بقلم أماني بدوي ظهرت في الآونة الأخيرة لكل من يتابع الأخبار ويقرأ صفحات الحوادث في الصحف اليومية الزيادة الهائلة في الجرائم وحوادث العنف بشكل غير مسبوق حتى تحولت إلى ظاهرة يعانى منها المجتمع المصري وقفزت مسألة حوادث العنف والجرائم التي ترتكب كل يوم على نطاق واسع والتي يطلق عليها أحيانا وصف "البلطجة" فقد تزايد الاهتمام بجوانب هذا الموضوع على نطاق واسع خصوصا ما يتعلق بالناحية الأمنية لمواجهة هذه الظاهرة التي أصبحت تمثل تهديدا خطيرا للشعور بعدم الأمان ونتيجة لذلك ومن وجهة النظر النفسية فإن هذه الظاهرة التي يعرفها الجميع بالعنف أو "الإجرام" أو "البلطجة" وهى الخروج على القواعد والقوانين والميل إلى العدوان على الأنفس والممتلكات بما في ذلك من تحد سافر على حقوق الآخرين ليست جديدة بل لها جذور اجتماعية ونفسية، وتحدث بنسب متفاوتة وهى بالنسبة للطب النفسي أحد أنواع الانحرافات السلوكية نتيجة للاضطراب في تكوين الشخصية، وبدلاً من التكوين السوي للصفات الانفعالية والسلوكية التي تشكل الشخصية التي يتعامل بها الفرد مع الآخرين والتي تتكون مبكرا وتتصف بالثبات والاستقرار ولا تتغير فإن الاضطراب يصيب الشخصية فيحدث انحراف وخروج على الأسلوب الذي يتعامل به الناس في المجتمع مما يتسبب في الاصطدام بين أولئك الذين يعانون من اضطراب الشخصية الذي يطلق عليه الأطباء النفسيون الشخصية المضادة للمجتمع. وتحدث الانحرافات السلوكية الناجمة عن حالات اضطراب الشخصية وتبدأ بوادر الانحراف السلوكي في مرحلة المراهقة عادة أو قبل سن الخامسة عشرة، وتحدث بصفة رئيسية في المناطق المزدحمة والعشوائية، وتزيد احتمالاتها في الأسرة كبيرة العدد، وفى المستويات الاجتماعية والتعليمية المنخفضة، وفى دراسات على أقارب المنحرفين من معتادى الإجرام والذين يتورطون في جرائم العنف (أو البلطجية) ثبت أن نفس الاضطراب السلوكي يوجد في أقاربهم بنسبة 5 أضعاف المعدل المعتاد، كما أن الفحص النفسي لنزلاء السجون أثبت أن 75% ممن يرتكبون الجرائم المتكررة هم من حالات اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع أو ما يطلق عليه الشخصية "السيكوباتية" .. ويستدل من ذلك على أن جذور ودوافع العنف تبدأ مبكراً مع تزايد هذه الممارسات والسلوكيات في بيئات معينة يتواجد فيها الشخص في فترات حياته المبكرة حيث يجد فيها النماذج السلبية التي يقلدها ويضاف إلى ذلك الاستعداد الفطري للانحراف لدى بعض الأشخاص الذين يتحولون مع الوقت إلى الإجرام والجنوح لتكون سمة دائمة واختيار متكرر في حياتهم. و هؤلاء المنحرفين الذين يتكرر ارتكابهم لحوادث العنف فإن المظهر العام قد يبدو هادئاً مع تحكم ظاهري في الانفعال غير أن الفحص النفسي الدقيق يظهر وجود التوتر والقلق والكراهية وسرعة الغضب والاستثارة لدى هؤلاء الأفراد والميل إلى الانحراف والكذب وارتكاب المخالفات والجرائم كالسرقة والمشاجرات والإدمان والأعمال المنافية للعرف والقانون وتكون الجذور والبداية عادة منذ الطفولة وهؤلاء لا يبدون أي نوع من الندم أو تأنيب الضمير، ولا ينزعجون لما يقومون به بل يظهرون دائماً وكأن لديهم تبريراً لما يفعلونه من سلوكيات غير أخلاقية في نظر الآخرين، وليس المنحرفون نوعاً واحداً، فمنهم من يستغل صفاته الشخصية في تحقيق بعض الإنجازات دون اعتبار للوسائل، ومنهم من يتجه إلى إيذاء الآخرين أو تدمير نفسه أيضاً، ومنهم من يتزعم مجموعة من المنحرفين أو من يفضل أن يظل تابعاً ينفذ ما يخطط له الآخرون .. ولا شك أن جرائم العنف كالقتل والمشاجرات والاغتصاب ترتبط بالانحرافات السلوكية الأخرى مثل الإدمان والسرقة والأعمال المنافية للآداب العامة، وتزيد احتمالات الإصابة بالاضطرابات النفسية في الأشخاص الذين يرتكبون هذه السلوكيات نتيجة لإضطراب الشخصية . ولحل هذه الظاهرة الخطيرة يتطلب المشاركة بين جهات متعددة لأن الظاهرة معقدة ولها جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأمنية والنفسية : 1- توقع العقاب الرادع، والعدالة السريعة ، وجود ارتباط مباشر بين ارتكاب المخالفة القانونية وتطبيق العقاب المناسب، والتأخر في مواجهة الحوادث الفردية حتى لتتزايد لتصبح ظاهرة. 2- الاهتمام بالتنشئة، لأن الانحراف الذي يصيب الشخصية يبدأ مبكراً، وإذا حدث فإن علاجه لا يكون ممكناً. 3- وضع هؤلاء المنحرفين بعد تشخيص حالتهم وقبل أن تتعدد الجرائم التي يقومون بارتكابها في أماكن تشبه المعتقلات من حيث النظام الصارم، وبها علاج مثل المستشفيات ويتم تأهيلهم عن طريق تكليفهم ببعض الأعمال الجماعية والأنشطة التي تفرغ طاقة العنف لديهم. كلمة الأخيرة أتمنى أن كل الجهات التربوية والأمنية والدينية ومؤسسات الرعاية النفسية والاجتماعية والجهات الأخرى يجب أن تنسق جهودها وتتعاون معا لمواجهة مثل هذه الظواهر التي تهم كل قطاعات المجتمع وترتبط بالحياة النفسية والاجتماعية للناس.