إعلام إسرائيلي: مقتل إسرائيليين اثنين جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في بورصة وأسواق الشرقية السبت 14 يونيو 2025    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    أشرف داري ل«المصري اليوم»: درسنا إنتر ميامي ونعرف ميسي جيدا (فيديو)    الأهلى يختتم تدريباته الجماعية استعدادا لمواجهة ميامى فى كأس العالم للأندية    جميعها مجانية.. القنوات المفتوحة الناقلة لمباراة الأهلي ضد إنتر ميامي مباشر.. والتردد    حديث خاص بين ريبيرو وجماهير الأهلي قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    تفاصيل الاجتماع الفنى لمباراة الافتتاح.. الأهلى بالأحمر والشورت الأبيض أمام ميامى    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 ب محافظة الشرقية الترم الثاني فور اعتمادها بالاسم ورقم الجلوس    بالفيديو ..تامر حسني لجمهور الكويت : هتقوني علشان اغني ..انتوا عارفين الظروف    علقة موت لمدرب كمال أجسام تعدى جنسيا على طفلين بالفيوم    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    قناة مفتوحة لنقل مباراة الأهلي وانتر ميامى في كأس العالم للأندية    واقعة ياسين تتكرر.. والدة طفل تتهم مدرب كاراتيه بهتك عرض نجلها بالفيوم    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    مؤتمر أخبار اليوم العقاري.. «رواد القطاع العقاري يضعون خارطة طريق لمستقبل الصناعة»    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    القناة 13: إصابة 5 إسرائيليين جراء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    الكويت تدعو مواطنيها فى مناطق التوتر بتوخى الحذر والمغادرة حال سماح الظروف    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    الجنح تسدل الستار في قضية انفجار خط الغاز.. اليوم    مصرع فتاة سقطت من الطابق السادس بسوهاج    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    لدينا دبلوماسيين بارعين.. عمرو أديب يعلق على أنباء ترشيح مدبولي للجامعة العربية    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    «قصور الثقافة» تعرض طعم الخوف على مسرح مدينة بني مزار.. غدًا    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    أطباء بالمنيا يسطرون ملحمة إنسانية داخل غرفة العمليات وينقذون مريضة ووليدها    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 14 يونيو 2025    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلسوف.. مطرباً
نشر في أكتوبر يوم 27 - 11 - 2011

حاجة تُحيّر.. ما الذى يجعل فيلسوفاً.. أستاذا.. موسوعيا.. مفكرا.. بقامة أنيس منصور أن يتمعشق بفن الغناء؟ هل زملاؤه فى المدرسة غرروا به؟ أم أنها وراثة عن خاله وخالته؟! أم لأن الغناء كان هواية الزعماء والسياسيين والكُتاب فى شبابه؟ أم هى رغبة فى التميز خاصة أنه اعتاد أن يتميز فكان أول المدرسة فى جميع المراحل الدراسية وأول قسم الفلسفة بكلية الآداب.. ومن الغريب أنه كان خجولاً، فإذا اضطر أن يغنى كان يغمض عينيه حتى لا يرى أحدا كأنه مازال يغنى فى الحمام لنفسه.
أول أغنية سمعها الأستاذ هى:(أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العزول) لحن وغناء سيد درويش، وكان يستخدمها فى امتحان الأصوات الشابة، وقد سمع كل الأصوات الجديدة فى منزله وهم جميعا كانوا حريصين على الحصول على شهادة الميلاد من الأستاذ، فى كل مرة يجئ شاب ومعه العود لكى يسمعه صوته يجده يبدأ ب (أنا هويت) وفى إحدى المرات سأل الشاب: لماذا هذه الأغنية بالذات؟ فكانوا يقولون: لأن سيادتك بتحبها. ويسأل كيف عرفتم؟ فيكون الجواب: لأن الأستاذ محمد قابيل الناقد الفنى بمجلة أكتوبر - سابقا - هو الذى قال لنا ذلك، هكذا كتب الأستاذ فى كتابه «الكبار يضحكون أيضا» وقد نجح الأستاذ فى إقناع المخرج حسن الإمام فى أن يضمنها أحداث فيلمه «بمبى كشر» عام 1974.
«وأنا هويت» ليست أغنية، إنما هى «دور» والفرق كبير، فى بداية المعرفة سألنى: من غنى (أنا هويت)؟، قلت: سيد درويش، ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى وإبراهيم الحجار وإسماعيل شبانة وفرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة، فطلب منى تسجيلات لكل هذه الأصوات، ذهبت إلى الخال فهمى عمر - اطال الله عمره - وكان رئيسا للإذاعة وأبلغته طلب الأستاذ، فوافق وسجل لى على كاسيت كل هذه الطبعات المميزة من الدور المميز، وظل الأستاذ يحكى ويتحاكى بهذا الكاسيت ولم يفارق مكتبه طوال حياته.
حفظ أنيس منصور القرآن الكريم وهو فى سن صغيرة، وكان يرتله تقليدا للمشايخ المحترفين، وفى المدرسة اكتشف زملاؤه فى الفصل أن صوت أنيس جميل، فكانوا يغلقون باب الفصل ليغنى لهم.
كان الغناء هواية الكبار فى مصر، وقد عرف عن الزعيم مكرم عبيد حبه الشديد لأغانى محمد عبد الوهاب، وكان يحفظها من أول مرة يسمعها فيها، ثم يؤديها فى مجتمع الأصدقاء، وكثيرا ما يكون محمد عبد الوهاب حاضرا للمراجعة والمتعة، أما الأستاذ عباس محمود العقاد فكان شاعرا عتويلاً كتب نشيد «رفعنا العلم» وقصائد «كأس على ذكرى.. وغازى قلوب الشعب بالكرم.. ويا ساعة الصفو غبت عنى.. ومولدى يوم شقائى».. كلها لحنها وغناها رياض السنباطى الذى لحن لنا درة أمين قصيدة العقاد «فى الهوى قلبى زورق يجرى» وكتب العقاد أيضا أغانى فيلم «شبح الماضى» وكلمات 40 أغنية باللهجة العامية إلى جانب دواوين العقاد وأشعاره غير المغناه.
إذن فالأستاذ أكد حب الغناء عند تلميذه أنيس منصور، وكم من مرة سمع الأستاذ يغنى ربما مطربا وربما محللا كما فعل فى طقطوقة «يا عزيز عينى.. وأنا بدى أروح بلدى».
وعميد الأدب العربى كان عاشقا للغناء، وكم حضر تسجيلات محمد عبد الوهاب فى الاستوديو، وكتب أغنية مسرحية لمنيرة المهدية لحنها كامل الخلعى، ثم سجلها بصوته على اسطوانة من إنتاج شركة «فونوغراف» مطلعها (أنا لولاك.. كنت ملاك.. غير مسموح.. أهوى سواك.. سامحنى.. فى العشاق.. أنا مشتاق.. أبكى وأنوح.. بالأشواق.. صدقنى».
كان الغناء هواية الكبار، ومنهم الكاتب الراحل الكبير على حمدى الجمال والأستاذ إبراهيم زكى خورشيد عاشق ألحان الشيخ زكريا أحمد وجمال الدين أبو رية، والدكتور عبد الرحمن بدوى أستاذ أنيس منصور الذى كان إذا اجتمع تلاميذه على الغناء شاركهم وحرص أن يكون صوته مسموعا.
كان أنيس منصور الطالب الوحيد بالامتياز بقسم الفلسفة، وفى إحدى المحاضرات حاول أستاذه منصور باشا فهمى أن يبين وجهة نظره بالصوت، فغنى لسيد درويش وكان موضوع المحاضرة العلاقة بين الحس والصوت والحس والإحساس وبين الحس والجمال.
وكان الرئيس أنور السادات يحب أن يغنى وكان يقول: أنا راجل فنان لا أحب السياسة.. وغنى أمام أنيس منصور لسيد درويش وكان محباً لألحان فريد الأطرش وأفلامه.
عشق الغناء إذن كان رغبة الكبار فى السياسة والفكر والكتابة، لذلك جلس أنيس أمام محمد عبد الوهاب ليسمعه صوته، وغنى «يا وابور قلى رايح على فين» و«أمتى الزمان يسمح يا جميل» وكالعادة بارك عبد الوهاب صوت أنيس ورحب به زميلا فى المهنة، لكن أنيس لم يكن يحب محمد عبد الوهاب ويرى أنه رجل بلا مشاعر، لا تنفذ منه المشاعر ذهابا وإيابا، إنما هو رجل من صلب، وكان يقول له: أنت كالعملة الفضية خليط من الفضة والنحاس، وقد ساعده ذلك على الهروب من الفخ الذى كان قد تم نصبه ليكون مطربا مثل محمد الكحلاوى وعبد الغنى السيد وعبد العزيز محمود.
لكن محمد عبد الوهاب هو الذى قذف بى إلى صالون الأستاذ، وفتح لى بابه، فقد ذهبت إلى منزله لتسجيل حديث صحفى لمجلة أكتوبر التى تعاملنى كضيف فى صالة التحرير، قبل أن يتكلم معى عبد الوهاب رفع سماعة التليفون واتصل بالأستاذ أنيس وقال له: عندى محرر اسمه فلان يريد حديثا فما رأيك؟ وإذا كانت المجلة قد عاملتنى كضيف غير مرغوب فيه فقد عاملنى الأستاذ كساع، إذ قال لعبد الوهاب «اعطه بعض الصور لك» لكن عبد الوهاب سجل معى الحديث المطلوب.. وتم نشره على 3 صفحات من المجلة.. وتم تعيينى محررا وسرعان ما أصبحت رئيسا لقسم الفن.
ولما ظهرت ألحانى فى مسرحية «هالة حبيبتى» كتب فى مواقف الملحن مجتهد ولما لحنت «مين اللى قال إن الزمان مالوش آمان» أوقفنى عن رئاسة القسم، ثم عاد ليقول لى أنت من صغار الملاك فى الألحان وعبد الوهاب من كبار الملاك ولكنه سطا على جمله من لحنك فى أغنية لوردة، وذات مرة سمعنى فى برنامج إذاعى أقول عندى 300 لحن حصيلة السنين، فشتمنى وقال لو عندى 300 كتاب كنت هديت الدنيا، ثم كتب فى مواقف «مادمت قد أعطيته أذنى لصاحب هذا الهذيان، فأرجو أن يعطينى قفاه» وسألته الأستاذة سهير حلمى فى مجلة الشباب عن هذه العبارة القاسية هل تفعل تلك القسوة فى بعض كتاباتك فقال: لا طبعا لكن هذه العبارة الساخرة كتبتها لشخص بعينه وفيما بعد أصبحنا صديقين وهذا يعنى مجازى.
وأصبحت صديقا للأستاذ وكعادته مع الجميع مرة يهنينى ومرة يبكينى، فلا يقيم حفلا دون أن أكون موجودا أنا وعودى وقد نجحت بعد محاولات كثيرة أن أسجل للتاريخ صوت أنيس منصور وهو يغنى، ومازال التسجيل المصور فى بيته موجودا يغنى «على حسب وداد قلبى يا بوى».. و«أنا هويت» وفى مرة أخرى «يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة» بحضور الراحلة تحية كاريوكا صاحبة هذا المونولوج.
والفيلسوف أنيس منصور هو صاحب فكرة مسابقة أكتوبر للأصوات، فقد طلب منى أن اكتشف أصواتا أكتب عنها وألحن لها، لكن المسابقة لم تبدأ إلا بعد أن تولى الأستاذ صلاح منتصر رئاسة التحرير، وكما كان الفيلسوف صاحب ضربة البداية فى المسابقة كان صاحب كلمة النهاية لها، فقد كتب فى مواقف عن تحليلى لقصيدة من ألحان رياض السنباطى وقال بدايتها «الله يجازيك يا محمد قابيل طيرت النوم من عينى» وإذا بالنوم يطير من عين ملحن يحتكر التحليل والتلحين، ولم تمر أيام حتى كتب الفيلسوف عن كتابى موسوعة الغناء فى القرن العشرين.. وقال فى مواقف لكن الملحن فلان يستحق من الموسوعة أكثر مما كتب عنه.. فشاط الفلان غضبا واستعان بصديق له إذاعى مسئول وجابوا ضلف برنامج «نادى المواهب الشابة» الذى كان التطور الطبيعى لمسابقة أكتوبر.
كان أنيس منصور فيلسوفا وأستاذا ومفكرا وكاتبا فى كل الأوان.. وعشق الطرب والغناء.. لكن الله سلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.