كل المجتمعات فى العالم شرقا وغربا مرت بمراحل انفلات امنى فرضته ظروف معينة مثل الكوارث الطبيعية والنزاعات الطائفية والصراعات القبلية، أو بعد الانقلابات العسكرية.. وهكذا بل إن هناك حالات انفلات أمنى سجلت فى بعض دول أمريكا اللاتينية حدثت أثناء المهرجانات والأعياد وربما بعد مباريات كرة القدم.. وليس غريبا أن يحدث انفلات أمنى أثناء انقطاع التيار الكهربى لفترة طويلة خاصة فى المدن الكبيرة كما حدث فى نيويورك فى ثمانينيات القرن الماضى وما حدث فى لاس فيجاس بعد ذلك .. وفى مدن كثيرة تحدث انفلاتات أمنية محدودة عقب أو أثناء المظاهرات الشعبية أو الاعتصامات والتمردات كما يحدث انفلات أمنى أيضا مصاحبا لعمليات الشغب او الاحتجاجات العنيفة واكبر مثال على ذلك ما حدث فى بريطانيا منذ شهور قليلة فى العاصمة لندن ومدن بريطانية أخرى وأخيرا ما حدث أثناء الاحتجاجات الشعبية فى اليونان . وبالطبع فإن الانفلات الأمنى متوقع بعد الثورات والانتفاضات الشعبية لأن أى ثورة هى حدث كبير غير عادى يهز المجتمع ويغير نظام الحكم بل إن الثورة تدفع بالمجتمع كله فى اتجاه معاكس لما كان عليه قبل الثورة.. وقد أجمع المحللون السياسيون والمؤرخون أن أول ما يسقط بعد الثورة هو الجهاز الأمنى وبالطبع يحدث الانفلات وتنتشر السرقات وحوادث السطو وتزيد معدلات الجريمة وينتشر العنف بصور مختلفة.. هذه المقدمة لم أقصد بها التهوين من حدة الانفلات الامنى الذى حدث بعد ثورة 25 يناير المجيدة وإنما قصدت التذكير بأننا قمنا بثورة أسقطت أعتى أنظمة الحكم الديكتاتورية القمعية فى المنطقة العربية والتى انتشرت عدواها لتشمل خمسا من أكبر الدول العربية لتصنع مرحلة تاريخية مهمة أطلق عليها العالم الربيع العربى.. أقول إن تلك الأنظمة البائدة كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الجهاز الأمنى فى تسيير أمور الدولة وفرض القمع والقهر على الشعوب وهو ما أوجد حالة من الكراهية والعداء بين الشرطة والشعب.. فالمواطن الذى رأى أن أجهزة الأمن التى من المفروض أنها تحميه وتؤمن له سير الحياة تحولت الى أداة للقمع والتنكيل فى يد النظام الديكتاتورى.. بل إن بعض الدول فى المنطقة العربية جعلت من الشرطة جلادا يعاقب بلا قانون ويقتل بدون حساب!!. وبعد زوال الأنظمة الظالمة القمعية فى دول الربيع العربى تحملت الشرطة تبعات ما كان يحدث من جرائم فى حق الشعوب وقد تحول الحنق والكراهية إلى حالات من الانتقام وتصفية الحسابات وهو أمر كان متوقعا خاصة بعد فتح السجون وهروب أخطر العناصر الإجرامية مثلما حدث فى أعقاب ثورتى تونس ومصر.. ولكن بعد أن استقرت الأحوال السياسية وتفعيل سيادة القانون كان لابد من تصحيح المفاهيم القديمة عن جهاز الشرطة من أنه فقط حام لنظام الحكم إنما هو– أى الجهاز الأمنى– حام للشعب بالدرجة الأولى مع التفعيل الحقيقى للمبدأ الخالد «الشرطة فى خدمة الشعب» وليس فى خدمة النظام لأن الشعب فى الأنظمة الديمقراطية هو الحام لنظام الحكم وهو الذى يعطى الشرعية لأى حكومة.. وجهاز الشرطة المصرى جهاز عريق له مواقف بطولية عبر تاريخ مصر الحديث ولا يجوز ابدا الاستهانة به أو النيل من هيبته، كما أن الترويج للشائعات المغرضة والتى تهدف إلى إضعاف الجهاز الأمنى والحط من شأنه تعتبر جريمة فى حق الوطن قبل أن تكون فى حق الشرطة.. ورغم أننا لا ننكر أن هناك قصورا فى بعض الأنظمة الأمنية فإننا يجب ألا نغفل أيضا أن هناك جهودا جبارة لفرض الأمن وإعلاء هيبة الدولة من خلال ملاحقة الخارجين على القانون من البلطجية وقطاع الطرق والعصابات المسلحة وتجار المخدرات.. لقد أفرز المجتمع المصرى بعد الثورة نوعا جديدا من المجرمين غير المحترفين وهم مجموعة من العاطلين المنحرفين والذين وجدوا فرصتهم فى القيام ببعض الجرائم الغريبة على المجتمع المصرى مثل محاولات السطو المسلح على البنوك ومحال الصرافة وحوادث الخطف طلبا للفدية.. وكلها كانت جرائم من النوع العشوائى والذى يؤكد حداثة الحالة الإجرامية لدى هؤلاء المنحرفين.. فهذا النوع من الجرائم عبارة عن حالة وقتية فرضتها ظروف ما بعد الثورة ولا يمكن أن ترقى الى ظاهرة إجرامية معتادة مثلما يحدث فى بعض دول امريكا اللاتينية.. وعلى الرغم من انتشار السلاح لدى المواطنين بصورة تبعث على القلق إلا أن التقارير الأمنية أجمعت على أن هذا السلاح رغم خطورته غير معد فى معظمه للاستخدام الإجرامى إنما كان نتيجة متوقعة بعد انهيار جهاز الشرطة خاصة فى الأيام الأولى التى أعقبت ثورة 25 يناير، مما دفع البعض الى محاولة الحصول على السلاح بأى ثمن للدفاع عن النفس أو لحماية الممتلكات.. وفى الآونة الأخيرة أقدم عدد كبير من المواطنين على تسليم ما لديهم من سلاح الى الشرطة متمتعين بقانون الإعفاء من العقوبة فى حالة تسليم السلاح طواعية، وهو ما يؤكد على شعور المواطن بالأمن والطمأنينة . ورغم أن وزير الداخلية قد صرح بأن جهاز الشرطة قد استرد عافيته وطاقته الأمنية بنسبة تزيد على 60 % إلا أنه أكد– أى الوزير– على استكمال نسبة الأداء الشرطى لتصل الى 100% خلال شهور قليلة، مع الأخذ فى الاعتبار أن إعادة الهيكلة لوزارة الداخلية لن تؤثر على كفاءة وأداء الجهاز الشرطى. [email protected]