مشوار المرأة المصرية لدخول الحياة البرلمانية تصويتاً أو ترشيحاً الذى بدأته منذ أكثر من قرن مضى، وخاضته رائدات مجاهدات، هل ساوى فى النهاية هذا الحصاد المتدنى الذى كشفته انتخابات مجلسى الشعب والشورى الأخيرة، وهل يعكس دلالة القادم لها فى المستقبل، أم أنه مجرد مظهر من مظاهر عشوائية المراحل والقرارات التى نحياها حالياً. شجون وهموم هائلة أثارها كتاب (نائبات تحت القبة) للزميل محمد المصرى الصحفى البرلمانى لأكثر من ثلاثين عاماً، والصادر عن المجلس القومى للمرأة، لما يحتويه من حقائق ومعلومات موثقة ومؤكدة عن رحلة كفاح المرأة المصرية من أجل دخول البرلمان والفوز بمقعد تحت القبة، والحصول على حقوقهن السياسية والاجتماعية والتعليمية منذ أول دعوة أطلقها الإمام الشيخ محمد عبده رائد حركة التنوير فى مصر، مروراً بثورة يوليو 1952 ودستور 1956 الذى نص لأول مرة فى تاريخ مصر على أن المصريين متساوون أمام القانون لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، ووصولاً إلى الانتخابات الأخيرة. وقبل الدخول فى التفاصيل التى استوقفتنى فى هذه الدراسة العلمية القيمة التى ترصد مسيرة المرأة فى البرلمان قبل دخوله وبعده، وداخله، أثنى أولاً على إصدار الكتاب فى هذا التوقيت بالتحديد، حيث تحيلك كل صفحة وكل معلومة داخله إلى الوضع الحالى الآن سواء بإرادتك أو رغماً عنها.. وأثنى ثانيا على غلاف الكتاب وتصحيحه وصور نائبات الأمة تحت القبة الباعثة والمثيرة للفخر والإعجاب والذى يضم صور كل من مفيدة عبد الرحمن وراوية عطية ونوال عامر وآمال عثمان وزينب السبكى وفايدة كامل، وخاصة الصور غير الملونة منهن. يقسم محمد المصرى كتابه إلى ستة فصول وهى معارك المرأة السياسية من محمد عبده وحتى ثورة 1952، والمرأة المصرية نائبة لأول مرة، والمرأة فى برلمان السادات ومبارك، وقصة الكوتة المصرية، والمرأة فى مجلس الشورى، وحق المرأة فى الترشيح والتصويت فى برلمانات العالم، ولكن ما يلفت الانتباه أكثر هو الجداول والبيانات الإحصائية التى قام بها لإيضاح الصورة التى أراد توصيلها، إضافة إلى الجزء الذى خصصه بعرض كنزه الثقافى الذى اكتشفه وهو كتاب (المرأة المصرية والبرلمان) للأديبة والشاعرة أمانى فريد الذى أصدرته عام 1947 بمقدمه لمحمد على علوبة وزير المعارف وعضو البرلمان، ومن كتاب أمانى فريد نقف على مدى جهد وكفاح المرأة فى الدفاع عن حقها فى أن يكون لها صوت انتخابى مثلها مثل الرجل، تقول أمانى: ينص دستورنا المصرى الذى يرجع إلى دستور سنة 1923 إلى إعطاء حق الانتخاب لكل ذكر بالغ، وأغفل الدستور المرأة المصرية إغفالاً تاماً، وتقول إن مصر بلد إسلامى والدين الإسلامى كرم المرأة وأعطاها كثيرا من حقوقها المدنية والشرعية فى حين أن جميع الأديان الأخرى قد حرمتها من هذه الحقوق، فالدستور المصرى يحرم المرأة المتعلمة المثقفة مما سمح به للرجل الأمى الجاهل. وشفعت المؤلفة كتابها من آراء لزعماء وزعيمات ومفكرين وسياسيين فى استطلاع للرأى بينهم حول حقوق المرأة السياسية، وأنقل إليكم ما قاله لها الأستاذ عباس محمود العقاد فى عام 1947 لطرافته وغرابته، حيث قال إنه لن يجئ الوقت للمرأة المصرية ولا لغيرها من نساء الأمم الأخرى دخول البرلمان، لأن مملكة المرأة هى البيت وليس البيت بأقل حاجة إلى الخدام والأمناء من الحكومات والبرلمانات والسماح لها بمباشرة أعمال الرجال هو أيضاً خطأ، هناك توزيع فى العمل وهذا التوزيع أعطى المرأة مباشرة إعداد الجيل القادم، والدنيا لا تنظم أحوالها إلا بتوزيع العمل وتخصيص كل فريق لما هو أصلح له، وطبعاً كان هذا رأياً مخالفاً لمعظم من اُسْتطلعت آراؤهم أمثال مكرم عبيد وفكرى أباظة وعلى ماهر وغيرهم. والآن اقتطف بعض المعلومات الدالة ومنها أن مصر أول دولة عربية توقع على اتفاقية حقوق المرأة السياسية من الأممالمتحدة، واجتمع أول برلمان مصرى بعد ثورة 1952 فى 22/7/1957 بوجود أول سيدتين تدخلان مجلس الأمة بعد فوزهما فى الانتخابات وهما راوية عطية عن دائرة الدقى وأمينة شكرى عن دائرة باب شرق بالإسكندرية، وقد رأس هذا المجلس عبد اللطيف البغدادى وكان أنور السادات ومحمد فؤاد جلال وكيلين به. كانت سوريا من أولى الدول العربية التى أعطت المرأة حق التصويت فى عام 1949 ثم حق الترشيح للانتخابات عام 1953 تليها مصر فى عام 1956، حيث نص الدستور المصرى لها على حق الترشيح والتصويت، ووصل عدد النساء المنتخبات تحت قبة مجلس الأمة فى فترة عبد الناصر التى بدأت من 22/7/1957 وحتى 14/5/71 والبالغة 14 سنة وثلاثة فصول تشريعية إلى 18 نائبة برلمانية من بينهن أيضاً د.مفيدة عبدالرحمن ونوال عامر وكريمة العروسى، أما فى فترة السادات التى بدأت من 11/11/71 وحتى 22/6/84 أى 13 سنة وثلاثة فصول تشريعية فقد بلغت النساء تحت قبة برلمان مجلس الشعب 50 عضواً بالتعيين والانتخاب ومنهن فايدة كامل وآمال عثمان، ود. ليلى تكلا،ود. زينب السبكى، ود. فرخندة حسن، أما فى الفترة من 23/6/1984 وحتى يوليو 2010 وهى فترة مبارك المخلوع والبالغة 26 عاماً وستة فصول تشريعية فقد بلغ عدد النساء تحت القبة 94 سيدة، إضافة إلى الأسماء السابقة من فترة السادات نجد فوزية عبد الستار وثريا لبنة ويسرية لوزا وفريدة الزمر ود. زينب رضوان. ونتوقف أيضاً أمام هذه الملاحظات ادخلت د. آمال عثمان مجلس الشعب لأول مرة عام 11/11/1976 واستمرت به حتى يوليو 2010، وفايدة كامل دخلت مجلس الشعب منذ 11/11/1971 واستمرت حتى وفاتها فى يوليو 2005، ونوال عامر من عام 26/3/1964 وحتى 11/10/1990. أما فى مجلس الشورى فعدد النائبات اللواتى دخلن فيه منذ بدايته فى عام 1980 وفى جميع الدورات 150 نائبة، منهن 49 نائبة تم تعيينهن أكثر من دورة، وأن عدد من دخلن المجلس بالانتخاب بلغ 4 نائبات فقط خلال سنواته التى تعدت الثلاثين، اثنتان فى عام 1980 واثنتان فى عام 2010.