إلا تقليد لأصوات جميع الحيوانات. لقد تم اختصار كل الأصوات الآلية والبشرية لتصور من خلال جهاز موسيقى هو الأورج الإلكترونى فهل نسمح بعمل بعض أزراره التى تصدر أصواتا بشرية وإيقاعات ونحرّم باقى الأزرار؟! وإذا سمحنا بالطبول ومنعنا الأوتار فهل ننكر أن الطبول إذا علت يزداد البعد عن الروحانية وتقترب العلاقة بين الراقصة والطبال؟! وهل يتصور أحد أن يقتصر عزف السلام الوطنى لدولة ما على الدف فقط؟! الموسيقى والغناء مرحلة حضارية راقية، لا تصل إليها الشعوب إلا بعد أن تكون قد تطورت وأن يكون الشعب مرهف الحس، وعناية الشعوب بالموسيقى والغناء وفهمها وتذوقها دليل على أن حضارة الشعب قد قطعت شوطاً بعيداً، ومن هنا قال حكيم الصين كونفوشيوس: « إذا أردت أن تعرف مكانه أمة من الرقى فابحث عن موسيقاها». وعندما سأل الإسكندر الأكبر معلمه الفيلسوف أرسطو عن النصيحة التى يرغب فى أن يوجهها إليه عند خروجه فى أحد فتوحاته قال له: إذا فتحت مدينة فاذهب وابحث عن كاتب أغانيها فهو حاكمها، فالغناء فاعل اجتماعى فى صياغة الوجدان يشكل مساحة ثقافية على خريطة السلوك وتسهم فى نوعية الاتصال والأفعال عن العلاقات التى ينسجها الإنسان مع ذاته أو مع الآخرين، وكان كثير من رجال العلم والفلسفة والدين موسيقيين ومنهم جاليليو، وأفلاطون، وهرشل، وأينشتين، وشوبنهور، ونيتشه، وتولستوى ومارتن لوثر، وغيرهم.. وصانعو الموسيقى قد يعرفون قدرها ويقدرون قيمتها أكثر من غيرهم، يقول ليست: إن الموسيقى هى الجمال المسموع، ويقول جوته: هى الواسطة فى كل ما يستطيع اللسان أن ينطق به. ويقول بتهوفن: إن الموسيقى هى الحلقة التى تربط الروح بالحس. ويقول فاجنر: الموسيقى فتاة والشعر خطيبها. ويقول جين باول: الموسيقى شعر الهواء. ويقول جيته: الأغانى المرحة تقوى الصدر. وهناك مثل أوروبى يقول: الذى يعيش دائما فى الأمل، يموت وهو يغنى. ويقول شكسبير: سحر الموسيقى يخلق من الآلام سعادة، ومن السعادة آلاما. ويقول هاوبتمان: ليست الموسيقى وقفا على الفنانين، إنما هى فى أرواح الناس جميعا. ويقول فاجنر: القلب هو الصوت، وما الموسيقى إلا لغته الفنية. ويقول لوثر: أجمل وأفخر هبة للإنسان هى الموسيقى تطرد جميع الريب والخواطر الخبيثة. ويقول هاوبتمان: من لا قلب له، لا موسيقية فيه. ويقول لودفيج نول: صارت الموسيقى قوة من قوى الحياة العامة لا يستغنى عنها إنسان رقيق الإحساس. ويقول شيلر: سحر النغم يزيل تجاعيد الهموم. وفى بلادنا يقول رائد شعر العامية بيرم التونسى:المغنى حياة الروح، يسمعها العليل تشفيه، وتداوى كبد مجروح، تحتار الأطبّا فيه، وتخلى ضلام الليل، فى عيون الحبايب ضى. ويقول الشاعر أحمد رامى: يا بشير الأنس غنى واطرب الروح والخيال، ردد الألحان وهنّى كل عاشق بالوصال. ويقول الشاعر أحمد شفيق كامل: قولوا لمصر تغنى معايا فى عيد تحريرها، تم النصر وصبحت حرة يإيد أبطالها ويقول الشاعر أنور عبد الله.. غنى غنى غنى ياقلبى غنى إوصف له حبى واحكى له عنى. ويقول الشاعر حسين السيد الدنيا غنوة نغمتها حلوة. وتقول الشاعرة كوثر مصطفى علّى صوتك بالغنا لسه الأمانى ممكنة. [email protected]