حقيقة دامغة لا تقبل الجدل أن الثورة المصرية قد أحالت بما لا يدع مجالا لأدنى شك واقعنا المصرى من اليأس الذى أطبق على صدور المصريين لعشرات السنين إلى الأمل فى غد مشرق تتحقق من خلاله كل الآمال والأمنيات.. ومن هنا أصبح الشعب المصرى تواقا لترجمة هذه الأحاسيس الايجابية والمشاعر المفعمة بالانتماء والوطنية إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع، وذلك قد يدفعه أحيانا إلى الترقب المشوب بالحذر خوفا على عدم استمرارية ثورته العظيمة، خاصة أنه مازال شبح فلول النظام السابق تلوح فى أفق تفكيره خشية القفز من الأبواب الخلفية المظلمة على هذه الثورة، ومن هنا يكمن ما نشهده فى الشارع السياسى المصرى من مظاهر العجلة والتسرع فى رغبته بتنفيذ كل الخطوات الضامنة للثورة دفعة واحدة حتى تبث فى نفسه الطمأنينة على هذا الإنجاز التاريخى الذى أصبح حديث العالم أجمع ومصدر إعجابه ومبعث إكباره، كما كانت ثورتنا الفتية ومضة الإلهام التى أنارت الطريق لكل شعوب المنطقة الراغبة فى الحرية والعدالة والكرامة، وتشهد بذلك كل الثورات التى تندلع جذوتها واحدة تلو الأخرى ليكون التغيير شاملاً لدحر الدكتاتورية وكل أنظمة القمع والقهر وكبت الحريات لتكون ثورتنا عن جدارة واستحقاق هى قاطرة التغيير فى المنطقة.. ومن هنا يصبح هذا الحدث الكبير على أرض مصر واقعا وثابا إلى الأمام ولا يقبل التراجع خاصة أن الثورة أصبحت منذ بدايتها فى يد أمينة تنال ثقة الشعب المصرى بكامله وهى قواتنا المسلحة الباسلة التى تولى مجلسها الأعلى إدارة شئون البلاد، ومن كل هذه الشواهد التى نلمسها جميعا متمثلة فى الخطوات الجادة والمدروسة والتى ترجمها المجلس الأعلى إلى قرارات فاعلة وهى كافية لأن يطمئن الشعب على ثورته التى صنعها شباب مصر بدمائه وأرواحه ماضية فيما يتطلبه مستقبل مصر من إصلاحات.. وجميعنا يرى عن كثب كل يوم إحالة رموز الفساد إلى محاكمات عاجلة وما يستتبعها من قرارات تحفظ على أموالهم وممتلكاتهم فما يشتبه فى نزاهة مصدرها وفق ما يصل إلىالنائب العام المستشار عبد المجيد محمود من بلاغات متوالية ويجرى ذلك كله طبقا للقانون حتى لا يظلم برىء أو يفلت مجرم بجريمته مهما كان قدره وكانت ومكانته، وقد بدا ذلك واضحا فى تصريح المستشار محمد عبد العزيز الجندى وزير العدل الذى تضمن ملاحقة كل من جمع ثروة بطرق غير مشروعة وتعهد الوزير بضمان استرداد كل هذه الثروات المنهوبة لصالح الشعب.. كما تسير خطوات موازية فى اتجاه الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية فى مصر والتى من شأنهما استئناف مسيرة التنمية والبناء استكمالا لمكتسبات الثورة التى تشمل إرساء دعائم الحرية والعدالة لكل المواطنين ولكنها يجب ألا تكون الحرية المطلقة والتى هى بالتأكيد مفسدة مطلقة تشيع أجواء الفوضى المرفوضة والتى تعوق ما نأمله فى معطيات ثورتنا.. وقد بدت مؤخرا بعض من هذه الظواهر السلبية فى أعمال النهب والبلطجة والتجاوزات التى تزعزع أمن الوطن فكانت الأحكام الرادعة والفورية حائلا دون تفشى هذه المظاهر المؤسفة ولذلك كان الإعداد الحتمى لقانون تجريم التظاهر الذى يعيق وسائل الإنتاج وقد أحدث هذا القانون جدلا عند البعض ممن أساءوا فهم دوافعه رغم أن القانون يقر حق التظاهر والاحتجاج المكفولين بالقانون والدستور ولكن ذلك شريطة ألا يعطل الإنتاج وألا يوقف سير العمل فى مصالح الدولة ومرافقها. وحول من يطالب بمحاكمة بعض الرموز الفاسدة والتى لم تطلهم التحقيقات الجارية فإن ذلك قلق مشروع ولكن تصريحات المسئولين ومنهم رئيس الوزراء والوزراء تؤكد أن هذه المحاكمات سوف تسير تباعا لكثرة عدد البلاغات الموجهة للنيابة العامة وسائر الأجهزة المختصة والتى تفصل فيها فور التثبت من جديتها بشفافية ومصداقية وذلك كله يعنى أنه لا تقاعس ولا تغافل وإنما هى مسألة توقيت فقط لا غير.. ولذلك يجب أن يظهر تعاون منتظر من شعبنا المصرى على اختلاف مستوياته حول هذه النقاط التى تثير قلقا لدى المواطنين حتى تكتمل التحقيقات فى أجواء صحية سليمة تتيح سير التحقيقات بما يحقق الهدف منها وهو التطهير لكل مظاهر الفساد وتعود للشعب أمواله المنهوبة فى إطار من القانون والشرعية.. أما ما يطلق عليه الثورة المضادة فقد صرح وزير الداخلية منصور عيسوى بكلمات واضحة لا تحتمل اللبس أو التأويل أنه لا توجد ثورة مضادة وإنما هى قوى مضادة وهذا طبيعى ولا غرابة فيه بل هو متوقع ولكن هناك شعب عظيم متحضر يثق الجميع فى قدرته على حماية ثورته من هؤلاء المارقين والخارجين عن وحدة الشعب المصرى خاصة أنهم قلة مرفوضة لا وزن لها بعد أن ذاق هذا الشعب الوفى ثمار تضحياته ونتاج صبر السنين على كل ما تعرض له من مظالم.. ولذلك كله وبعد كل هذه التصريحات المطمئنة والمشفوعة بثقة جموع شعبنا المصرى نحن أحوج ما نكون إلى ما لدينا من جرعة متفائلة وواثقة فى مجلسنا الأعلى للقوات المسلحة وفى قضائنا العادل بتاريخه الشامخ حتى تسلم سلطات الدولة بعد اكتمال تشكيلها الدستورى الذى ينتهى بها إلى دولة مؤسسات مدنية لتبدأ مسيرة التنمية ولننعم جميعا بحصاد ثورتنا التى تعيد إلينا مصر بمكانتها المرموقة بين الدول كما كانت وكما نتمنى لها فى المستقبل المشرق.. عله يكون قريبا إن شاء الله.