يبدو أن البنك المركزى كان مضطرا أمام التهاوى، الذى شهدته قيمة الجنيه خلال تعاملات الأسبوع الماضى، حيث تخطى سعر صرفه سقف ال «6» جنيهات مقابل الدولار إلى التعجيل بعقد الاجتماع الدورى للجنة السياسة المالية لاتخاذ بعض التدابير الحمائية التى توفر المزيد من الاستقرار لسوق الصرف. وللمرة الأولى منذ 3 سنوات، اتخذت اللجنة قراراً برفع أسعار الفائدة على عائد الإيداع والإقراض والائتمان والخصم بمقدار 1%، لتصبح 9.25% للإيداع و10.25% للإقراض، و9.5% للائتمان والخصم، وذلك بعد 17 تثبيتاً متتالياً لأسعار الفائدة، فضلا عن ذلك تم رفع معدل التعامل على عمليات اتفاقات إعادة الشراء؛ لتكون 9.75% بدلا من 9.25%، التى تم إقرارها فى 10 مارس الماضى على عمليات اتفاقات إعادة الشراء لأجل استحقاق لمدة سبعة أيام...وجاءت هذه القرارات على هوى خبراء المال والاقتصاد الذين أجمعوا على أن تحرك البنك المركزى جاء فى التوقيت الأمثل لكبح تنامى معدلات الميول التضخمية، وتعظيم السيولة المالية بالقطاع المصرفى، وهذا ما يمكن البنوك من شراء أذون الخزانة للمساهمة فى سد عجز الموازنة. قرارات البنك المركزى الأخيرة - كما يرى د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة – ستكون بمثابة آلية فعّالة لسحب المزيد من الأموال من السوق إلى الجهاز المصرفى، مما يسهم فى السيطرة على معدلات التضخم المتنامية، فضلا عن ذلك سيترتب على رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بالجنيه زيادة الطلب على الجنيه وبالتالى الحد من ارتفاع سعرالدولار، لقلة الطلب عليه فى مقابل زيادة الطلب على الجنيه. ويعود د. الشريف ليؤكد أن حالة الاضطراب التى تعيشها أسواق الصرف عامة، تعد أحد تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، لأن سعر الصرف هو علاقة بين عملتين تحدد وفقا للعرض والطلب، فسعر الدولار فى السوق المصرى مثلا يفترض أن يحدد وفقا للعلاقة بين الطلب على هذه العملة والعرض، وبالتالى فإنه كلما زاد المعروض من الدولار وقل الطلب عليه انخفضت قيمته فى مقابل الجنيه، لافتا إلى أن ارتفاع سعر الدولار خلال الشهور الأخيرة نتج عن تدنى عائدات البترول وقناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين فى الخارج. «وأمام هذا التهاوى الذى أصاب الجنيه» جاء تدخل البنك المركزى بقرارات رفع سعر الفائدة لإعادة التوازن إلى السوق وهذا أمر معمول به فى مختلف النظم المصرفية، وإن كان هناك من يرى أن الأسلوب الأفضل لإدارة السياسة النقدية يستلزم السماح لسعر الصرف بالتحرك بأقل قدر من القيود، حتى لو أدى ذلك إلى انخفاض قيمة العملة بشكل كبير، وأن هذا لا يعنى إلغاء دور البنك المركزى، بل يجعل تدخله هادفا إلى الحفاظ على استقرار السوق ومنع الصدامات أو المضاربات العشوائية. فيما يحذر د. حمدى عبد العظيم الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية من خطورة رفع أسعار الفائدة على الإقراض على الاستثمار، لما يترتب على ذلك من زيادة تكلفة الحصول على التمويل، وبالتالى ارتفاع عوائد تكلفة التشغيل للمصانع والشركات، مما سيؤدى إلى إحجام أرباب المصانع عن التعامل مع الجهاز المصرفى، وتراجع معدلات التشغيل والإنتاجية، مؤكدا أن هذا القرار سيترتب عليه بالضرورة حجم الوادئع، ومن ثم تزيد قدرة البنوك على شراء أذون الخزانة والسندات، التى تطرحها الحكومة لتمويل عجز الموازنة. وقال د. عبدالعظيم: التلاعب بأسعار صرف العملات أمر فى منتهى الخطورة على الاقتصاد لما يمكن أن يترتب عليه من أزمات بنيوية فى الاقتصاد، فالاستقرار هو الأساس فى الأمر، خاصة المستمد من علاقة حقيقية بين عرض العملة وطلبها بدون تدخل سواء من الحكومات أو الفاعلين فى السوق، لكنه فى ظروف الأزمات لا يوجد من يمنع تدخل الدولة لحماية هذا السوق من الاضطراب. وأضاف أنه فى ظل هذه الظروف يحرص البنك المركزى على التدخل بتدابير وقائية لحماية الجنيه والتى كان منها سابقا التدخل لزيادة المعروض من الجنيه، أو زيادة عرض أى من العملات الأخرى، التى تعانى نقصا ملحوظا وذلك ببيع جزء من الاحتياطى فى أسواق الصرف، وأخيرا كانت القرارات الأخيرة القاضية برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض والائتمان، لافتا إلى أن اضطراب سوق الصرف ناتج عن تعارض السياسات النقدية والمالية المتبعة. وأشار د. عبدالعظيم إلى أنه فى الوقت، الذى يرى فيه صانعو السياسات المالية تخفيض سعر الفائدة وسعر الصرف من أجل زيادة الاستثمار والتصدير، ويدفعهم فى هذا الاتجاه رجال الأعمال، نجد أن السياسة النقدية التى يتبعها البنك المركزى تتبنى وجهة نظر أخرى تعمل جاهدة للحفاظ على أسعار فائدة معقولة تشجع المدخرين على الاحتفاظ بالعملة الوطنية. أما د. إسماعيل شلبى مستشار هيئة سوق المال سابقا وأستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق فقد أكد أن تدخل البنك المركزى باتخاذ هذه القرارات حماية للجنيه هو تصرف مقبول وحق أصيل للدولة، إلا أن هذه الإجراءات غير كافية لحماية سوق الصرف فى ظل هذه الأزمات العنيفة، التى تتعرض لها الاقتصاديات العالمية، وبالتالى وجود صراع محتدم بين كبار الفاعلين الدوليين سعيا وراء تقليل الخسائر وتعظيم الاستفادة من ظروف الأزمة. وقال د. شلبي: الخلل الحاصل فى علاقة الجنيه بالدولار ناتج فى الأساس عن قلة المعروض من الدولار؛ لتدهور إيرادات العملات الأجنبية مع زيادة الطلب على الدولار، كونه عملة التعاملات الدولية، ومن ثم الحاجة دائما له لسداد فاتورة الاستيراد، وبالتالى فإن العلاج الأمثل لهذا الخلل لابد أن يكون بمثل هذه القرارات التى يصدرها لبنك المركزى فى التوقيت المناسب بالتوازى مع السعى الحكومى لعلاج أسباب الأزمة التى ذكرناها، وذلك بأن تتحرك جاهدة لتحجيم الحصول على الدولار أو غيره من العملات الأجنبية لغير الاحتياجات الحقيقية، وأن يقتصر أى تصرف فى الودائع بالعملات الأجنبية بالداخل على التحويل للعملة الوطنية. وأضاف أن الحكمة تقتضى تدخل البنك المركزى لحماية قيمة العملات من محاولات رجال الأعمال، لأن بقاء أسعار الصرف على ما هى عليه ميزة، لما يؤدى إليه من استقرار فى الأسعار وتقليل لنسبة التضخم، بما يحققه من استقرار، وهذا ما يقتضى استمرار التدخل بشراء العملات الدولية وخاصة الدولار فى حالات الفائض عن حاجة السوق أو البيع فى حالات نقص المعروض، وذلك وفقا لقواعد آلية الإنتربنك التى تستهدف استقرار الأسعار، فضلا عن استخدام آليات أسعار الصرف بشكل رشيد يحقق الاستقرار.