من سنوات قليلة ثار جدل حول أن الرواية صارت هى «ديوان العرب» بعدما لعب الشعر هذا الدور لقرون طويلة.. والمقصود بديوان العرب.. هو أن الشعر كان بالنسبة للأمة العربية هو المرجع الذى يستطيع المرء أن يعرف من خلاله كل تفاصيل حياتها.. أحلامها وأوهامها، انتصاراتها.. وانكساراتها، شخصياتها وأحداثها وثوراتها وحروبها وملامح عشاقها، عاداتها.. وأخلاقياتها، مذاهبها الدينية.. وخلافات قبائلها.. وأوصاف جميلاتها، نزوات الصعاليك.. ومكائد المماليك، نظرات الفلاسفة فى الساكن والسارى.. ونظرات المتلصصين حول مخادع الجوارى!! وهكذا فقد وجدنا من يقول: «لقد أصبحت الرواية - مؤخراً - هى ديوان العرب بعد أن سحبت البساط من تحت أقدام الشعر» مدفوعاً فى هذا الأمر بعاملين. أولهما: تألق فن الرواية وتطوره وانتشاره وتحقيق نجاحات دولية لكتاب الرواية العرب كان أبرزها حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل. وثانيهما: هو تراجع حضور الشعر (القصيدة والديوان) فى حياتنا ورحيل بعض رموزه الكبار على مستوى الوطن العربى. ونسى هؤلاء حقيقة مهمة جداً.. وهى أن الشعر فى المائة عام الأخيرة قد أفصح عن نفسه من خلال وسيلة أخرى.. بجانب القصيدة والديوان (وهما من وسائله التقليدية).. لقد أطل علينا الشعر من شرفة الغناء وما أعظمها من شرفة بحجم الكون اعتلت فيها مشاعر الشعراء صهوة الحناجر العبقرية القادرة على تجاوز حدود الزمان والمكان لتتحول إلى «ديوان جديد للعرب». لقد صارت الأغنية.. هى ديوان العرب. ودلونى على شاردة أو واردة فى حياتنا المعاصرة لم ترصدها الأغانى ولم تصل بها إلى ملايين المستمعين من خلال ما فيها من إبداع وما صاحبها من نغم بعضه عبقرى وبعضه قبيح!!.. ومن خلال أصوات بعضها عبقرى وبعضها متهالك!!. ولا عجب.. فالألحان القبيحة والأصوات المتهالكة هى - أيضاً - إشارات دالة على هزائمنا الحضارية.. كما أن ألحاننا العظيمة وأصواتنا الرائعة هى أشارات دالة على مكامن قوتنا.. لا شىء فى الغناء إلا ويشير إلى نظيره فى حياتنا الجمال يشير إلى الجمال.. القبح يشير إلى القبح.. النشاز يشير إلى النشاز.. عظمة أغنية «حكاية شعب» تشير إلى عظمة بناء السد العالى.. وتفاهة أغنية «السح الدح امبو» تشير إلى فساد عصر الانفتاح. خلود أغنية «بلادى بلادى» يوازى خلود لحظة عودة سعد زغلول من المنفى فى أعقاب ثورة شعب يقاوم الاحتلال اسمها ثورة 19. وحجم عرى فتيات الفيديو كليب.. يشير إلى حجم عرى أنظمة مستبدة تتلوى فى مواخير الدعارة السياسية. لا شىء فى الغناء يأتى مصادفة.. التألق والانحلال والتوهة فيما بينهما.. فى زمن ما غنت صباح: أنا هنا هنا يا ابن الحلال لا عايزه جاه ولا كتر مال أحلم بعش أملاه أنا سعد وهنا.. يا ابن الحلال وفى عصر آخر غنت ليلى نظمى: «يا الفيديو فى الجهاز.. يا نأجل الجواز» ولم يكن من الممكن أن نستمع إلى هاتين الأغنيتين فى عصر واحد.. كل أغنية منهما دالة على عصرها!! وهكذا كانت الأغنية هى ديوان العرب فى العصر الحديث.. ناهيك عن أن حنجرة واحدة كحنجرة أم كلثوم.. استمع إلى الشعر من خلالها مئات الملايين فوصلت إليهم وأثرت فيهم بأكثر مما وصل أو أثر مئات من كتاب الرواية الذين لم تصل إبداعاتهم إلا إلى الآف محدودة.. فشروط الإطلال على الرواية أصعب كثيراً من شروط التواصل مع الغناء دون تقليل من قيمة الرواية ودون تضخيم من أهمية الغناء. غنى لى شوى شوى فى فترات نزوع الأمة إلى السلام ورغبتها الصادقة فى تحقيقه.. قالت أم كلثوم: بالسلام احنا بدينا بالسلام ردت الدنيا علينا بالسلام بالسلام.. بالمحبة الدنيا تحيا ليه يكونوا ناس ف ناحية وناس ف ناحية. وفى فترات الاستجابة لتحدى الحرب الذى يفرضه علينا الآخرون.. قالت فايدة كامل: دع سمائى فسمائى محرقة دع قناتى فقناتى مغرقة واترك الأرض فأرضى صاعقة هذه أرضى أنا وأبى ضحى هنا فى ساعات السمو الروحى نلجأ إلى فيروز وهى تحلق: أعطنى الناى وغن فالغنا سر الوجود وأنين الناى يبقى بعد أن تفنى الحياة وطالما بقى فينا نفس يبحث عن الحرية.. ويرصد ماحل بها من حصار جعل من الحرية سجينة بين أسوار الاستبداد والتخلف سنظل نردد مع القائل: فحبيبة قلبك يا ولدى نائمة فى قصر مرصود من يطلب يدها من يدنو من سور حديقتها من حاول فك ضفائرها يا ولدى مفقود.. مفقود.. مفقود فإذا ثرنا على ما نحن فيه من عدم تحقق على المستوى الوطنى.. ومن تراجع لفكرة الأمان فى حضن الأم الوطن سارعنا إلى إيمان البحر درويش وهو يغنى يا بلدنا يا بلد هو من امتى الولد بيخاف من أمه لما ف الضلمة تضمه صدقينى خُفْت منك خُفْت منك صدقينى فإن انتعشت بداخلنا خلايا الأمل.. وسمحت لنا بالنداء على المستقبل سنسمع على الحجار وهو يقول: يا طالع الشجره هات لى معاك بكره ويكون على قدى وتكون عينيه سمرا العدل ف يمينه والشمس ف جبينه يمشى على مهلى وإن تُهْت يندهلى هل ترغبون فى خمسة سياحة فى ربوع هذا الوطن العظيم.. مرشدكم هنا هو محمد العزبى وهو يقول: الأقصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح وكل عام وقت المرواح بتبقى مش عايزة تروح وتسيب بلدنا الأقصر بلدنا على الخارطة يتحط من تحتها شرطة شايفين مكانها.. ما بين جيرانها زى الشموع حوالين تورتة هل افتقدت يوماً.. قلباً طيباً فأخذت تغنى مع أنغام ومحمد على سليمان: يا أعز وأغلى وأطيب قلب فسر للعالم معنى الحب وإن شاوروا وقالوا عليك طيب خليك هنا من قلبى قريب وكفاية تكون إنسان ف زمان فيه طيبة القلب بتتعيب يا عينى ع الصبر!! هل صدقت أن أم كلثوم قالت أو فيروز أو عبدالحليم أو فايدة كامل أو محمد العزبى؟! الحقيقة أن الشاعر هو الذى كابد وعانى وانفعل وكتب وبذل الجهد ودفع العمر من أجل أن يبدع هذه الكلمات التى عاشت بين طيات الكتب وعاشت أكثر فى الروح والعقل والقلب، الشعراء هم حجر زاوية الغناء.. أصحاب الشرارة الأولى.. توقد فى أرواحهم.. فيصيرون حطبها الحى.. يكتوون بنارها دون أن تتبدل جلودهم!! اعلم أن ما ذكرته هو كلام بديهى.. ولكن من قال إن البديهيات تحترم فى وطننا العزيز؟! لعقود طويلة تم إهدار حقوق مبدعى الأغنية من مؤلفين وملحنين.. عندما غيبهم الإعلام عن حقوقهم المعنوية والأدبية فى إبداعاتهم.. وعندما نسبت الأغنيات إلى مؤديها من مطربين ومطربات.. لقد بخل الإعلام لسنوات لا حصر لها على هؤلاء المبدعين بأبسط حقوقهم.. وهى أن تنسب أعمالهم إليهم.. حتى بتنا لا نعرف من أسماء مبدعى الغناء سوى نفر قليل.. بينما لا أحد يعرف أسماء الغالبية العظمى من هؤلاء المبدعين. والأدهى أنه حتى المبدعين القلائل الذين نالوا قدراً كبيراً من الشهرة لا يستطيع الناس أن يربطوا بين أسمائهم الرنانة وأعمالهم العظيمة.. كم منا يعرف أن حسين السيد هو شاعر أغنية «أهواك»! وكم منا يعرف أن أحمد شفيق كامل هو صاحب صرخة «خلى السلاح صاحى»... وكم منا يعرف أن محمد حمزة صاحب أغنية «سواح»... أو أن مرسى جميل عزيز هو صاحب «يامة القمر ع الباب». وكم منا يعرف أن «شجر اللمون» هى إحدى روائع عبدالرحيم منصور، أو أن «الأرض بتتكلم عربى» هى إحدى روائع فؤاد حداد، أو أن «بان على حبه من أول مابان» هى واحدة من إبداعات صلاح جاهين. كم منا يعرف عشر أغنيات فقط لفتحى قورة أو للأبنودى أو لسيد حجاب أو لعوض بدوى أو لبهاء الدين محمد رغم أن كلا منهم كتب عشرات الأغانى التى نحفظها عن ظهر قلب. كم منا يعرف أصلاً محمد على أحمد مؤلف «يا رايحين الغورية» لمحمد قنديل. وكم منا يعرف أصلاً زين العابدين عبدالله صاحب رائعة عبدالمطلب «ساكن فى حى السيدة» وكم منا يعرف أصلاً على مهدى مؤلف «فوق الشوك مشانى زمانى».. أو نجيب نجم مؤلف «يا عينى ع الصبر» لوديع الصافى؟! وكم من الذين يحفظون أغنية «كتاب حياتى يا عين» يعرف أن شاعرها اسمه يوسف طه . من منكم - يا أعزائى القراء - «بالذمة».. يعرف يونس القاضى بالرغم من أنه الشاعر الذى ألف نشيدنا القومى. بلادى.. بلادى.. بلادى لك حبى وفؤادى؟!! نبتدى منين الحكاية؟! يالها من رحلة نتمنى أن نقطع قدراً منها بين سماوات المعانى والأغانى من خلال محاولة إنصاف الشعراء المصريين والعرب الذين لونوا أحلامنا بمشاعرهم الجميلة الجليلة.. وشكلوا جزءاً كبيراً من أفكارنا ومشاعرنا ومبادئنا وحفظوا لنا ملامحنا ضد كل من يحاول محوها، يالها من رحلة ننتصر من خلالها لكل قيمة أضاءت ليالينا المظلمة.. وننتصر فيها لكل شاعر حقيقى لم يجد من يطنطن كما يطنطنون اليوم للفقاقيع التافهة التى وضعتها صحيفة «تنويرية جداً» تحت لافتة «الاختلاف» الذى لن نصح إلا به!!!! يا شعراء الوطن الراحلين والحاليين والقادمين على الطريق أهلاً بكم على صفحات صباح الخير..أهلا بإبداعكم.. وحواراتكم.. وذكريات أولادكم وأحفادكم من خلال كتيبة متميزة من أبناء وبنات «صباح الخير».. نادية خليفة ومنى فوزى ومحمد القوصى وأمانى زيان ويارا سامى وآخرون يرغبون فى لقائكم ولسان حال كل منهم يقول: غنى لى شوى شوى.. غنى لى وخد عينى.. ولابد هنا أن أحيى دور جمعية المؤلفين والملحنين التى رحبت - من خلال مجلس إدارتها التى أتشرف بعضويته تحت رئاسة الفنان الكبير محمد سلطان - بإمدادانا بأية وثيقة نحتاج إليها من أجل خروج سلسلة «شعراء الوطن» فى أفضل صورة.؟