سوف يدخل مجلس الشعب الجديد الذى يبدأ أولى جلساته غداً «الإثنين» فى بداية فصل تشريعى جديد.. سوف يدخل التاريخ.. تاريخ الحياة النيابية وتاريخ الحياة السياسية فى مصر باعتباره أولاً: أول برلمان منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً منذ ستة عقود، وباعتباره ثانياً: إنجازاً مهماً هو الأول بل الوحيد الذى تحقق فى المرحلة الانتقالية، وباعتباره ثالثاً: الخطوة الأولى فى خطوات نقل السلطة وبداية إعادة بناء مؤسسات الدولة بعد ثورة 25 يناير وعشية الاحتفال بعيدها الأول.ورغم الخلاف السياسى المحتدم بين من يرون ضرورة إقامة الاحتفالات بالعيد الأول للثورة الذى يوافق يوم الأربعاء المقبل والذى قرر المجلس العسكرى اعتباره عيداً قومياً إلى جانب عيد ثورة يوليو وعيد نصر السادس من أكتوبر، وبين من يعترضون على الاحتفال بدعوى أن الثورة لم تكتمل بعد ولم تحقق كل أهدافها ومطالبها. ومع احترام وجهتى النظر، إلا أنه يبقى ليوم 25 يناير أهميته التاريخية والوطنية باعتباره اليوم الذى انطلقت فيه شرارة أعظم ثورة شعبية فى التاريخ المصرى منذ آلاف السنين.. اسقطت نظاماً حاكماً ظل قابعاً فى السلطة بكل الجبروت والفساد.. لم يكن متصوراً إسقاطه على نحو ما حدث، ولكن شعب مصر صنع المعجزة وفاجأ العالم مثلما فاجأ النظام ذاته فى عنفوان قوته فأسقطه سقوطاً مدوياً فى 18 يوماً، ولذا فإنه يبقى للاحتفال دلالته المهمة التى لا يتعين إغفالها. *** غير أنه يجدر بنا ونحن نحتفل أن نتوقف ملياً لمراجعة ما جرى وما تحقق وما لم يتحقق طوال سنة كاملة مضت وقراءة كشف الحساب الختامى عن هذه السنة من عمر الثورة وخلال المرحلة الانتقالية. إن أول ما يثير الاهتمام فى نهاية هذه السنة هو فوز التيار الدينى بهذه الأغلبية الساحقة من المقاعد البرلمانية فى أول انتخابات تجرى بعد الثورة، وهى الأغلبية ذاتها التى كان الحزب الوطنى المنحل يستحوذ عليها بالتزوير، وهو الأمر الذى يؤكد ما تواتر قبل الثورة من أنه لا بديل للنظام السابق وحزبه سوى التيار الدينى وخاصة جماعة الإخوان، وهو الأمر الذى يعكس حجم الجريمة التى ارتكبها النظام باحتكاره للسلطة وللحياة السياسية والحزبية والتضييق على بقية الأحزاب وخنقها للحيلولة دون أية إمكانية لتداول السلطة سلمياً. الملحظ الآخر هو أنه بينما نجحت الثورة فى إسقاط رأس النظام السابق وأركانه، فإن إدارة المرحلة الانتقالية لم تنجح طوال إثنى عشر شهراً فى اجتثاث جذوره الممتدة فى أوصال الوطن وأعصاب الدولة ومواقعها الحساسة كإجراء ضرورى لاكتمال نجاح الثورة، ولذا فإن الثورة فى اعتقاد الكثيرين لاتزال فى خطر. ومن المفارقات فى كشف حساب السنة الأولى من الثورة أنه بينما تم إسقاط النظام السابق فى (18) يوماً فقط، فإن إجراءات نقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية طالت وامتدت من ستة أشهر حسبما كان مقرراً فى بداية المرحلة الانتقالية إلى (18) شهراً! ولعله لا خلاف على أن إطالة المرحلة الانتقالية وحيث تأتى الذكرى الأولى للثورة دون أن يتم الانتهاء من إجراءات نقل السلطة.. لعله لا خلاف على أنها تقلّل كثيراً من بهجة الاحتفال، وفى نفس الوقت الذى تثير فيه بل أثارت بالفعل قلق وهواجس الكثيرين خاصة الشباب الذين أشعلوا وحدهم الشرارة الأولى للثورة والذين تم تغييب دورهم فى العملية السياسية وجرى تهميشهم بإقصائهم عن المشهد رغم ما قدموه من تضحيات وضحايا.. شهداء ومصابين! *** إن الاحتفال بالعيد الأول للثورة لا يمنع بل يدفع إلى تكرار ما سبق من انتقاد لإدارة المرحلة الانتقالية وما شهدته من أخطاء وارتباك والتباس وتباطؤ فى تفعيل الثورة وعلى النحو الذى أضاع وأهدر الكثير من الوقت وتسبب فى تأخير نقل السلطة حتى الآن. لقد بدأت إدارة المرحلة الانتقالية بسلسلة من الأخطاء المتتالية.. أولها الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور السابق الذى تم تعطيله، وهو الاستفتاء الذى أحدث استقطاباً سياسياً وطائفياً واحتقاناً مجتمعياً بالغ الخطورة، وثانيها إصدار الإعلان الدستورى دون إجراء استفتاء عليه متضمناً المواد المعدلة بالاستفتاء! أما الخطأ الأكبر فكان الترتيب الذى تضمنه الإعلان الدستورى لإجراءات نقل السلطة بحيث تجرى الانتخابات البرلمانية لمجلسى الشعب والشورى أولاً قبل الدستور الذى أنيط بالبرلمان اختيار لجنة إعداده ثم إجراء انتخابات الرئاسة، وهو ترتيب تأكد خطأوه الذى حذّر منه فقهاء الدستور والقانون والذى تسبب فى ارتباك العملية السياسية والاحتقان السائد فى المشهد السياسى. لقد كان الأصوب وضع الدستور الجديد أولاً وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية، إذ أن الدستور هو الأساس الذى يقوم عليه النظام السياسى الجديد بعد الثورة والذى على أساسه أيضاً تتحول الثورة إلى دولة، وهو الذى يحدد شكل النظام السياسى وهل هو رئاسى أن برلمانى أم مختلط وكذلك صلاحيات الرئيس والبرلمان والحكومة. أما انتخاب البرلمان أولاً فقد بدا أشبه بوضع العربة أمام الحصان، مع ملاحظة بالغة الأهمية وهى أن قيام البرلمان بوضع الدستور من خلال لجنة إعداده التى يختارها يعد سابقة سياسية وبرلمانية لم تحدث فى أية دولة ديمقراطية، باعتبار أن الدستور يتعيّن أن يحظى بتوافق وقبول ورضاء كافة أطياف وتيارات وأحزاب وفئات المجتمع، إذ أن الحزب الذى يستحوذ على الأغلبية البرلمانية قد يتحول فى انتخابات تالية إلى حزب أقلية. ولا شك أن الأزمة السياسية الراهنة وحيث يتبدّى الارتباك فى المشهد السياسى.. سببها الوحيد إرجاء الدستور إلى ما بعد انتخاب البرلمان بمجلسيه، خاصة وأن الفترة المحددة للانتهاء من وضع الدستور وفقاً للجدول الزمنى مدتها شهر ونصف الشهر، وسوف تتداخل مع بدء الحملات الانتخابية لمرشحى الرئاسة والتى من المقرر أن تبدأ مع فتح باب الترشيح حسبما أعلن المجلس العسكرى فى منتصف شهر أبريل المقبل. هذا التداخل بين حملات الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور من شأنه زيادة حالة الارتباك والالتباس، إذ كيف يتقدم المرشحون بأوراق الترشح ويبدأون حملاتهم بينما لم يتم إقرار الدستور الذى سيحدد شكل النظام السياسى وصلاحيات واختصاصات الرئيس القادم؟! *** واقع الأمر فإنه رغم انعقاد مجلس الشعب الجديد غداً (الاثنين) ومع اقتراب إنجاز الخطوة الثانية من خطوات نقل السلطة بانتخاب مجلس الشورى، إلا أن حالة الاحتقان والارتباك سوف تظل سائدة فى المشهد السياسى خلال الأشهر الخمسة المتبقية من المرحلة الانتقالية والتى من المقرر انتهاؤها يوم (30) يونيو المقبل بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتسلمه السلطة رسمياً فى الأول من يوليو. ولكن يبقى ترجّى تهدئة حالة الاحتقان السياسى مع انعقاد مجلس الشعب الجديد غداً والذى سيترأسه الدكتور محمد سعد الكتاتنى أمين عام حزب الحرية والعدالة بوصفه حزب الأغلبية فى سابقة هى الأولى فى تاريخ الحياة النيابية التى يتولى فيها نائب من جماعة الإخوان وغير قانونى رئاسة البرلمان، وحيث تتوقف هذه التهدئة المرجوة على مدى قدرة الأحزاب الممثلة فى المجلس وفى مقدمتها حزبا الحرية والعدالة والنور السلفى على التوافق على تغليب مصالح الوطن العليا فوق الأهواء والمصالح الحزبية. وفى نفس الوقت فإن على التيار الدينى ممثلاً فى الإخوان والسلفيين أن يدرك أن ثورة 25 يناير هى التى منحته الشرعية السياسية والحزبية وأنه لولا نجاح الثورة التى لم يكن له دور فى قيامها ولم يشارك فى بدايتها لما أمكنه خوض الانتخابات والفوز بالأغلبية البرلمانية، ومن ثم فإنه يتعين تحذير هذا التيار حتى لا يكون استنساخاً للحزب الوطنى المنحل وللنظام السابق فى احتكار السلطة والتشريع، إذ أن تجربة الحزب الوطنى لن تكون قابلة للاستنساخ وإذ لن يسمح المصريون بتكرارها مرة أخرى. *** فى كشف حساب السنة الأولى من الثورة.. يبقى أمران بالغا الأهمية.. أولهما: هذا التباطؤ الشديد فى محاكمة رئيس النظام السابق وأركانه ورموزه والتى تثير محاكمتهم الكثير من الاستفزاز والاستياء بل أيضاً الكثير من التساؤلات وذلك بالنظر إلى المعاملة الخاصة والمتميزة التى يحظون بها ولا تتناسب مع كونهم متهمين محبوسين خاصة مشهد دخول وخروج الرئيس المخلوع ونجليه ووزير داخليته المتبختر فى مشيته بدون قيود بوصفه مسجونا وفى ملابسه الزرقاء (السينيه) والتى لا تمت بصلة لملابس السجن! الأمر الآخر هو استمرار حالة الانفلات الأمنى ومظاهر البلطجة رغم التحسن النسبى فى حالة الأمن الذى بدأت مظاهره بقيادة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية وفى أعقاب تشغيل حكومة الإنقاذ الوطنى برئاسة الدكتور كمال الجنزورى. *** أما الالتباس الأخير فى المشهد السياسى الراهن ومع انعقاد مجلس الشعب الجديد فإنه بشأن وضع الحكومة، وهذا الالتباس مرجعه إلى أن الإعلان الدستورى نص على أن المجلس العسكرى الذى يتولى اختصاص رئيس الجمهورية هو الذى يختار الحكومة وليس البرلمان، والسؤال هل سيقوم بتكليف حكومة جديدة أم أن حكومة الجنزورى سوف تستمر لحين انتخاب رئيس الجمهورية الجديد؟.. والسؤال الآخر: فى حالة انتظار انتخاب الرئيس.. هل سيختار الحكومة أم يشكلها حزب الأغلبية؟.. الإجابة عن هذا السؤال مؤجلة لحين وضع الدستور، وذلك مظهر آخر من مظاهر ارتباك العملية السياسية. * وللحديث بقية *