عبد الوهاب الأسوانى واحد من الكُتّاب الذين تفوح رائحة الوطنية من كتاباتهم، بدأ رحلته الأدبية برواية سلمى الأسوانية 1970 والتى حصلت على العديد من الجوائز بالإضافة إلى النمل الأبيض وكرم العنب وغيرها من الروايات، يعتمد فى كتابته على الرموز التى من خلالها يحاول أن يبعث رسائله ويرى أن اللغة المباشرة فى الروايات تسقط الرواية وتجعلها تنتهى بانتهاء المرحلة التى تتواجد فيها، ويرى أن الأديب الموهوب لا يزاحم ولا يسعى للآخرين، لأن موهبته هى التى تفرض نفسها، حصل الأسوانى على 11 جائزة مصرية وعربية وهنا حوار معه. وفى حديث مع مجلة أكتوبر أكد أن إسرائيل أذكى من أن تخوض حرباً مع مصر مرة أخرى وأن المشهد الثقافى خلال الأعوام القادمة سيتراجع بصورة كبيرة، مشيرا إلى أن الأدب احتجاج ومادام انتهى عصر الاحتجاج فماذا سيكتب الأديب حيث فقد الأدب دوره، وأن هناك العديد من الجهات التى تريد للثورة ألا تنتصر، لافتا إلى أنها بحاجة إلى تكاتف قوى الثورة بدلا من تشتتها فى أكثر من 20 حزباً مما يضعف صوتها. *كيف يتأثر المجتمع بالروايات الأدبية؟ **الأدب مؤثر فى المجتمع بشكل كبير ويتأثر به ويظهر ذلك بصورة واضحة فى مقولة لجمال عبدالناصر عند سؤاله عن ثورة 1952 فقال إن رواية «عودة الروح» هى السبب فى قيام ثورة 52 سألوه كيف أجاب عندما قرأت الحوار بين الشخصين الأجنبيين فى الرواية وهما يتحدثان عن قوة احتمال الفلاح المصرى الذى يعمل فى ظل الحرارة الشديدة فقال أحدهم للآخر هل رأيت قوة احتمال فى حياتك مثل قوة احتمال الفلاح المصري؟ فأجاب الآخر لا ولكن كيف يأتون بتلك القوة وهم فقراء فقال الآخر « لو حكمهم واحد من أبنائهم لفعلوا معجزة ليس أقل من معجزة الأهرامات وأجدادهم الفراعنة». فأنا شخصيا ذهبت إلى ميدان التحرير 4 مرات، وفى إحداهما أمسك بى شاب وقال «اللى كتبتوه فى رواياتكم بنفذه فى ميدان التحرير»، بالتالى فإن جميع ما كتب خلال السنوات الماضية اشترك فى صناعة هؤلاء الشباب. *وماذا عن المشهد الثقافى بعد ثورة 25 يناير؟ **«الفن احتجاج» أى أننى أكتب الرواية أو القصيدة من أجل الاحتجاج على وضع سياسى أو اجتماعى أو ثقافى معين، ولكن الثورات تقوم بالإصلاح وبالتالى فإن الفن هنا يفقد دوره فى الاحتجاج إلى أن يحدث تناقض فى الأوضاع يكتشفها الكاتب فيكتب ليحتج. وأقرب مثال على ذلك توقف نجيب محفوظ عن الكتابة عند قيام ثورة 1952 لمدة 5 سنوات وذلك لأن معظم كتابته السابقة كانت عن الاحتجاج على النظام الملكى السابق وعن قيام الثورة والقيام عليه انتهى مصدر احتجاجه. وأضاف: ولكن عندما ظهر التناقض بالممارسات غير المقبولة من قبل الاتحاد الاشتراكى عاد برواية اللص والكلاب وميرامار تعبيرا عن سخطه مما كان يحدث. *ما رأيك فى القول ان المثقفين رقصوا على كل الحبال؟ **أنا غير موافق على هذه المقولة، ليس كل المثقفين لعبوا هذا الدور بل هناك عدد كبير من الأدباء والشعراء ممن كانوا يدلون بآرائهم ضد نظام مبارك ومنهم من دفع ثمن هذا الرأى. كما أن الأعمال الأدبية فى الشعر والقصة والرواية التى صدرت خلال السنوات العشر الماضية وما قبلها جميعها كانت معارضة نظام الحكم السابق، ولكن تلك المعارضة لا تكون بطريقة مباشرة لأن الأدب الروائى إذا تكلم بصيغة وتوجيه اتهام مباشر ففى هذه الحالة يسقط لأنه تحول إلى مقال سياسى وليست رواية ويسقط بسقوط المرحلة التى كتب فيها. *وما هو دور المثقفين خلال الفترة القادمة؟ **هناك مقولة شهيرة للكاتب الكبير توفيق الحكيم تقول: « إن الأديب ليس مصلحا اجتماعيا ولكنه مصلح المصلح» بمعنى أن جميع الزعماء ممن عاشوا وغيروا التاريخ تأثروا بالجيل الذى سبقهم وهذا ينطبق على هذا الجيل. ودور المثقف خلال الفترة القادمة يعتمد على التوعية، فالشعب المصرى فى حالة تخبط وبحاجة الى معرفة الحقائق وهنا يأتى دور المثقفين هو إزالة هذا التشوش، كما أن مصر مليئة بالعلماء والمفكرين والمثقفين والعقول المفكرة التى تستطيع أن تفيد صناع القرار فى جميع المجالات خلال الفترة القادمة. وعن علاقة المثقف بالسياسى يمكن القول إنهما لا يتفقان أبدا، فالمثقف يبحث عن التغيير والسياسى يبحث عن الاستقرار فيصطدمان، وفى العالم الثالث المسألة أكثر وضوحا؛ لأن السياسى غالبا ما يصل إلى الحكم بدون انتخابات ومن الصعب أن يغادره؛ لذلك يهمه استقرار الوضع بأى شكل، بينما المثقف يطالب بالتغيير دوما، لذلك نستطيع أن نقول إنهما نقيضان، وأكبر أمنيات السياسى أن يتحول المثقف إلى جهاز إعلامى لصالحه، وبالطبع أى مثقف يحترم نفسه لن يرضى بذلك، ونتيجة لهذا دائما ما تجد المثقف مهمشا، لذلك نجد النظام السابق تخلص من كل المثقفين ممن يمكن أن ينافسوه. *من هو قائد ثورة 25 يناير؟ **الطبقة المتوسطة مفجرة الثورات.. فهى التى غيرت وجه مصر مرتين سواء فى ثورة 1952أو ثورة 25 يناير، فالطبقة الغنية أو الأرستقراطية وهى طبقة رجال الأعمال فى ثورة 25 يناير متفرغة للذات فقط مع وجود استثناءات لعدد من رجال الأعمال الشرفاء، أما الطبقة الفقيرة فهى التى تبحث عن الطعام طوال الوقت وليس لديها وقت للتفكير فى أى شيء آخر والسياسة بالنسبة لها رفاهية. أما الطبقة المتوسطة فهى الطبقة ذات الطموح التى تبحث عن تحسين أوضاعها باستمرار وبالتالى فهى التى تفكر فى التغيير والقيام بالثورة لتحسين المعيشة، فهناك الطبقة المتوسطة العليا والمتوسطة المتوسطة والمتوسطة الفقيرة وكل من تلك الطبقات تسعى الى الانتقال للطبقة التى تليها وبالتالى فهى فى حركة مستمرة على عكس الطبقة الارستقراطية أو الفقيرة. فالطبقة المتوسطة هى التى صنعت الصحافة والنقابات العمالية وجامعة القاهرة، فنتذكر أن جامعة القاهرة تم بناؤها من خلال تبرعات الطبقة المتوسطة. *ما رأيك فى الأحداث الحالية والانفلات الأمنى الموجود فى الشارع المصرى؟ **الثورة لم تنجح بعد، فما حدث كان مجرد إزالة لرأس النظام لكن الجسم مازال متواجداً، كما أن هناك محاولات عديدة لإجهاض الثورة سواء من الخارج أو من الداخل بالتحالف مع الصف الثانى من رجال الأعمال ممن يحاولون إكراه الشعب فى الثورة، هذا بالاضافة الى بعض القوى التى لا تريد إقامة دولة مستقلة أو ديمقراطية فى الشرق الأوسط. كما أن الثورات دائما بحاجة الى الوقت لكى تنجح فالهدم سهل ولكن البناء صعب، والخوف الذى يساورنى الآن هو أن يتخلى الشعب عن ثورته. *ما رأيك فى عودة قانون الطوارئ وعدم إصدار التراخيص للقنوات الفضائية الجديدة؟ **أنا من رافضى عودة تلك الإجراءات القمعية مرة أخري، خاصة أن القوانين العادية كفيلة بحزم الشارع والعودة لقانون كالطوارئ كفيلة بالعودة الى تصرفات النظام السابق من خلال اعتقال أى فرد بدون تهمة وفى أى وقت. والشعب المصرى مدرك لحقوقه جيدا وليس من المفترض أن يعامل بقانون موجود منذ عام 1981 فمن المفترض أنه قانون مؤقت وليس موجوداً ليستمر ل30 عاماً أخرى. *كيف ترى العلاقات المستقبلية مع إسرائيل؟ **من المعروف أن مصر خلال السنوات السابقة كانت الحليف الأكبر لإسرائيل لذلك وصف نتنياهو مبارك بمجرد تنحيه بأنه كان « كنز استراتيجى»، وما حدث أمام السفارة الإسرائيلية من مظاهرات كان مجرد رد فعل لما حدث من جانب إسرائيل ولضعف رد فعل الحكومة المصرية التى قالت إنها ستقوم بطرد السفير الإسرائيلى ثم تراجعت فى قراراها مما أدى إلى اهتزار صورتها أمام شعبها الذى أصبح فى حالة نفسية مختلفة عن ما قبل 25 يناير ولن يقبلوا بأنصاف الحلول مرة أخرى. *هل نحن فى مواجهة مع إسرائيل؟ **إسرائيل أذكى من أن تدخل فى حرب مرة أخرى خاصة فى تلك الفترة الحساسة من تاريخ الوطن العربى، فإسرائيل تعرف معنى أن تحتل سيناء مرة أخرى ورأت أن الشعب المصرى لا يصمت على هذا أبدا وخلال حرب الاستنزاف كان لديها خسائر يومية، وإذا حدثت حرب مع إسرائيل فهى لديها القدرة أن تنتصر علينا ولكنها لن تقضى علينا ولكن إذا حدث العكس فإسرائيل لن تستطيع أن تتحمل هزيمة واحدة. *ما رأيك فى الانتخابات القادمة؟ **أنا غير موافق على إقامة الانتخابات القادمة بدون إقامة الدستور، فهناك العديد من القانونيين ممن أشاروا إلى إمكانية إقامة الدستور خلال 100 يوم فقط ومن الأفضل وضع الخطوط العريضة للدستور ليلتزم بها كل من سيأتى لتولى كرسى الرئاسة بعد ذلك. *ما النظام الأنسب لمصر البرلمانى أو الرئاسى؟ **أرى أن النظام البرلمانى من الصعب تنفيذه خلال الفترة الحالية وذلك نتيجة اعتماده على وجود أحزاب قوية وعريقة مثل بريطانيا والتى تعتمد على أحزاب مثل العمال، أما مصر الآن تمر بفترة حساسة وليس لديها من الأحزاب ما يؤهلها لتخوض تلك التجربة. كما أن المشكلة التى أراها الآن أن قوة شباب الثورة أضعفوا صوتهم عندما توزعوا على أكثر من 20 حزباً وإنما أرى أنه من الأفضل أن تجتمع كل قوى الثورة فى حزب واحد حتى تحقق الثورة الانتصار المطلوب منها. *ما هى آخر أعمالك؟ **خلال تلك الأيام انتهيت من كتابة رواية تحت عنوان «إمبراطورية حمدان» وأنوى أن أعيد قراءتها على مهل وبعين محايدة، وخلال هذه الفترة تأتينى أفكار أقوم بتسجيلها فى أوراق خارجية وأدمجها معها.. وهناك رواية أخرى مازلت أعمل بها اسمها «جوليا اليونانية» وهى امتداد للرواية الأولى، لكن بشكل مختلف، فبطل «إمبراطورية حمدان» إنسان أسوانى والده انفصل عن والدته فغضب وطلب منه أن يعولها، لكنه رفض، ما أدى به إلى أن يهجره، وكان يعامل من أهل القرية على أساس أنه من أصحاب الأملاك، لكنه فجأة وجد نفسه بائعا متجولا، فما كان منه إلا أن توجه إلى محطة القطار وترك البلدة إلى القاهرة وخلال هذه الرحلة رصد لتطورات المجتمع المصرى وتقلباته فى الفترة الأخيرة.