فى شهر يوليو الحالى، تمر الذكرى ال 75 لبدء الحرب الأهلية فى إسبانيا، وهى الحرب التى سالت فيها دماء كثيرة واستمرت لثلاث سنوات وحُصدت أرواح ما يقرب من 450 ألف مواطن، صحيح أن الحكومة الإسبانية لم تعلن بعد رسمياً عن إحيائها لذكرى الحرب التى بدأت فى 17 يوليو 1936 بانتفاضة عسكرية، لكن هذه الحرب وكذلك الرجل الذى انتصر فيها - فرانسيسكو فرانكو - لا يزالان يثيران الكثير من الجدل فى أسبانيا. فقد احتدم الخلاف وأثير الكثير من الجدل مؤخراً وبالتحديد فى شهر مايو الماضى، مع صدور المعجم البيوجرافى القومى الذى أثنى كثيراً على زعامة فرانكو فى فترة الحرب، ووصف نظامه بأنه نظام أوتوريتارى أى صاحب صلاحية ويملك قوة التأثير والحسم ولم يصفه بأنه نظام شمولى ديكتاتورى. كما أثير الكثير من الجدل حول إرث فرانكو أيضاً فى أعقاب قرار الحكومة الاشتراكية الحالية، بتشكيل لجنة لدراسة مستقبل النصب التذكارى الضخم المقام تحت الأرض إحياء لذكرى أولئك الذين ماتوا من أجل انتصار الفاشية. ومن المتوقع أن توصى هذه اللجنة أيضاً إما ببقاء رفات الجنرال فرانكو فى مكانه بهذا النصب التذكارى وإما بنقله إلى مقابر أقل إثارة للجدل بالقرب من مسكنه السابق (إل باردو) فى إحدى ضواحى مدريد. صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حققت فى الجدل المثار والتقت مع أستاذ فى التاريخ بإحدى جامعات مدريد يدعى خوسيه إلفاريس، حيث قال (فى رأيى أن الإسبان يشعرون الآن بارتياح أقل تجاه إرث الحرب الأهلية، عما كان عليه الأمر قبل 20 أو 30 عاماً، فمنذ عام 2000 نشأ جيل جديد فى اليسار أعطى زخماً كبيراً لمثل هذا الجدل، صحيح أن هذا الجيل لم يعرف فرانكو، لكنهم يريدون أن يفهموا ماذا حدث لأجدادهم). والمعروف أن كل الحكومات الإسبانية المتتالية منذ موت الجنرال فرانكو عام 1975، فضّلت عدم استغلال هذا الفصل المظلم من تاريخ الدولة لأهداف سياسية. ويقول بعض المؤرخين إن مثل هذا الاتفاق من قبل الحكومات الإسبانية مهد الطريق للعودة إلى الديمقراطية، لكنه أيضاً أجبر هذه الحكومات على الامتناع عن اتخاذ أية خطوات يمكن أن تساعد فى التئام الجراح القديمة. فى نفس الوقت، مازالت تلك الحرب مصدر إلهام للكثير مما يُنشر فى إسبانيا، وعلى الأخص ما تنفرد به الصحف الكبرى، ففى الأسبوع الماضى نشرت صحيفة (إل موندو) وهى صحيفة وسط - يمين، فى صدر صفحتها الأولى تحقيقات أدت إلى الكشف عن هوية الأشخاص الذين شاركوا فى كتيبة الإعدام التى قتلت فدريكو جارسيا لوركا، أحد الضحايا الأكثر شهرة فى تلك الحرب. وكان المعروف أن المعجم البيوجرافى القومى استمر الإعداد له 12 عاماً وتكلف 6.4 مليون يورو من أموال الشعب الإسبانى، وكان من المفترض أن يصبح أحد إنجازات الأكاديمية الملكية للتاريخ وأن يكون مصدراً موثوقاً به فى كل المكتبات الإسبانية، لكن ورغم وجود أمور أخرى فى المعجم تثير الدهشة والاستغراب إلا أن الفصل الخاص بفرانكو أثار الكثير من الانتقادات الحادة، الأمر الذى دفع الأكاديمية إلى الإعلان بعد أسابيع قليلة من صدور المعجم عن أن الفصل الخاص بفرانكو، وهو الفصل الذى كتبه لويس سوارس، أحد محاميه المتحمسين، سوف يستبدل بفصل آخر.