البلطجية والفلول هم أكثر الفئات التى تسببت فى حالة من الفوضى والحيرة فى المجتمع بعد الثورة .. لهذا قام الدكتور لطفى الشربينى استشارى الطب النفسى الحاصل على الدكتوراه فى العلوم النفسية من جامعة كولومبيا وعضو الجميعة الأمريكية العالمية للطب النفسى بإجراء دراستين شاملتين حول التفسير النفسى لظاهرة البلطجة وحول ما يمكن أن يسمى بسيكولوجية الفلول .. فماذا توصل إليه؟ التفصيل فى السطور التالية حول تحليل شخصية البلطجية من الناحية النفسية يشرح الدكتور لطفى الشربينى ما توصل إليه من خلال دراسته وتجاربه العلمية قائلاً: أولاً البلطجة هى الصفة المشتركة فى أساليب الأنظمة الدكتاتورية عند مواجهة الاحتجاجات وإخماد ثورة الشعب والبلطجية هم فئة (مضادة) للمجتمع ويطلق عليهم فى تونس "كلوشار" بمعنى المتشرد, وفي سوريا " الشبيحة" وفى اليمن "بلاطجة".. وهو وصف لبعض الخارجين على القانون الذين يقومون بأعمال العنف والترويع لحساب جهات أمنية تابعة للسلطة غالباً ومن الناحية النفسية فإن البلطجة باختصار هى انحراف سلوكى ناتج عن إضطراب في تكوين الشخصية ، وبدلاً من التكوين السوي لسلوكيات الإنسان التي تشكل الشخصية التي يتعامل بها الفرد مع الآخرين فإن الاضطراب يصيب الشخصية فيحدث انحراف وخروج علي الأسلوب الذي يتعامل به الناس فى حياتهم اليومية بشكل طبيعى ومن هنا تظهر "الشخصية المضادة" للمجتمع .. ولعل في هذا المصطلح وصفاً لما يحدث من خروج علي قوانين المجتمع والاصطدام بالآخرين وهو ما يوصف أيضاً بالسيكوباتية Psychopath وهى الاسم العلمى لظاهرة " البلطجة " أو الإجرام الذي يتصف به الأشخاص الذين يعرف عنهم الميل إلى ارتكاب هذه الحوادث. ويؤكد الدكتور لطفى الشربينى ان البلطجة هى عبارة عن مرض نفسى ناتج عن خلل فى الشخصية ولكن هذا المرض يختلف تماما عن الأمراض النفسية التقليدية ويقول: تحدث هذه الانحرافات السلوكية الناجمة عن حالات اضطراب الشخصية - وهي حالات تختلف عن الأمراض العادية مثل القلق والاكتئاب والفصام والوساوس - في نسبة تصل إلى 3% من الذكور ،1% من الإناث حسب الإحصائيات العالمية في بعض المجتمعات ، وتبدأ بوادر الانحراف السلوكي في مرحلة المراهقة عادة أو قبل سن الخامسة عشرة ، وتحدث بصفة رئيسية في المناطق المزدحمة والعشوائية أى أن أغلب البلطجية ينشأون فى المناطق المزدحمة وتزيد احتمالات نشأة البلطجى في الأسرة كبيرة العدد، وفي المستويات الاجتماعية والتعليمية المنخفضة، وفي دراسات على أقارب المنحرفين من معتادي الإجرام والذين يتورطون في جرائم العنف ( أو البلطجية ) فقد ثبت أن نفس الاضطراب السلوكي يوجد في أقاربهم بنسبة 5 أضعاف المعدل المعتاد ، ويشير الدكتور لطفى إلى أن الفحص النفسي لنزلاء السجون أثبت أن 75% ممن يرتكبون الجرائم المتكررة هم من حالات اضطراب (الشخصية المضادة للمجتمع) أو ما يطلق عليه الشخصية "السيكوباتية" .. ويستدل من ذلك على أن جذور ودوافع العنف تبدأ مبكراً مع تزايد هذه الممارسات والسلوكيات في بيئات معينة يتواجد فيها الشخص في فترات حياته المبكرة حيث يجد فيها النماذج السلبية التي يقلدها كما أنه يكون هناك نوع من أنواع الاستعداد الفطري للانحراف لدى بعض الأشخاص الذين يتحولون مع الوقت إلى الإجرام. الفحص النفسي الدقيق للبلطجية يظهر وجود التوتر والقلق والكراهية وسرعة الغضب والاستثارة لدى هؤلاء الأفراد ، وهم لا يعتبرون من المرضي النفسيين التقليديين ، ولا يعتبرون مثل الأسوياء أيضاً، بل هم حالات مرضية تميل إلى الانحراف ، والكذب ، وارتكاب المخالفات والجرائم كالسرقة ، والمشاجرات ، والإدمان، والأعمال المنافية للعرف والقانون، وتكون الجذور والبداية عادة منذ الطفولة. وتؤكد الدراسة التى أعدها الدكتور لطفى الشربينى أن البلطجية لا يشعرون مطلقاً بالذنب ولا يبدون أي نوع من الندم أو تأنيب الضمير، ولا ينزعجون لما يقومون به بل يظهرون دائماً وكأن لديهم تبرير لما يفعلونه من سلوكيات غير أخلاقية في نظر الآخرين، وليس المنحرفون نوعاً واحداً فمنهم من يتجه إلى إيذاء الآخرين أو تدمير نفسه أيضاً، ومنهم من يتزعم مجموعة من المنحرفين أو من يفضل أن يظل تابعاً ينفذ ما يخطط له الآخرون .. ولاشك أن جرائم العنف كالقتل والمشاجرات والاغتصاب ترتبط بالانحرافات السلوكية الأخرى مثل الإدمان والسرقة والأعمال المنافية للآداب العامة، وتزيد احتمالات الإصابة بالاضطرابات النفسية في الأشخاص الذين يرتكبون هذه السلوكيات نتيجة لاضطراب الشخصية. وحول وجود علاج نفسى للبلطجية يؤكد الدكتور لطفى أن المنحرفين الذين يعرفون بالبلطجية يختلفون تماماً عن المرضى النفسيين، كما أنهم يختلفون عن مرتكبي الجرائم بدافع محدد في ظروف معينة، ولا يعتبرون من المتخلفين عقلياً، بل هم حالات غير سوية تتطلب أسلوباً آخر للمواجهة بالقانون حيث يشجع على تفاقم هذه الظاهرة عدم توقع العقاب الرادع ، والعدالة البطيئة ، وعدم وجود ارتباط مباشر بين ارتكاب المخالفة القانونية وتطبيق العقاب المناسب ، والتأخر في مواجهة الحوادث الفردية حتى تتزايد لتصبح ظاهرة . لذلك فإن الوقاية هنا أهم من العلاج وتبدأ بالاهتمام بالتنشئة ، لأن الانحراف الذي يصيب الشخصية يبدأ مبكراً، وإذا حدث فإن علاجه لا يكون ممكناً حيث يكون من الصعب أو المستحيل علاج الشخص البلطجى. لكن في بعض البلدان يتم وضع هؤلاء المنحرفين بعد تشخيص حالتهم - وقبل أن تتعدد الجرائم التي يقومون بارتكابها - في أماكن تشبه المعتقلات من حيث النظام الصارم، وبها مصحات خاصة مثل المستشفيات ويتم تأهيلهم عن طريق تكليفهم ببعض الأعمال الجماعية والأنشطة التي تفرغ طاقة العنف لديهم. وفى دراسته الثانية حول سيكولوجية الفلول يقول الدكتور لطفى الشربينى أنه من الظواهر الملفتة بشدة فى الثورات العربية التي اتدلعت تباعا وجود قطاعات كبيرة نسبياً ممن يتمسكون بالنظم الدكتاتورية ويدافعون عن بقائها بل قد يواصلون تأييدهم لها بعد سقوطها ..والتعليل المباشر لذلك هو وجود مايطلق عليه " فلول" لهذه الانظمة المستبدة من الفاسدين الذين ارتبطت مصالحهم بها ويخشون من التغيير، لكن المشكلة أن هناك ما يمكن أن يسمى ب (عدوى الفلول) لدى عامة الناس من البسطاء ومن عانوا من الفقر والجوع والمرض والكبت والخوف في ظل هذه الأنظمة الدكتاتورية حيث يتولد لديهم تعاطفاً حقيقياً معها وهكذا ينضم البسطاء مع أصحاب المصالح ليشكلوا معا قطاعا كبيرا من الفلول وما يحدث أنه فى الأنظمة القمعية تصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطة على أفراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الشعب علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع.. وحول التفسير العلمى لهذه الظاهرة يقول الدكتور لطفى الشربينى: هناك فى علم النفس ما يسمى ب (متلازمة ستوكهولم أو متلازمة هلسنكي) .. وهو مصطلح وضعه عالم النفس والجريمة " نلز بيرت" و يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مع من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع الجاني الذى اختطفه. وقد أطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى واقعة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث قام مجموعة من اللصوص بالسطو على بنك (كريديتبانكين) في عام 1973، و اتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، و قاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم!! وقد تبين بعد تحليل هذه الحالة النفسية أنه عندما تكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فإن حالته النفسية تبدأ لا إرادياً فى خلق طريقة نفسية بداخله للدفاع عن النفس، و ذلك من خلال الاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان أو الاهتمام حتى لو كانت صغيرة جداً فإن الضحية يقوم بتضخيمها و تبدو له كالشيء الكبير جداً. و في بعض الأحيان يفكر الضحية في الخطورة التى يمكن أن يتعرض لها إذا حاول شخص إنقاذه، و أنه من الممكن أن يتأذى إذا حاول أحد مساعدته أو، لذلك يتعلق بالجاني. ويصاب بهذه الحالة حسب بعض الدراسات ما يقرب من 27% من المختطفين والمعتقلين وأفراد العصابات وأسرى الحرب وأفراد الطوائف والمذاهب الدينية وضحايا زنا المحارم وضحايا الاغتصاب وأخيراً بعض المواطنين في الدول القمعية ومنهم الفلول .. والعلاج في هذه الحالات و التعامل معها يتطلب جهدا كبيرا كالعلاج الجمعي وتقديم الدعم والمساندة وإخراج المصاب من عزلته