كل سنة وأنتم طيبون، رمضان على الأبواب.. وهو أول رمضان بعد ثورة 25 يناير التى قامت لإسقاط الفساد وتحرير الشعب من ظلم الحاكم.. والشهر الكريم يحرر النفس البشرية من العبودية المادية والاستسلام لشهوات الجسد وتحقيق المصالحة والعدل بين العباد والدعوة لتصحيح أخطاء العام وخير الخطائين التوابون ولا يعنى هذا رجمهم بالحجارة. والشهر الكريم يحمل الكثير من الفضائل والمعانى السامية فى الفداء والصبر والعطاء وهو خير شاهد على أعظم الغزوات وانتصارات المسلمين، فقد شهد أول غزوة فى الإسلام ألا وهى غزوة بدر التى انتصر فيها المسلمون وهم قلة على كفار قريش، وكذلك نصر أكتوبر المجيد الذى قهر أسطورة العدو الصهيونى. لقد روت دماء شهداء القوات المسلحة أرض سيناء. وثورة 25 يناير شهدت الطهر والنقاء على أيدى شهدائها الأبرار فكان النصر حليفهم كما وعدهم الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) وتحقيق النصر لا يأتى إلا بتقوى الله ولو كره الكافرون ويتجلى معنى التقوى فى حكمة الصيام، حيث يقول المولى عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة 183. والتقوى تلزم الإنسان اجتناب الموبقات وما حرمه الله وعندما يترك المسلم ما تشتهيه نفسه ويصبر على طاعة الله فسيذوق فى نفسه لذة التقوى وليحمد الله على ذلك ويستمر فى الطريق المستقيم، وإذا لم يتحقق فليجاهد ولْيَثُر على شهواته الدنيوية، فالصوم جاء ليزكيها ويطوعها ويدربها على الصبر.. وتتمثل شهوات النفس الطعام والشراب والجماع فإذا تركها إرضاء لوجه الله فقد نجح فى محاربة أعدائه الملازمين له وهم نفسه الأمارة بالسوء والهوى والشيطان الرجيم، ثم ينتصر بيسر وبتأييد من الله على أعدائه الخارجين من المنافقين واللصوص وأعداء الوطن والدين.. وأضف إلى السمات العليا لشهر رمضان أنه شهر الرحمة والإحسان، ثم تأتى زكاة الفطر ليتحقق التكافل الاجتماعى فى أبهى صوره. وفى الأحداث الأخيرة لم تتحقق تقوى الله فى تباطؤ رجال الحكومة فى تلبية احتياجات رجل الشارع البسيط وتحقيق عدالة الأجور وتضميد جراح مصابى الثورة وفى سرعة تعويض أسر الشهداء وتطهير كافة الأجهزة الحكومية من كل ذيول النظام السابق، ولم تتحقق التقوى أيضاً من المتظاهرين فى تجاوزهم لمحاولة تعطيل المجرى الملاحى لقناة السويس واحتلال معتصمى الإسكندرية أحد المبانى الحكومية ومنع دخول موظفى مجمع التحرير لممارسة عملهم وتعطيل مصالح المواطنين، وقد شهدت الحركة التجارية انخفاضات فى معدلات البيع والشراء وصلت إلى 60%. وهذا يدفعنا إلى دعوة كافة القوى الوطنية ورجال الفكر والحكومة إلى نبذ المصالح الشخصية البحتة وتطهير أنفسنا من الداخل وعدم التشكيك المستمر بل يجب علينا الصبر على تحمل بعض المشاق فى هذه المرحلة الفارقة حتى لا نعود إلى معاناة الماضى القريب من مرارة الظلم وتمزيق للعدالة الاجتماعية.. وإذا حدث ستكون الفرقة التى وقعت بأيدينا لا بأيدى مبارك وأعوانه. وخير الختام قوله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة 185.