منظمات الصحافة الدولية تنشر تقارير سنوية عن الصحفيين الذين قتلوا أو اختطفوا أو سجنوا أو تعرضوا لمخاطر مختلفة فى مناطق الأحداث الساخنة، ومعظمها يقع فى نطاق ما يسمونه بدول الشرق الأوسط، أوفى دول إسلامية من باكستان إلى أفغانستان ومن الشيشان إلى الصومال، وقد زادت هذه التغطيات والمخاطر مع ربيع الثورات العربية، ومع ذلك فمن النادر أن يقع بصرك على اسم إعلامى أو مراسل مصرى «لا قدر الله» بين أسماء أولئك الصحفيين الذين يعملون تحت أصوات قصف القنابل وطلقات الرصاص، وذلك لأننا نكتفى غالباً بتلقى الأخبار والتقارير المصورة من وكالات الأنباء ومحطات التليفزيون العالمية، ثم نعود لنتهمها بالتحيز وعدم التوازن فى نقل الحقائق وبث الأخبار. وقد حدث بالفعل تطور مهم فى مستوى التغطية التليفزيونية العربية للأحداث المهمة خلال السنوات العشر الأخيرة، وخاصة بعد إطلاق قناة الجزيرة وانفرادها بالساحة لفترة ثم دخول قنوات منافسة لها على الخط مثل العربية ودبى وأبو ظبى، واشتعال المنافسة أكثر وأكثر بتوجه كبرى دول العالم لاطلاق قنوات فضائية إخبارية ناطقة باللغة العربية تقدم الأحداث من وجهة نظرها وتوجه الحوارات والنقاشات فى البرامج إلى الوجهة التى تخدم مصالحها، ففى الوقت الذى تلاحظ فيه هجوما عنيفا على القذافى فى قنوات مثل «فرانس 24» و«البى بى سى» تجد تغطية متوازنة وتحذيرات من تقسيم ليبيا فى قناة مثل «روسيا اليوم»..كل ذلك والتليفزيون والمحطات المصرية بعيدة كل البعد عن هذا السباق وغير قادرة على التأثير أو المنافسة. وإذا كانت الحجة قبل الثورة هى سطوة الرقابة وانخفاض سقف الحرية، وخاصة فى القنوات الرسمية، فما هى الحجة الآن بعد أن أصبح الاعلام الحكومى ينافس الإعلام الخاص فى درجة السخونة التى قد تصل أحيانا إلى عدم مراعاة الدقة والمهنية والاستعجال الشديد فى إذاعة الأخبار؟!.. ما هى الحجة الآن فى التراجع المستمر لمستوى التليفزيون المصرى، رغم وجود كوادر جيدة وخبرات كبيرة لدينا تختطفها المحطات الأخرى ولا نولى لها نحن القدر الكافى من التقدير والاهتمام؟ وهل يمكن أن يحل تعيين اللواء طارق المهدى هذا اللغز وينجح فى فك شفرة الفتور الواضح الذى يمارس به أهل التليفزيون عملهم؟ وكلنا يعلم كيف يسيطر اليهود على أجهزة الإعلام العالمية، وكيف يستخدمون منذ سنوات طويلة الآلة الإعلامية الجهنمية لتشويه الحقائق ولى ذراع الوقائع والأحداث لخدمة إسرائيل والدفاع عن مواقفها العدوانية، وتبرير ممارساتها الوحشية. لكن قبل أن نتحدث عن التدفق غير المتوازن للأخبار والمعلومات، أو عدم الموضوعية وعدم مراعاة قيم المهنية وفقدان المصداقية والانتقائية الشديدة فى اختيار التقارير التى تنقلها وكالات الأنباء ومحطات التليفزيون الغربية وتسئ لنا ولقضايانا العادلة، يجب أن نعالج أولاً القصور الواضح فى أداء الاذاعات والقنوات المصرية الحكومية والخاصة والضعف الشديد فى مهنيتها ومستوى القائمين عليها بسبب تشبعهم بمناخ القهر والسيطرة الرسمية عليها، وتعودهم على الرقابة الذاتية التى تربوا عليها رغم تغير المفاهيم والأوضاع بطريقة دراماتيكية لم يستطيعوا حتى الآن استيعابها. فهل سيأتى قريبا اليوم الذى نستطيع نحن أيضا فيه أن نقدم برامج جذابة ومادة إعلامية قادرة على المنافسة فى فضاء الفضائيات الفسيح؟ وهل آن الأوان لكى نسوق بضاعتنا فى الداخل والخارج ونحسن التعبير عن سياساتنا ووجهات نظرنا، بدلا من الاكتفاء باتخاذ موقف المدافع عن النفس أو الناقل عن الآخرين..أتمنى.