ما يحدث الآن فى مصر نكسة بكل المفاهيم ، وتتبرأ منها الديمقراطية . فالأمر لم يعد مقتصراً على الانفلات الأمنى والأخلاقى بل وصلنا إلى الانفلات العقلى، فالبعض يقول إن هذا البرلمان نجح عدد من أعضائه بأنبوبة بوتاجاز أو كيلو لحمة أو سكر، أو لجهل وأمية من انتخبهم بدعوى أنهم ينتخبون الإسلام، كالسيدة العجوز التى دخلت إلى لجنة الانتخاب وقالت للقاضى إن أصبعها جاهز علشان تبصم ، أو اللى دخلوا بورقة مكتوبة لهم فيها أسماء من ينتخبون، ووجدنا فى البرلمان نائب تجميل الأنف ونائبا يريد منع تدريس اللغة الإنجليزية، ونائبا يدخل فى معركة مع مصور صحفى، ونواب الصوت العالى وتصفية حسابات مع الداخلية، فلا عجب عند اختيار الرئيس وفتح باب الترشح أن نفاجأ بهذا الكم غير المعقول، والذى لم يحدث فى أى بلد فى العالم فبعد ستة أيام تجاوز العدد الستمائة. والسؤال: هل هؤلاء وهم يتقدمون للترشح يعتقدون جميعاً أنهم سيحصلون على 30 ألف صوت ؟؟ من المؤكد أن أغلبهم لن يحصل حتى على سكان حارته أو عمارته ، هل هو حب الظهور والوقوف أمام الكاميرات ؟ أو عدم الفهم أو البارانويا أو مجرد ممارسة حق ؟؟ الغريب أن بعضهم يتكلم بثقة شديدة كأنه سيفوز، ولكن هل نتصور أن تأتى الانتخابات برئيس كالعسلى الذى يريد تكوين رابطة للحشاشين وتعميمه وبيعه فى السوبر ماركت، أو كالأستاذ على الذى يرى أن سبب ترشحه أنه دكر !! وكأننا كما قال الشاعر « أغاية الدين أن تقصوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم». والترشح للرئاسة أصبح تسلية للقنوات الفضائية والتى تدير حواراً وتستضيف أفراداً ممن تقدموا للترشح ، وهذا أكبر دعاية سيئة لمصرعلى مستوى العالم العربى بل العالم ككل ، هناك نوعيات من المرشحين ظهورهم فى البرامج يدل على ما وصل إليه حالنا، لو كان الزعيم مصطفى كامل على قيد الحياة ورأى ما نراه هل كان قال كلمته الشهيرة.. لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً. *** كان يجب وضع ضوابط احتراماً لهذا المنصب، وإليك نوعيات من السادة المرشحين والذين استضافتهم القنوات الفضائية مرشح اسمه على والبرنامج موجود أيضاً على الإنترنت وعندما سألته المذيعة عن سبب ترشحه قال: إنه دكر والبلد عاوزة دكر يكون قادر وفاجر.. ولما طلبت المذيعة منه مراعاة ألفاظه قال إن ده الأسلوب اللى يفهمه من سينتخبونه، ولما سألته عن تعليمه قال: إنه يدرس أى حاجة، وإن المتعلمين طلعوا حرامية، ويعتبر الأستاذ على أن منصب رئيس الجمهورية صغير عليه ولو فيه منصب أكبر كان أخذه ، وعن مصدر تمويل حملته قال: إنه سيجعل كل مصرى يعطيه ربع جنيه وسيختار نائب الرئيس زياد العليمى والنائب محمد أبو حامد والمستشار الثقافى محمد الصاوى والإعلامى ريم ماجد، وأنه سيلزم الرؤساء والوفود اللى تحضر تتكلم عربي لأنه مايعرفش إلا العربى، وأضاف اشمعنى احنا اللى نتكلم لغة ثانية، وإنه تعلم على المصطبة، وإنه هيسخر الشعب لفرض برنامجه ، أما المرشح الرئاسى الآخر فهو صاحب مزاج وقد أجرى معه حديث تليفزيونى هو الآخر المرشح اسمه محفوظ العسلى قرر إنشاء حزب لمتعاطى المخدرات أسوة بهولندا وفيتنام التى قال إنها اسلامية، وإن الناس بتشرب حشيش وبرشام مغشوش وهو هيخلى اللى يتباع أصلى ، ويريده أن يباع فى السوبر ماركت، وان عدداً كبيراً من الشعب بيشرب حشيش، وأنه هيعمل إحصائية للحشاشين، وأن هؤلاء سينتخبونه ويجب إعطاء حرية التعاطى اشمعنى الويسكى بيحللوه، هل هناك إساءة لمصر أكثر من هذا ؟؟!! مرشح آخر ضبطت معه لفافة بانجو قبل سحبه للاستمارة قبض عليه، وآخر لا يستطيع التحكم فى عباراته ويبدو كمن يتعاطى البرشام وحين يسأله المذيع عن برنامجه يقول بثقل لسان إنه برنامج سرى وآخر يذهب لسحب استمارة ويدعى أنه إمام آخر الزمان وسيمنع أكل العجوة، المعلم فرغل صاحب قهوة بجوار مترو جامعة القاهرة ذهب للترشح لابس جلباب وعباية وعمة وقال إن صورته بهذه الملابس تجعله أقرب لصورة معلم القهوة فى الدراما المصرية وده يجعله أكثر دراية بالطبقات الشعبية، وأن شعاره تحت العمامة دماغ حضارى، وانه من شباب الثورة ودافع عن أقسام الشرطة ، وان 6 ملايين فقير سيدعمونه فى الانتخابات ولولا الشروط التعجيزية لاكتسح الكل. *** وذهب رجل عجوز يتكئ على عصا وعلى أيدى أقاربه للترشح وقال: ان السبب إن النظام السابق دس له السم حتى لا ينافس مبارك على رئاسة الجمهورية وأنه كان متقدما فى انتخابات 2005، وأن أهل بلده طلبوا ترشحه. سيدة تدعى هويدا فاروق أم لستة أطفال وموظفة حكومية قالت إنها ليس لديها موبايل ووعدت تشترى واحد، بعدما تنجح فى الرئاسة وأنها لا تعرف شيئا عن الحملات الانتخابية ولا التوكيلات وان برنامجها تعليم الشباب حرف صناعية، وأن جوزها موافق على ترشحها، وواحد ثانى طلع فى دماغه انه ابن الملك فاروق ورفع قضية فى محكمة طنطا لإثبات نسبه وحضر لقصر الأندلس مقر الترشح معه علم مصر فى العصر الملكى الأخضر ذو الهلال والثلاث نجوم، وطالب بتغيير علم مصر الحالى، أما السيد عبد الله الشهير بظاظا فهو مدرس تربية رياضية وإنه حلم بأن الرسول الكريم وضع يده على كتفه، واعتبر هذا تأييداً لترشحه، ومهندس زراعى ذهب إلى مقر الترشح على موتوسيكل مدهونة بألوان علم مصر وقال انه يريد منع الحرفيين كالسباكين والنجارين من الترشح وأعرب عن فخره بالموتوسيكل، وقد علق شباب الفيس بوك أنه مرشح توافقى.. موتوسيكل يعنى من الشعب وعلم يعنى وطنى.. ودقن يعنى إسلامى.. وتُربى تقدم للترشح ولا أعلم إن كان سيعمل للشعب 50% تخفيض عند الدفن كدعاية، كذلك تقدم طباخ وقال إنه ترك عمله فى شرم الشيخ ليتفرغ للرئاسة، ولكن طلع عمره أقل من السن المحدد ، ونفس الأمر بالنسبة لنجار الذى ذكر أن سبب ترشحه معرفة اللهو الخفى، ومهندس قال إن عنده 12.5 مليون جنيه ستساعد فى جمع التوكيلات ، وبطل كمال أجسام ، وحكم كرة قدم مساعد قال فور حصوله على الرئاسة سيسعى للحصول على ميداليات أولمبية لمصر وتعهد بمنح موظفي الدولة ساعة لممارسة الرياضة، وأحد المرشحين انتقد مظهر بعض من تقدم للترشح، فمرشح حضر إلى اللجنة مرتدياً «شبشب» والآخر فى جلباب بلدى وبدقن غير حليق فعلق مرشح هم جايين زفة بلدى، وفلاح من الدقهلية قال إنه لا يقرأ أو يكتب بس بيعرف انجليزى من خلال أى ورقة يجدها فى الشارع. *** والمضحك أن 70 مرشحاً اجتمعوا وأطلقوا على أنفسهم جبهة مرشحى مصر وذلك للدفاع عن حقوقهم كما يدعون وتسهيل الشروط المطلوبة للترشح وهى 30 ألف توكيل، وذكرت المصرى اليوم أن عددهم 150، وثمانية آخرين اعلنوا إنشاء تحالف وقالوا فى وقفة نظموها إنهم سيسعون لإنشاء حزب، وأعلن محمود دويدار صاحب ائتلاف حماة الثورة المستقلين وفقاً للمصرى اليوم أيضاً أنه سينضم إليه. هل هناك ما هو أسوأ من هذه الصورة؟؟ وهل هان علينا منصب رئيس الجمهورية؟؟ وهل ما يحدث فعلاً هو ما يعبر عن شعب مصر؟ وأين وعى هذا الشعب؟، هل تجربتنا الطويلة فى الانتخابات تنتهى إلى ما نحن فيه هذه ليست ديمقراطية هذا انفلات وكأننا شعب مغيب يرشح لرئاسته مدمن مخدرات وحانوتى، إن ما يحدث تشويه لصورة مصر فلقد بعنا أصواتنا فى الانتخابات بكيلو لحمة وأنبوبة بوتاجاز، ويرشح مدمن نفسه لأعلى منصب وعضو مجلس شعب يسب القائد العام للقوات المسلحة وأصوات عالية ومزايدات، وجمعيات حقوق إنسان أو بعض منها يتعالى بالصراخ على إهدار الحريات وتدافع عن حق الحمبولى البلطجى وتباكت على أن خده متورم، وأنه لابد أنه ضرب، ونسأل أين حق من استباح أعراضهم ومن قتلهم ؟، حين قبض الأهالى على البلطجية تم قتلهم على يد الأهالى كما حدث فى أكثر من حادثة لأن الشرطة تراجعت وخافت من الاتهامات بالتعدى على حقوق الإنسان، الطرق التى تقطع والمصالح التى تتوقف وقذف المولوتوف عادى، وتناسينا أن كاميرون رئيس وزراء الإنجليزى حين حدث الشغب فى انجلترا قال: إن أمن بلاده قبل حقوق الإنسان وأيده مجلس النواب لأن صالح بلدهم أهم ، فالفوضى وعدم الالتزام وعدم الفهم الصحيح لمعنى الديمقراطية أوصلنا لما فيه ولدى سؤال لجمعيات حقوق الإنسان من واقع حادثة حقيقية لقد تعطل بنا قطار الصعيد لمدة ثلاث ساعات بسبب بعض المحتجين من العاملين فى محلج على مرتباتهم وعددهم لا يتجاوز عشرة جلسوا على القضبان والشرطة تحرسهم من الجانبين ولا تفعل شيئاً خوفاً من أن يقال إنهم تعدوا عليهم، ولقد توقفت أكثر من خمسة قطارات بها أكثر من ثلاثة آلاف مواطن أليس لهؤلاء حقوق إنسان وفيهم الطبيب والقاضى والطالب وأستاذ جامعة والمريض؟! وهذا يتكرر يومياً.