لايصح أن تعود العلاقات المصرية الإيرانية تحت ضغط ظرف طارئ أو فى مناخ متقلب سريع التغير.. رغم أن الطبيعى والمنطقى والتاريخى هو أن تستمر هذه العلاقة الأزلية.. بكل المقاييس. فما بين القاهرةوطهران أعمق كثيرا مما يفرقهما.. وما اختلفا عليه هامشى.. وبفعل فاعل معروف.. وغير مجهول!! ومصر الدولة والتاريخ والحضارة أكبر كثيرا من أن يفرض عليها أحد- أيا كان- أى شىء استغلالا لتطورات العلاقات المصرية الأمريكية أو بعد تهديد واشنطن بقطع المعونات. فمع تقديرنا الكامل لعرض إيران بالتعاون فى مختلف المجالات.. فإن استقلالية القرار المصرى ومكانة أرض الكنانه لا تقبل عودة العلاقات فى مثل هذه الظروف.. وبهذه الأدوات. وكما رفضنا تهديدات واشنطن فإننا نرفض إغراءات ووعود طهران! بمعنى آخر.. فإن صياغة علاقات القوى الإقليمية المركزية.. المؤثرة فى حركة الأحداث يجب أن تتم وفق حسابات دقيقة تراعى مصالح هذه القوى وشعوبها.. كما تراعى التوازنات الإقليمية والدولية. ومصر بعد الثورة أقوى بكل المعايير.. أقوى بشعبها الثائر.. أقوى بديمقراطيتها الوليدة.. أقوى بتحررها من الديكتاتورية والفساد.. أقوى بمواردها وقدراتها الطبيعية و(الناعمة).. نعم نحن أقوى رغم كل مظاهر الضعف الظاهرة.. والعارضة التى نلاحظها حاليا.. من مشاكل أمنية واقتصادية وسياسية معقدة. فهذه آلام «تسنين» الثورة.. نعم الثورة.. لها أنياب و«ضروس» سوف تبدأ بطحن عُتاة الفساد والاستبداد. تمهيداً لمرحلة النهضة والانطلاق. بمعنى آخر.. فإن تقييم موازين القوى فى المنطقة يمنح مصر ميزة كبرى بعد الثورة.. ويجب أن ندرك نحن فى مصر هذه القيمة والمكانة الرائدة.. العائدة إلينا كحق طبيعى أصيل.. رغم محاولات الصغار والأقزام اقتناص أدوار أكبر من أحجامهم يتم رسمها لهم فى كواليس صناعة الشر بالعواصم الغربية والإسرائيلية! ومن هذا المنطلق.. فإن مصر تصوغ علاقاتها مع كافة الدول.. من منطلق القوة وليس الضعف.. وفى عهد الثورة.. وليس فى زمن الفساد والاستبداد. لذا فإننا نفرض شروطنا..ونحدد زمان ومكان وأسلوب عودة أو قطع العلاقات مع الدول. وقد تعرضت العلاقات المصرية الإسرائيلية والمصرية الأمريكية لأزمات حادة بعد الثورة.. وكلنا يتذكر مشهد اقتحام مبنى السفارة الإسرائيلية على كورنيش النيل فى القاهرة وإنزال العلم الإسرائيلى من فوقها وإلقاء وثائقها ومحتوياتها من فوق المبنى الشاهق كدلالة رمزية على رفض شعبى ليس للتطبيع ولكن للاحتلال والطغيان الذى تمارسه إسرائيل.. ورغم هذه الأزمة الخطيرة- آنذاك- لم تتخذ القيادة المصرية أى قرار انفعالى بقطع العلاقات.. وتريثت وأدارت الأزمة بهدوء وبواقعية. أى أن القاهرة لم تتسرع ولم تخضع لوتيرة الأزمة الطارئة المتسارعة واتخذت القرار السليم.. رغم خطورة التطورات التى شهدناها جميعا. وذات الموقف حدث مع العلاقات المصرية الأمريكية.. مع الفارق الكبير والترابط الشديد بينهما وبين العلاقات المصرية الإسرائيلية. فمصر تعاملت مع الأزمة الأمريكية بهدوء أيضا وباحترام لسيادتها وكرامتها. وليس أدل على ذلك من انسحاب الوفد العسكرى المصرى من واشنطن نتيجة التلويح بقطع المساعدات والغريب فى الأمر أن التسرع وعدم التقييم الدقيق للموقف انتقل من العرب إلى الأمريكان .. وأصبحنا ندير الأزمة بحكمة.. وهم يديرون أزماتهم بانفعال واستعجال!! والترابط القوى بين العلاقات المصرية الأمريكية.. والعلاقات المصرية الإسرائيلية واضح تماما مع الاقرار بأقدمية وأهمية العلاقات بين القاهرةوواشنطن... بصورة تفوق علاقات مصر وإسرائيل. بل إن علاقتنا بتل أبيب جاءت فى إطار تطور العلاقات المصرية الأمريكية. كما أن واشنطن منحت لإسرائيل واللوبى الصهيونى فى واشنطن صكاً على بياض لصياغة ملف الشرق الأوسط برمته.. بل إننا شاهدنا كثيراً من مسئولى الخارجية والبيت الأبيض الأمريكيين من اليهود الذى يتولون التنسيق مع تل أبيب مباشرة ودون مواربة!! وعن تقييم علاقتنا مع إيران ننطلق إلى عدة دوائر اهمها المصلحة الوطنية المصرية فهذا هو الأساس لأية علاقة خارجية فيجب أن نحسب مصالحنا بدقة.. ونحدد موازين الربح والخسارة.. وهى ليست مادية دائما. بل إن هناك أسساً عقائدية وتاريخية حيوية. فإيران دولة اسلامية وذات حضارة عريقة ومشهودة كما انها متقدمة تكنولوجياً وعسكرياً واقتصادياً ولكنها بالمقابل تعانى من مشاكل داخلية واقليمية ودولية عديدة ليس فقط بسبب الملف النووى ولكن بسبب ثورتها التى انطلقت عام 1979 هذه هى نقطة التحول فى العلاقات الايرانيةالغربية عموماً.. والاسرائيلية الايرانية خصوصاً. بمعنى آخر.. فإننا لانريد أن نتحمل عواقب وأعباء المشكلة الايرانية اذا أعدنا العلاقات الآن.. بل نختار الوقت والأسلوب المناسبين لإعادتها. وهى سوف تعود بكل تأكيد ولكن متى؟ هذا هو قرار القيادة السياسية والخلاف لا يقتصر على اسم شارع أو الموقف من إسرائيل بل هو أوسع من ذلك بكثير. الدائرة الثانية فى تقييم علاقتنا بإيران هى الأمن القومى العربى.. عامة وأمن الخليج خاصة فمصر ترتبط بدول الخليج بوشائج عديدة ولديها مصالح قوية معها.. ليس فقط العمالة المصرية التى تعد بالملايين ولكن التبادل الاقتصادى والتجارى والسياسى والاجتماعى بغض النظر عن شح هذه الدول وعدم دعمها لمصر بالمعونات الموعودة. ولعل دول الخليج تتذكر أن مصر كانت هى السند الأول فى كل أزماتها عبر القرون بدءا من بزوغ نور الإسلام وانتهاء بحربى الخليج وماقد يستجد من حروب!. فالمنطقة حُبلى بالمفاجآت المتفجرة وسوف تكون مصر هى السند مرة أخرى رغم نكران وجحود بعض دول الخليج لمصر التى ضحت بدماء جنودها فى صحراء الخليج فهذه الدماءأكبر وأبقى واغلى من اية معونة ومن كنوز الارض كلها فهل يدرك الخليجيون ذلك؟ هل يعلمون انهم يضنون على انفسهم وليس على مصر بفتات يضيع هباءً فى مزادات البورصات؟! المحور الثالث فى عودة العلاقات المصرية الايرانية عقائدى ومذهبى.. بوضوح شديد ، فإن طهران حصرت نفسها فى الخانة الشيعية وارتبطت بهذا المذهب وهذا حقها تفعل فيه ما تشاء ولكن ليس من حقها أن تنشره وتفرضه على الآخرين ومصر السُنّية السَنّية لا تقبل نشر هذا المذهب بل إن ارضها ترفضة وتلفظه وهناك فارق كبير بين حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نشر المذهب الشيعى فكلنا سنة وشيعة نعشق رسول الله وآل بيته الكرام بكل أدب وود وتقدير واحترام ويجب أن يخلص غلاة الشيعة مذهبهم من الافتراءات على آل بيت النبوة.. فهى دامغة وواضحة ولا داعى لانكارها. هذه هى الخطوة الأولى المطلوبة من ايران حتى تعود العلاقات على أساس سليم. ومن الناحية الاستراتيجية فإن ايران أقرب إلى مصر بكل المقاييس رغم القطيعة الطويلة والخلافات الطارئة والمفتعلة غالباً. ومنطقة الشرق الأوسط يمكن أن تشهد تغيرات كبرى وقد تنشأ تحالفات جديدة. لا يتوقعها أحد ويجب أن يكون لمصر دور استراتيجى فيها فلا ننتظر حتى يمن علينا أحد بجزرة العلاقات أو يهددنا بعصا المعونات!! وعلى القيادة المصرية الحالية ألاتتأخر كثيراً فى استعادة هذه المكانة المفقودة.. فهذا هو حقنا الطبيعى والمفروض.