إن الأحداث الأخيرة التى يزدحم بها المشهد السياسى المصرى تجعل من المحتم على كل ذى عينين وقبلهما كل ذى ضمير حىّ من أبناء الشعب المصرى أن يعى جيدا ما تتعرض له البلاد من مخاطر لا تهدد حاضرها فقط، إنما يمتد تأثيرها إلى المستقبل أيضا.. ومن هنا فإن أول ما يجب أن يفعله هذا الشعب العظيم الذى لا نشك لحظة فى عميق انتمائه لمصر وإخلاصه لها دون تمييز بين فصيل سياسى وآخر أو أى من طوائف هذا الشعب وأطيافه سوى أن يغلّب مصلحة الوطن على أية مصلحة شخصية، لأن ما تتعرض له مصر الآن بكل المقاييس غير مسبوق عبر تاريخها الطويل، وبدت معالمه الخطيرة ونتائجه الأخطر واضحة جليّة، وهو مخطط لا يستهدف إعاقة تهديد الثورة فى أهدافها والوصول بها إلى حيز التنفيذ، إنما يتجاوز ذلك إلى محاولة هدم الدولة وإسقاط هيبتها، تحقيقا لأغراض المتربصين بها والحاقدين عليها ممن يحسدونها على مكانتها العالمية المرموقة وما تحظى به من احترام دولى وكل ذلك ينازع طموحاتهم المقيتة فى أن تتربع دولهم الوضيعة على ذات المكانة ونسوا هؤلاء جميعا أن مصر لها من المؤهلات التاريخية والدعائم الحضارية التى تحققت بهما مكانتها، فى الوقت الذى تفتقد هذه الدول ما يماثل هذه المؤهلات وتلك الدعائم حيث لا تاريخ ولا حضارة لديهم ومن ثم لا مكانة يطمعون فى تحقيقها بانتزاع بعيد المنال، بل هو المستحيل لمكانة مصر المرموقة على خريطة الدول المؤثرة فى السياسة العالمية... ??? وإن المتابع لما تعرّضت له مصر من أحداث مؤسفة فى الشهور الأخيرة إنما ينبئ بيقين مؤكد أن أصابع خبيثة تلعب من خلف ستار لزعزعة استقرار مصر واستهداف أمنها، وبكل الأسف والأسى يوظف هذه الأصابع بعض من المارقين الأغبياء لتحقيق ما ينشده من أهداف بغيضة مرذولة تحت وطأة أحقادهم الدفينة لما حققته الثورة المصرية العظيمة فى يناير من العام الماضى، وظن هؤلاء الأغبياء أن كل ما تحقق من أهداف هذه الثورة يمثل سياجا يحول دون تنامى أطماعهم الحقيرة التى يأملون فى الوصول إليها على حساب أقوات شعب عريق ذاق من الحرمان والفاقه ما ينوء به غيرهم عبر ثلاثين عاما هى سنوات حكم الطغاه المستبدين والتى قامت ثورة يناير لتطيح بهم جميعا وتلقى بقيادتهم فى السجون ليصبحوا عبرة لمن تسوّل له نفسه خيانة هذا الشعب الكريم أو التلاعب بمقدراته.. وإذا كان من المؤسف حقا أن كل المؤشرات والدلائل التى أسفرت عنها التحقيقات الأولية قد أكدت أن فلول النظام السابق خلف القضبان وأذنابهم ممن هم خارجها ضالعون فى اشعال نار هذه الفتنة المفتعلة بين جموع الشعب المصرى حتى تنال من وحدتهم ظنا من هؤلاء الموتورين أن هذه الفتنة سوف تتيح لهم العودة إلى سابق عهدهم البائد وهم فى ذلك واهمون وهذا أبعد مما يحلمون به، حيث عرف الشعب طريقه نحو الحياة الكريمة وذاق طعم الحرية بنجاح ثورته الرائعة. ??? ورغم ذلك نلقى باللائمة على البعض القليل الذى انساق عن جهل وراء أهوائه المريضة وأغراضه الدنيئة مستجيبا لهذا المخطط الذى نسج خيوطه الخونة ممن يقبعون رهن المحاكمة وعلى رأسهم زعيم العصابة ذلك الكهل المتصابى والمحمول تمثيلا على «نقالة» المرضى طمعا فى تعاطف مفقود هو الأبعد عن شعر رأسه المصبوغ.. وإن كنا أيضا نلوم أنفسنا وبلا استثناء على افتقادنا لما يجب علينا من صبر على إنجاز أهداف ثورتنا التى لم يمض على قيامها سوى عام تحقق خلاله أكثر ممكا كنا نحلم به، وها هوذا البرلمان قد ترسّخت قواعده فى سابقة انتخابية شهد الجميع بنزاهتها، ثم مجلس الشورى- رغم تحفظات كثيرة على بقائه- هو الآخر فى طريقه لإتمام انتخاباته، لتبدأ بعده الانتخابات الرئاسية بفتح باب الترشيح فى العاشر من الشهر القادم تمهيدا لانتخاب رئيس لمصر سوف يقودها- بإذن الله- لعهد جديد ولتتفرغ هذه المؤسسات لإنجاز مهامها فى تحقيق الإرادة الحرة لشعب مصر وعلى رأسها قواتنا المسلحة المنوطة بحماية مصر والدفاع عنها ضد أى معتد أثيم.. ??? إن الظواهر الإيجابية التى بدأت تلوح فى الأفق السياسى المصرى رغم كل ما حدث من أحداث محبطة إنما تؤكد بما لا يدع مجالا لأى شك أننا نسير فى الطريق الصحيح.. خاصة بعد القرار الصائب والذى تأخر كثيرا وهو توزيع المتهمين من رجال النظام السابق على سجون مختلفة بما فيهم مبارك نفسه وذلك لو أد المخطط الإجرامى لإسقاط الدولة على يد هؤلاء الخونة.. إن مصر التى كرّمها الله فى كتابه العزيز سوف تبقى شامخة أبية.. فلا نامت أعين الجبناء.