هذه المجالس ستكون بمثابة الذراع الذهنية لمجلس الوزارء.. جملة أطلقها مؤخرا الدكتور عصام شرف رئيس الحكومة ويبدو أن هذا التصريح ينم عن خطة عمل جديدة رسمت للمجالس القومية المتخصصة وسيزداد الاهتمام بتقاريرها البحثية خاصة أن المجالس تضم فى عضويتها نخبة من الخبرات المصرية فى كافة المجالات العلمية حيث تعمل منذ أكثر من 40 عامًا على إعداد تقارير علمية بحثية ترشد الحكومة على الطريق الصحيح إلا أن حصاد السنوات الماضية كان مهددا بالتلف بعدما طالت نيران جمعة الغضب 28يناير جدران مبنى المجالس (الأعلى للصحافة، والقومى للمرأة، والمجالس القومية) ظنا ممن اشعلوا الحريق أنه المبنى الخاص بالمقر الرئيسى للحزب الوطنى المنحل، وبعدما طالت النيران واحدة من أهم المكتبات الثقافية فى العالم العربى وهى مكتبة المجلس الاعلى للصحافة، بدأ مسئوولون بالمجالس القومية المتخصصة يؤكدون أن تقارير المجالس طالتها نفس النيران. «أكتوبر» بمناسبة صدور أول تقرير للمجالس القومية بعد الثورة عن الوضع الاقتصادى وحلول الخروج من الأزمة حققت فى القضية وكشفت عن أن التقارير البحثية لاتزال فى «الحفظ والصون»، والمصادفة وحدها هى الفاعل الرئيسى فى ابتعاد الثروة البحثية عن نيران جمعة الغضب. وبموجب قرار إدارى فى أواخر عام 2008 من مركز المعلومات بالمجالس القومية المتخصصة فقد عمل المركز الإعلامى على دمج جميع التقارير الصادرة من المجالس منذ بداية عملها فى عام 74 وحتى تاريخه فى اسطوانات «سى دى» وحفظها فى احدى الهيئات المهمة واقترح مقرروا المجالس إيداع التقارير فى أحد البنوك الأهلية، ومنذ اتخاذ القرار بدأت المجالس فى تجميع التقارير فى الاسطوانات وانتهت من أعمالها بالكامل عند آخر تقرير صدر عن المجالس قبل الثورة فى نوفمبر 2010 وفى نفس هذا التاريخ قام المستشار الإعلامى للقومية المتخصصة بإيداع الأسطوانات فى البنك الاهلى المصرى، قرار آخر صدر بالمصادفة من جانب مركز معلومات المجالس وهو نقل الموسوعات السنوية «الورقية» الصادرة عن المجالس والخاصة بالتقارير العلمية من مكاتب أعضاء المجالس لمنع ازدحامها مما كانوا يرونه «كراكيب» إلى مخزن يطلق عليه مخزن المطبعة، وهو لا يزيد عرضه على 15 مترا وطوله على 150 مترا وكائن بالدور تحت الأرضى «البدروم» بمبنى المجالس القومية البالغ عدد أدوارها 13طابقاً. التقارير فى البدروم وعن التقارير التى لم تطلها نيران الحريق بسبب وجودها فى المخازن قال عبد الحليم منصور المستشار الإعلامى للمجالس القومية المتخصصة: إن المخزن الكائن فى الدور أسفل الأرضى كان معداً مسبقا للمطبعة الخاصة بالمجالس. التى كانت تقوم بطبع التقارير الصادرة عن المجالس إلا أن مركز المعلومات كان ينقل الموسوعات الثانوية المتضمنة جميع التقارير ويقوم بتخزينها داخل غرفة البدروم الكائنة أسفل الدور الأرضى «تحت الارض»، مشيرا إلى أن موقعها غير المرئى أدى إلى عدم اقتحامها من جانب الأشخاص المجهولين الذين قاموا على البنك العربى القائم فى الدور الأعلى مباشرة من «البدروم» وعند فحص المبنى بعد الحريق تبين أن مخزن المطبعة لم تطله النيران، مشيرا إلى أن الموسوعات التى كانت مخزنة فى البدروم تضم جميع التقارير الصادرة منذ بداية عمل المجالس فى عام 1974.كما أن هناك 4 نسخ مكررة كاملة من الموسوعات الثانوية التى تضم مايقرب من 20 تقريراً فى المجلد الواحد. وعن التعامل مع الوضع القائم حاليا قال منصور أن المجالس بدأت فى إعداد مكتبة شاملة تحفظ بداخلها كافة الموسوعات البحثية إلى جانب أهم المراجع العلمية التى يحتاجها خبراء المجالس الذين بدأو اعملهم بالفعل بعد أن قامت الدولة بتوزيع المجالس على مقرات الحزب الوطنى المنحل فى الجيزة ومصر الجديدة وقد شغل مقر المجالس الرئيسى مبنى الحزب الوطنى المنحل فى روكسى بمصر الجديدة موضحا أن القومية مقسمة إلى أربعة مجالس طبقا للمادة 164من دستور 71 وهى المجلس القومى للإنتاج والمجلس القومى للثقافة والإعلام والفنون والمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية، والمجلس القومى للصحة. بدون توجيهات رئاسية وكشف الدكتور فؤاد اسكندر مقرر شعبة السياسات المالية والاقتصادية بالمجالس القومية المتخصصة عن أن التقارير والدراسات التى أصدرتها المجالس خلال السنوات الماضية لم تمس بسوء نتيجة احتراق المبنى. موضحا أنه تم الاحتفاظ بجميع التقارير والتى يقترب عددها 6000 تقرير على أقراص مدمجة «سى دى» وتم إيداعها فى البنك الاهلى وذلك فى شهر نوفمبر الماضى أى قبل اندلاع الثورة بحوالى شهرين، واستدرك اسكندر بالقول:«الحمد لله لم نفقدها لأنها تحمل كل الطرق التى يجب أن تسير عليها مصر فى جميع النواحى الفكرية والعلمية والخدمية وحتى الاقتصادية. وأكد اسكندر أن المركز العلامى بالمجالس قرر الاحتفاظ بالتقارير نظرا لأهمية الدراسات التى تصدر عن المجالس الأربعة مؤكدا أنها تراث فكرى يجمع خلاصة أبحاث ودراسات لنخبة مختارة من أهم الشخصيات الفكرية فى مصر، كما أنها لم تصدر وفق توجيهات من أحد أو تعليمات عليا من الرئاسة التابع لها المجالس، بدليل أنه تم الاختلاف ما بين المجالس من الناحية الاقتصادية والحكومة فى أكثر من موضوع مثل خفض قيمة الجنيه المصرى وضم المعاشات لوزارة المالية، مشيرا إلى أنه على الرغم من أهمية التقارير والدراسات التى كانت ترسل لرئاسة الجمهورية مباشرة بجانب جميع الوزارات المختصة إلا فإنها كانت سلطة استشارية بحته وليس لها القدرة على تنفيذ ما تخلص إليه من دراسات. وعن الوقت المستغرق الذى تتخذه المجالس لإصدار التقارير قال إن كل مجلس من المجالس الأربعة يأخذ وقتا مختلفا عن الآخر فى إعداد الدراسات الخاصة به ولكنها تأخذ مجهوداً كبيراً حتى تظهر بالصورة المطلوبة وحتى تتم الاستفادة منها بأكبر قدر خاصة أنها تقارير علمية وتمثل ثروة فكرية خالصة. غياب التنسيق وفى دراسة أعدها الدكتور السيد عبدالمطلب غانم أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حول دور المجالس القومية المتخصصة، أكد فيها أن المجالس كان هدفها رسم السياسة العامة للدولة واختيار القضايا المهمة التى يجب أن تتصدر اهتمامات رئيس الدولة فى مجالات الإعلام وحقوق الإنسان والمرأة والثقافة وغيرها، وأشارت الدراسة إلى أن المجالس أنشئت تنفيذا للمادة 164 من دستور 1971 ولرئيس الجمهورية كل الصلاحيات فى تنظيمها واختيار المشرفين عليها لتبعيتها المطلقة لرئاسة الجمهورية إلا أنه كان هناك غياب فى التنسيق بين هذه المجالس فى رسم السياسات العامة للدولة. وتتبع المجالس القومية المتخصصة مباشرة مؤسسة الرئاسة بحكم تنظيمها وتعد بمثابة بيت خبرة لرئيس الجمهورية لإمداده بالمعلومات والدراسات والبحوث والتقارير من أجل إحاطته بأوضاع المجتمع حتى يتمكن من اتخاذ القرار السليم وذلك فى مجالات الغذاء والطاقة والتعليم والصحة والاقتصاد والمرأة والثقافة والفنون والإعلام وحقوق الإنسان ولكل مجال من هذه المجالات مركز متخصص، إلا أن واقع الحال يؤكد أن الرئيس السابق حسنى مبارك لم يكن يستمع إلى قرارات هذه المجالس فذهبت التقارير أدراج الرياح، حتى أنه فى آخر تقرير أعدته المجالس وتم نشره فى نوفمبر من العام الماضى «قبيل الثورة بنحو شهرين» رسم خبراء المجالس القومية صورة قاتمة ومتشائمة لأوضاع المجتمع المصرى.