جاء بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأخير والذى ألقاه اللواء محسن الفنجرى المتحدث باسم المجلس صباح الثلاثاء الماضى مؤكدا على تحيته للشعب المصرى بكل طوائفه لإنجاز ثورة عظيمة بتعاون الشعب والجيش. وقد جاء البيان عقب تصاعد وتيرة الأحداث فى ميدان التحرير واستمرار. إغلاق المجمع أمام المواطنين لمدة ثلاثة أيام وتصاعد أحداث العنف فى السويس والإسكندرية وعدد من المحافظات الاخرى بعد قيام بعض الأفراد من عناصر الثورة المضادة بمحاولة القفز على الثورة بإشعال الفتنة بين الجيش والشعب والحكومة وتعطيل المصالح العامة والتهديد بتعطيل بعض مرافق الدولة الحيوية. الأمر الذى استلزم معه صدور بيان المجلس لتوضيح معالم الصورة الحقيقية للشارع ولكى يقف المواطنون الشرفاء من أبناء الوطن على الحقيقة . ومن خلال قراءة ما بين سطور البيان نتأكد أنه صدر بناء على رؤى عميقة للتحديات التى يواجهها الأمن القومى المصري، فالمجلس الأعلى ينفذ المطالب المشروعة وتحكمه فيها المصلحة العامة، فلا أحد ينفرد بقرار بل يصدر بعد دراسة متأنية. كما أن البيان فرق بين حق التظاهر السلمى وهو مكفول بالحماية وبين محاولات الاضرار بمصالح الوطن والمواطنين وتعطيل الإنتاج وهى مرفوضة خاصة أن المشهد يحمل فى طياته أخطارا محدقة بالبلاد. كما أكد بيان على استمرار سياسة الحوار مع كافة القوى والأطياف السياسية لتلبية المطالب المشروعة للشعب، وكان لابد أن نعلم أن إيقاف حركة مترو الأنفاق أو إغلاق مجمع التحرير بالقوة يضر بالصالح العام للبلاد والعصيان المدنى يأتى تلقائيا بأن يجلس الناس فى بيوتهم ولايخرجون للعمل وليس العكس بأن يقوم البعض ممن يحاولون النيل من الثورة البيضاء بإغلاق مبنى مجمع التحرير أمام الموظفين ومنعهم من الدخول والقيام بعملهم. إن البيان أعطى أهمية مستحقة للأمن القومى.. فلابد بالفعل من إجراءات مشددة لمواجهة كل ما يتهدد أمن الوطن والمواطن ويدعو للتخريب والفوضى، خاصة فى ظل وجود عناصر خارجية وعناصر داخلية تستهدف الثورة، لقد ألقت الشرطة العسكرية مؤخرا القبض على شخص إيطالى الجنسية يقوم بتصوير عدد من المنشآت العسكرية وبعض من عناصر القوات المسلحة أثناء ممارسة مهامها فى تأمين المنشأت الحيوية بالقاهرة، وهناك عناصر أجنبية أخرى كانت تردد الشائعات لإشعال حالة التوتر والاحتقان خاصة بين المتظاهرين وتم القبض عليهم وإحالتهم لجهات التحقيق. ومن النقاط الإيجابية التى تناولها البيان إعداد وثيقة مبادئ حاكمة لإعداد الدستور واختيار اللجنة التأسسية قبل الانتخابات من خلال توافق القوى الوطنية. وقد حاول البعض عقب صدور البيان إشاعة الفتنة بين المتظاهرين لإحداث وقيعة بين الجيش والثوار فى الوقت الذى لا يوجد أى سيناريو أو مبرر يجعل القوات المسلحة تستخدم العنف ضد المتظاهرين، فالقوات المسلحة منذ البداية أعلنت ثوابتها أن حق التظاهر للجميع مشروع وأنها تتفهم مطالب الشعب ولم ولن تستخدم العنف ضد شعبها، وأن هذا اتهام يجرح وينم عن جهل لطبيعة عمل القوات المسلحة. إن موقف القوات المسلحة لحماية شباب مصر هو عقيدة تم غرسها فى أفرادها ضباطا وصفا وجنودا فهى تحمى الشعب وتدبر الأسلحة لحماية الوطن. إن القوات المسلحة لا تبحث عن ذريعة لاتخاذ العنف وأنها لو كانت ترغب فى ذلك لفعلت بعد استشهاد ضباطها وأفرادها وحرق دباباتها ومعداتها ولكنها وجدت أنه لا مبرر على وجه الإطلاق لتوجيه نيرانها ضد الشعب التى هى جزء منه وإذا كانت حدثت بعض التجاوزات من أفراد فهذا خطأ شخصى وليست سياسة عامة للقوات المسلحة فإذا كانت هناك بعض الفئات الضالة أطلقت النيران على أفراد القوات المسلحة وأدت إلى استشهاد بعض أفرادها فإن هذه الفئة التى قامت بمثل تلك الأفعال لا تمثل مطلقا شعب مصر الذى تربطه علاقة تاريخية بالقوات المسلحة والتى رفضت من جانبها التعميم وعدم إحداث فرقة بين الشعب وجيشه وأن الاشتباك والعنف هو فقط ضد البلطجية ومن يروع الشعب وهو عنف مشروع فى إطار القانون. وحول ما جاء فى البيان من وجود محاولات للقفز على السلطة وتجاوز الشرعية فإن المقصود هو محاولات البعض القفز على نتائج الاستفتاء وتجاهل رأى الأغلبية بأن تكون الانتخابات التشريعية أولا قبل إعداد الدستور فمن يريدون عكس ذلك يريدون العودة بالبلاد إلى ما قبل المربع رقم واحد فكيف نتجاهل رأى 14 مليون مواطن أدلوا بأصواتهم فى الاستفتاء. إن الدعوة لعودة المجلس العسكرى إلى ثكناته العسكرية مع تشكيل مجلس رئاسى لإدارة شئون البلاد هو أيضا محاولة للقفز على السلطة وتجاوز للشرعية، فالقوات المسلحة هى درع الوطن وسيفه والمجلس العسكرى لابد أن يستمر فى إدارة شئون البلاد، إن المجلس الأعلى غير راغب فى السلطة أو البقاء فيها ولن يتخلى عن إدارة البلاد إلا بتسليمها إلى سلطة مدنية منتخبة فمصر بلد كبير لا نريد أن تتحول مثل باقى الدول الأخرى وهذا ما تسعى إليه قوى معروفة. كما أن المجلس ملتزم بما جاء فى الإعلان الدستورى بفتح باب الانتخابات لمجلسى الشعب والشورى قبل 30 سبتمبر القادم. إن البيان قضى على المخاوف المشروعة للبعض من انفراد اتجاه معين بإعداد الدستور بعد إجراء الانتخابات التشريعية.. وذلك بإعلانه إعداد وثيقة المباديء الحاكمة لاختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعد اتفاق القوى والأحزاب السياسية عليها. إن دعم البيان لحكومة الدكتور عصام شرف جاء فى وقته.. فهذه الحكومة تؤدى عملها فى مرحلة انتقالية حساسة وفى ظل ضغوط مختلفة ومشاكل عديدة ويجب أن تتاح لها الفرصة لبذل أقصى جهد لتلبية مطالب المواطنين مع ملاحظة أنه ليس من العدل أن نطالبها بتحقيق أحلام 30 عاما فى أيام معدودة فكيف نطالب بحق ديمقراطى بطريقة غير ديمقراطية!! لقد أكد أعضاء المجلس الأعلى أن الدكتور عصام شرف له مطلق الصلاحيات لم يفرض المجلس عليه أحد وهو بصدد القيام بتغيير وزارى ومحافظين ويمارس صلاحيته طبقا للإعلان الدستورى والمجلس العسكرى لا يتدخل فى هذه السلطات، لقد جاء هذا التاكيد ليدرأ الشائعات التى حاول البعض تصعيدها بداية الأسبوع الماضى للوقيعة بين الجيش والحكومة مستغلين بعض الأبواق على الفضائيات وبعض الصحف ووسائل الإعلام. يجب علينا ألا نهدم مؤسسات الدولة وكيانها فالمفروض أن نحافظ عليها وأن يتم التغيير بالتدريج خاصة فى ظل عدم وجود خبرات مؤهلة لم تمنحها القيادات السابقة الفرصة لذلك! وقد نجح بيان المجلس العسكرى فى تقليص الخسائر الحادة التى منيت بها البورصة المصرية على خلفية تصاعد وتيرة الأحداث السياسية والاشتباكات التى شهدها ميدان التحرير فضلا عن التظاهرات من قبل مستثمرين أمام مقر البورصة. فيما عزا سماسرة بالبورصة هذا التحسن إلى رد الفعل الإيجابى من قبل المستثمرين للبيان الذى أصدره المجلس العسكرى، والذى أعاد الثقة إلى المستثمرين، خاصة مع التفاعل الإيجابى للمجلس مع الأحداث وقدرته على تلبية مطالب المتظاهرين المشروعة لإنهاء الاعتصامات وعودة الحياة إلى طبيعتها فى شوارع مصر. لقد حمل بيان المجلس الأعلى فى طياته التأكيد على استعادة الأمن فإن ما حدث فى 28 يناير فى جهاز الشرطة كفيل بإحداث هزة فى أى جهاز فى ظل ما تعرض له من اعتداء من الخارجين على القانون وإحراق السجون والأقسام وأن إعادة الهيكلة بجهاز الشرطة ليست بعيدة عن مركز اهتمام وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فالوضع الأمنى تحسن بشكل كبير مقارنة بالأشهر الماضية.. ولابد أن نشيد بالجهود التى يبذلها رجال الشرطة الشرفاء وعلى المواطنين التعاون معهم. وفى النهاية يجب أن نؤكد على أن مطالب الثورة لابد أن تنفذ حتى لايضيع دم الشهداء هدرا ولكن دون اعتداء على حق المواطنين فى العمل والتحرك لكى يتعافى الاقتصاد المصرى وتظل ثورتنا بيضاء يفتخر بها العالم ونفتخر بها نحن المصريين.