خلال شهور معدودة و حتي ايام قليلة مضت,صدمتنا اخبار الحوادث بالصحف بعدد كبير من حوادث القتل البشعة و التي شغلت و مازالت تشغل الرأي العام. الصادم في الأمر ان غالبية الحوادث تمت لأسباب واهية و لسرقة مبالغ نقدية اقل من عادية. المريع كان ان تلك الحوادث ارتكبت بوحشية و بلا هوادة او رحمة بل و تمت علي يد اقرب الأقربين... شخص من نفس الدم و العائلة... شخص ارتبط علي الأقل بعيش و ملح و بعشرة مع من ارتكب الجريمة ضدهم. ولذا نفتح اليوم هذا الملف لنعرف اسباب ظاهرة العنف و القتل الذي تفشي مؤخرا في المجتمع المصري و لنعرف هل هو نتاج للازمة الأقتصادية كما يدعي البعض ام نتيجة لغياب الضمير و الوازع الديني و هل هو وليد اليوم ام ان الظاهرة كان لها مقدمات و شواهد خلال السنوات الماضية لتعصف مؤخرا و بقوة بأمن مجتمعنا الذي كان دائما مثلا يحتذي به في الأمن و الأمان. و كانت لنا هذه الوقفة خاصة من الناحية النفسية التي كانت جديرة بالبحث. التقرير الإحصائي الأخير لوزارة العدل اشار الي تزايد معدلات الجريمة في مصر عاما بعد عام, مشيريا إلي أن الجرائم التي تداولتها المحاكم المصرية' رسميا' مليون و896 ألفا و594 قضية; تم تداولها خلال عام واحد; بزيادة قدرها مليون و326 ألف قضية عن تلك التي نظرتها قبل أقل من عشر سنوات مضت. الأخطر كان التقرير الأخير للبنك المركزي حول معدلات الفقر في مصر الذي ينذر بأن المجتمع المصري في مرحلة حرجة حيث رصد التقرير ان معدلات الفقر في مصر عام2008 بلغت ضعف الرقم الموجود علي مستوي دول الشرق الأوسط كما رصد التقرير ان حوالي25% من السكان دخلهم اقل من دولارين في اليوم الواحد هذا بالطبع بالأضافة الي معدلات البطالة التي اصابت اكثر من13% من المتعلمين وعدم الوفاء بتوفير الخدمات الصحية والتعليمية و غيرها من الخدمات الأساسية. نفس الشيء اكده بعض خبراء مركز البحوث الأجتماعية والجنائية الذين اشاروا الي خطورة ارتفاع معدلات البطالة و الفقر و التي ستكون سببا في زيادة معدلات السرقة وجرائم القتل و الدليل علي ذلك تفشي ظاهرة بيع الأعضاء من اجل المال. ولعل كل هذا يشير ألي التزايد المرعب في معدلات الجريمة في مصر. وللتدليل علي أهمية هذه المسألة يكفي القول بأن العنف في مصر نتيجة للعوامل التي تلت هزيمة يونيو عام1967, ثم حالة الانفتاح السياسي في حقبة السبعينيات.. أدت إلي أن تخسر مصر أولاي طبيعة الترتيب الهرمي للمجتمع, وباتت الطبقة الوسطي في حكم الملغاة; مما أفقد المجتمع صمام أمانه, وثانييا اتساع نطاق العنف السياسي والاجتماعي والجنائي. تعريف و اسباب العنف من جانبة اوضح د. احمد البحيري, استشاري الطب النفسي ان العدوان علي الاخر له عدة اشكال منها اصابة الاخرين باضرار نفسية او لفظية او جسمانية.. و لكن العنف الجسدي الذي ظهر في الجرائم العادية ازعج الكثيرين و لابد له من تفسير, فحسب معدلات منظمة الصحة العالمية هناك اكثر من1.6 مليون شخص يتوفون بسبب العنف و يكون متوسط عمر المتوفين بين15_44 سنة ويضيف د. احمد البحيري لعل من اسباب العنف في الجرائم العادية مثل السرقة وكذلك تطور شكله الي انتقام.. عدم وجود بروتوكولات للتعامل بين طبقات المجتمع المختلفة بالأضافة الي ضغوط الحياة الاقتصادية و غياب القانون بمعناه الرسمي والعرفي و ايضا غياب الوازع الديني و كثرة اخبار الحروب و العنف علي الفضائيات مما ادي الي تبلد المشاعر و اخيرا فإن التشجيع المعكوس للجرائم عن طريق تحليلها و المساهمة في شهرة مرتكبيها يشجع الآخرين من المهمشين علي ارتكاب جرائم مثلها. الإضطراب السلوكي ومن ناحية اخري اشار د. لطفي الشربيني, استشاري الطب النفسي الي ان الظاهرة التي يعرفها الجميع بالعنف أو' الإجرام' أو البلطجة وهي الخروج علي القواعد والقوانين والميل إلي العدوان علي الأنفس والممتلكات بما في ذلك من تعد سافر علي حقوق الآخرين ليست جديدة بل لها جذور اجتماعية ونفسية, وتحدث بنسب متفاوتة في مختلف مجتمعات العالم, وهي بالنسبة للطب النفسي أحد أنواع الانحرافات السلوكية نتيجة للاضطراب في تكوين الشخصية دون رادع من ضميرهم أو خوف من العقاب الذي ينتظرهم. و يضيف د. لطفي الشربيني ان الانحرافات السلوكية تبدأ في مرحلة المراهقة عادة, وتحدث بصفة رئيسية في المناطق المزدحمة والعشوائية, وتزيد احتمالاتها في الأسرة كبيرة العدد, وفي المستويات الاجتماعية والتعليمية المنخفضة. شخصية مرتكب الجريمة و اكد د. لطفي الشربيني استشاري الطب النفسي بناء علي دراسة مستوفاة قام بها ان في الدراسات النفسية التي تقوم علي الفحص لشخصية هؤلاء المنحرفين الذين يتكرر ارتكابهم لحوادث العنف فإن المظهر العام قد يبدو هادئا مع تحكم ظاهري في الانفعال غير أن الفحص النفسي الدقيق يظهر وجود التوتر والقلق والكراهية وسرعة الغضب والاستثارة لدي هؤلاء الأفراد, وهم لا يعتبرون من المرضي النفسيين التقليديين, ولا يعتبرون مثل الأسوياء أيضا, بل هي حالات بينية يمكن أن يؤكد تاريخها المرضي الميل إلي الانحراف, والكذب, وارتكاب المخالفات والجرائم كالسرقة, والمشاجرات, والإدمان, والأعمال المنافية للعرف والقانون كما لا يبدون أي نوع من الندم أو تأنيب الضمير ولا ينزعجون لما يقومون به بل يظهرون دائما وكأن لديهم تبريرا لما يفعلونه من سلوكيات غير أخلاقية في نظر الآخرين. كما ان التغيير الشامل الذي اصاب العلاقات الاجتماعية في السنوات الاخيره أدي الي حالة من الاضطراب والتحفز وتدهور الاخلاقيات والسلوكيات العامه و ادي في النهاية الي ظهور هذه السلسلة من الجرائم التي تمثل الحلقة النهائيا في علاقه غير سويه بين فئات وطبقات المجتمع.. العنف ضد النساء وعلي صعيد اخر يرصد تقرير مركز الأرض حوادث العنف ضد المرأة التي نشرت خلال النصف الأول من عام2008 أن جملة حوادث الانتهاكات والعنف ضد المرأة بلغت224 حالة, وشكلت حوادث الخطف والاعتداءات الجنسية علي النساء سواء داخل الأسرة او من المجتمع31 حالة, كما بلغت حوادث قتل النساء78 حالة,. و بهذا الصدد اشارت د. فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومي للمرأة إلي ان المجلس قد قام بانشاء مكتب للشكاوي لتلقي شكاوي السيدات بالأضافة الي توقيعة لمشروع يوجة للحد من العنف ضد المرأة مع الوكالة الأمريكية للتنمية بهدف التوعية بقضايا التمييز ضد المرأة في اطار ادماج شئون المرأة في السياسات و التشريعات الوطنية و لتقديم الدعم الفني و المادي لدعم قدرات المجلس القومي للمرأة في مجال التوعية و اصدار القوانين و دعم جهود منظمات المجتمع الغير حكومية لمنع العنف ضد السيدات. قضايا اجتماعية وسلوكية وبجانب هذه الإشكاليات فإن هناك حزمة أخري من العوامل النفسية والاجتماعية التي تتحكم في قضية العنف داخل المجتمع المصري, علي رأسها العنف الأسري والاجتماعي ضد الأطفال والمرأة. ففي التقارير الحقوقية الصادرة عن ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان حول الجريمة والعنف في مصر وعلاقته بالفقر عام2005 تم رصد معدلات الجريمة197 جريمةي بمعدل1.6 جريمة يومييا, فيما بلغ عدد المواطنين الذين ارتكبوا تلك الجرائم360 من المواطنين, وكانت محافظة القاهرة هي الأعلي في جرائم الفقر. والمدهش أن المبالغ المالية والعينية موضوع الجرائم قد تراوحت من5 جنيهات إلي2000 جنيه مصري. من جانبة اشار د. تامر توفيق زغلول, مدير المستشفي النهاري ووحدة اعادة التأهيل بمستشفي العباسية للصحة النفسية الي ان المشاعر و الأفكار العنيفة تجاة النفس او الأشياء او الأخرين ما هي الا تعبير عن حالة الغضب التي قد تصيب الأنسان و لكن كيف و متي تخرج يعتمد ذلك علي درجة نضوج الشخصية و مدي تماسكها تحت الضغوط التي لا تكون سلبية فقط بل من الممكن ايضا ان تكون ايجابية حيث يختلف رد الفعل و حدتة من شخص الي اخر محكوما بحيثيات متعددة منها الخبرات السابقة و طريقة التربية و أليات التفكير و محركات الدفاع النفسية الشعورية و اللاشعورية لضبط النفس. و يضيف د. تامر زغلول ان مع تكرار حوادث العنف الأسري الأخيرة و التي لا تعد ان تكون ظاهرة انما هي احداث فردية لا يمكن الجزم بكونها حوادث اجرامية او جرائم نفسية الا بالفحص المباشر و لكن عموما يمكننا القول في العموم ان مرتكبي هذه النوعية من الحوادث يتدرج تحت بند الأشخاص معتادي الأجرام و ليس بالضرورة معتادي القتل بحيث قد يكون مصحوبا بتعاطي مواد مؤثرة علي الحالة العقلية و النفسية مثل المخدرات وهذه النوعية تفتقر الي التفكير السوي و لمشاعر الرحمة و الحنان و الشفقة تجاة الضحية سواء كانت من الأقارب او الأغراب بل و قد يستمتع مرتكب الجريمة بألم الضحية( الساديزم) او يكون المرتكب للجريمة دون خبرة في التعامل مع المواقف الضاغطة فيسلك سلوكا عنيفا قد يودي بحياة اخر او يكون مرتكب الجريمة بالفعل يعاني من اضطراب نفسي و لكنة امر لا يعفي ايضا من المسئولية. و اخيرا فأن المطلوب هو مشاركة رجال القانون والاقتصاد و الاجتماع و الأطباء النفسيين و المثقفين و الإعلاميين في ارساء منظومة متكاملة مبنية علي دراسات ميدانية واقعية للتعامل مع العنف. و اخيرا فإن د. امنة نصير, استاذ العقيدة و الفلسفة بجامعة الأزهر تري ان الوسائل الألكترونية ووسائل الإعلام بمختلف انواعها لم تعط المناعة الكافية للمتلقي بل لا يمر يوم دون مشاهدة العنف و سيل الدماء حتي اصبح امرا عاديا قادرا حاليا علي الاستهانة بإزهاق الأرواح في حين ان رسولنا الكريم صلي الله علية و سلم قال و هو ناظرا للكعبة' ما ابهاك و لكن قيمة النفس البشرية اعز علي الله منك' مما يعزز قيمة النفس التي خلقها الله عز وجل اكثر من الكعبة التي هي قبلتنا و عمرتنا و حجنا. اليس لذلك معني ؟.