كأنها خارجة من بين صفحات قصص وروايات محمد عبدالحليم عبد الله وإحسان عبد القدوس، ليست البطلة بالتأكيد، ولكنها الأخرى النقيض لها، التى لا تعانى ولا تتلوع، وإنما هى الخالية البال، الهانئة، الرائعة، المتصالحة مع كل شئ، المنسجمة مع نفسها، المتنعمة بمحبة الزوج ورضاه، الواثقة فيه وفى مشاعره، زوجة وربة بيت لايشغلها فى الدنيا إلا الزوج وراحته وصحة أولادها وتربيتهم.. هذه هى السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كما جاء فى مذكراتها التى خطتها بنفسها، ونشرتها الآن دار الشروق، كتبتها من أجل النشر هذه المرة، بعدأن تخلصت مرتين سابقتين مما كتبت. ونتفق أولاً على أنك إذا كنت تبحث عن أية خفايا أو أحداث وأسرار من وراء قراءة هذه المذكرات، فالأمل ضئيل جداً فى الفوز بذلك.. فالسيدة تحية تسرد فقط ما تحسه وهو كثير وعميق، وما تعرفه وهو قليل وغير فاعل.. فرغم أنها عاشت مع الرئيس ستة وعشرين عاما ثمانى سنوات قبل الثورة، وثمانية عشر عاماً بعدها، إلا أنها تسرد وتعترف فى لغة شديدة البساطة والتلقائية أنها لم تشغل نفسها إلا بجمال عبد الناصر الزوج، ولهذا نصدقها تماماً عندما تقول بعد موته، لم أفتقد أى شئ إلا هو، فراقه، لارئاسة الجمهورية، ولا حرم رئيس الجمهورية.. ولهذا أيضاً لن نحبط أو نغضب عندما تتحدث عن الأحداث التى غيرت وجه مصر وعاصرتها معه، أو عندما تتناول أشخاصاً مازالت أدوارهم ومصائرهم محل جدال ونقاش، كحريق القاهرة وليلة الثورة وتحرك سلاح الفرسان والعدوان الثلاثى والنكسة، ووحدة وانفصال، أو تناول أشخاص كمحمد نجيب وعبد الحكيم عامر وأنور السادات، بكل هذه العموميات والتبسيط.. ولكنها- السيدة تحية ومذكراتها- ستمنحنا حالة من الإبهار والانبهار- نقبله تعويضاً- من ثنايا التفاصيل والأحداث لأيام حياة رئيس الجمهورية، يوم أن كان فرداً من الشعب ويحيا للشعب.. «البيت الذى نسكنه فى منشية البكرى ظل كما هو لم يحصل فيه تغيير فى المبانى أو الفرش حتى سنة 1956، وعندما خضع للتغيير كان من أجل إضافة دور آخر ليكون مكتباً للرئيس ومكاناً لاجتماعاته، وبعد أن عادوا مرة أخرى للبيت قال الرئيس «لقد تغيرت موبيليا حجرة السفرة، إن لها ذكرى عزيزة عندى، فقد أمضيت سنين اشتغل فيها وقضيت ساعات أجلس على الترابيزة وأشتغل حتى يوم 23 يوليو وقال أين ذهبوا بها». كان الرئيس يهتم بتعليم أولاده ورغم شغله المتواصل كان يرى الشهادات كل شهر ويقارنها بالشهر الذى سبقه ويطلب أولاده ويتحدث معهم عن الدرجات وكان يقول لها أولادنا يا تحية ثروتهم العلم».. كان جمال سيلقى خطاباً فى الإسكندرية فى ميدان المنشية، وإعتاد قبل خروجه أن يضع دائماً فى جيبه مصحفاً صغيراً فى غلاف من المعدن الأبيض، لم يجده وقت خروجه وكان مستعجلاً إذ سيسافر بالقطار، فأحضرت مصحفاً آخر بغلاف من الكرتون، أخذه ووضعه فى جيبه وعند خروجه وجدت مصحفه فجريت مسرعة وأعطيته له وكان بالقرب من الباب فأخذه ووضعه فى جيبه وخرج بالمصحفين. وبعد أن تفرغ من هذه المذكرات الآسرة، سيتضح لنا الفرق بين أسرة رئاسية تتصرف فى شئون البلاد بنبل وضمير، وأخرى حولت حياتنا إلى كابوس نجاهد أن نفيق منه ونتخلص من آثاره.