إن ما يحدث الآن من اضطرابات واعتصامات وغليان فى بعض المؤسسات القومية وإن شئت قل كل المؤسسات القومية حتى بما فيها ما يطلق عليه مؤسسات الشمال ، والتى يقصد بها المؤسسات الغنية والتى كانت غنية قبل أن تنهب وتستباح من قبل قيادات أتى بها صفوت الشريف وأتباعه عندما كان رئيسا لمجلس الشورى وبالطبع كان يرأس المجلس الأعلى للصحافة بل إنه كان يعيّن أعضاء هذه المجالس وهو يسيطر عليها سيطرة كاملة بغرض فرض سياسة الحزب البائد الفاسد. وقبل أن أستفيض فى أمور يعلمها الجميع فإن هناك حقائق يجب أن نتفق عليها وهى أن معظم رؤساء مجالس إدارات تلك الصحف قبل الثورة كانوا فاسدين أو على الأقل شاركوا فى منهجية الفساد والإفساد وشجعوا على الضلال والتضليل ومنهم من اعترف بأنه تقاضى أموالا بغير حق وصدرت ضده أحكام ومنهم من لا يزال قيد التحقيق ويعرض أن يرد أموالا استولى عليها قدرت بالملايين. أما الغريب فى هذا الأمر أن هناك رؤساء مجالس إدارات لا يزالون يمارسون أبشع أنواع التخريب فى مؤسساتهم فقد أصبحوا طغاة متوحشين وصالوا وجالوا وتربحوا ونهبوا ولم تطالهم يد الحساب حتى الآن بل إن منهم من اعتبر نفسه فوق القانون محتميا ببعض أتباعه وأصدقائه فى المجلس الذى يرعى الصحافة والصحفيين هذا المجلس الذى هو ابعد ما يكون عن مصلحة الصحفيين ومؤسساتهم . إن أحد هؤلاء اعتبر نفسه بعيدا عن سيف القانون وأن أحدا لا يستطيع أن يحاسبه أو يعاقبه عما فعل من جرائم فى حق المؤسسة التى يرتع فيها وينفق منها على ملذاته وشهواته . ومنهم من أسس مكتبه بمبلغ يفوق المليون جنيه وبعد أن اقيل من منصبه وجد أنه قد جعل لنفسه حماما خاصا على مساحة 80 متراً مربعاً مزوداً ب «جاكوزى» بالإضافة الى مستلزمات التدليك والتريض لزوم الفخفخة والأبهة!!.. فى حين ان معظم المحررين فى مؤسسته كانوا لا يجدون مقعدا يجلسون عليه. هذا بالنسبة لما كان يعرف بمؤسسات الشمال الغنية أما مؤسسات الجنوب فرغم أنها «مديونة» وبالكاد تدفع أجور الصحفيين والعاملين بها من خلال السحب على المكشوف أو التغطية الشهرية من وزارة المالية.. هذه المؤسسات يا سادة لا يزال بعضها يرزح تحت حكم رؤساء مجالس إدارات ينتمون الى العهد البائد الفاسد ، بل إن منهم من عين فى عهد المخلوع قبل الثورة بخمس سنوات ومنهم من عين قبل ذلك ولا يزالون يحكمون هذه المؤسسات المنكوبة.. فقد تربوا فى مدرسة الفساد السياسى والإدارى والأخلاقى وتخرجوا منها بامتياز فاستحقوا مكافأة الفاسد الأكبر والذى لم يتوان فى أن يجعلهم على رأس المؤسسات التى لا يزالون يحكمونها بمنطق الخراب والتدمير.. ولم لا؟ وقد استطاعوا من خلال إرضاء ساداتهم والانبطاح أمام سلطان الطغيان حيث قاموا بممارسة أبشع أنواع التضليل والخداع للشعب المطحون فكانت مقالاتهم كلها كذب ومراوغة ومدح لسادتهم إبان العصر البائد.. بل إن منهم من أقسم بأغلظ الأيمان فى أحد مقالاته الهزلية المسفة أن مبارك المخلوع ونظام حكمه هو أفضل عصر شهدته مصر عبر تاريخها الطويل بل إنه تبجح أكثر وجعل من المخلوع أفضل حكام العالم .. يا الله.. هل هناك أسوأ من ذلك ؟! .. نعم هناك أسوأ وأسوأ لأن بعض هؤلاء لم يكتف بنهب مؤسسته وتخريبها فقط بل لجأ الى بيع أصول تلك المؤسسة بثمن بخس وبالطبع لم يكن فيها من الزاهدين وإنما دلس وبدد وتربح وامتلأت بطنه من الأموال الحرام .. ليس هذا فحسب بل إنه عندما أدرك قرب نهايته – وبالطبع لا أقصد نهاية حياته – فالأعمار بيد الله وإنما قرب انتهاء مدة صلاحيته المنتهية أصلا قبل أن يعين صحفيا وليس قبل أن يعين رئيسا لمجلس الإدارة على درجة مخرب هدام .. لم يكتف هذا الشخص بما اقترفت يداه من إجرام فى حق المؤسسة التى أتى على مقدراتها بل امتدت يده إلى كل أنواع النهب والتهليب والتزوير والتخريب.. امتدت تلك اليد التى لا يصلح معها إلا القطع أو الحرق .. أقول إن هذا الشخص أصبح يمارس نوعا آخر من التخريب يصنف على انه أفظع وأبشع أنواع التدمير ألا وهو ضرب روح الانتماء للعنصر البشرى فى المؤسسة التى ابتليت به من خلال إذكاء روح الفتنة والتشجيع على الفرقة وإشاعة أجواء التمرد فى قطاعات المؤسسة المختلفة ظنا منه أن أحدا لم يكتشف مخططاته البائسة .. وصدق الشاعر جبران خليل جبران حين قال فى قصيدته الخالدة المواكب: « قاتل النفس مقتولا بفعلته ..... وقاتل الروح لا تدرى به البشر» وقد يظن هذا البائس أن أجواء الاضطراب والفرقة والبلبلة والإشاعات المغرضة قد تساعده على البقاء فى منصبه ، حيث إن معظم الخلافات التى يصنعها هذا المخرب عن قصد لإحداث الفتنة بين المحررين بعضهم مع بعض تارة وبعضهم مع رؤسائهم تارة اخرى.. حتى يظهر – اى المخرب الدنىء – انه المنقذ والذى بدونه تخرب المؤسسة الخربانة أصلا . وأقول لهذا إنك وصلت الى منصب لا تستحقه فرض علينا فرضا من خلال انقلاب قام به أحد أسلافك الطغاة والذى بدأ تخريب المؤسسة قبلك بعشر سنوات . أقول لك أيها الهارب من نفسك التى فطرك الله عليها الى نفسك التى صنعها لك الشيطان ان سيف القانون سوف يجز عنقك وعنق من أجلسك فى هذا المنصب فكف عليك الفتنة ولا تشيع الدمار وتشعل النار .. النار سوف تأكلك ثم ترد الى رب العرش العظيم لتخلد فى نار جهنم .. هذا وعد الله للمفسدين فى الأرض .. والأيام بيننا .