لم يعد خافياً على أحد الدور الذى قامت وتقوم به أجهزة المخابرات العالمية وبصفة خاصة الأمريكية (سى. آى. إيه) والإسرائيلية (موساد) فى رصد الحالة الصحية والنفسية خاصة للزعماء العرب. فرجل المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند - على سبيل المثال - والذى كان مقيماً فى القاهرة فى فترة الستينيات تحت غطاء مدير لفرع إحدى الشركات الأمريكية، كان يذهب باستمرار إلى مكتب الرئيس الراحل عبد الناصر ومنزله بوصفه أحد رجال الأعمال الأمريكيين الحريصين على تقوية العلاقات الصناعية بين مصر والولاياتالمتحدة. وكان يقوم فور انتهاء زيارته بإبلاغ جميع الملحوظات التى يراها على الرئيس الراحل للأطباء النفسيين التابعين للسى آى إيه لتحليلها. والمعروف أيضاً أن المخابرات الأمريكية قامت بالتجسس على الرئيس الراحل السادات خاصة فى فترة الثورة الإيرانية خوفاً من قيامه بإبرام أية معاهدة مع الخومينى. وجاء فى تقاريرها أنه كان يصاب دائماً بنوبات من القلق العصبى الشديد خلال فترة الليل كما أنه يدخن بشراهة فى الأوقات العصيبة. كما أن المخابرات الإسرائيلية قامت بالتجسس على الرئيس السورى الراحل، حافظ الأسد، وتمكنت بالتعاون مع عناصر أردنية من الحصول على عينة من بوله أثناء وجوده بالأردن لحضور جنازة العاهل الأردنى الملك حسين. فعلى الرغم من قيام المخابرات السورية بتأمين الحمام الخاص به، إلا أن أحد رجال المراسم الأردنية قاده إلى حمام خاص قبل ركوب الطائرة بدقائق لم يكن موصلاً بالصرف الصحى ولكن بصندوق يجلس بجانبه أحد رجال الموساد، وهو الرجل الذى حمل الصندوق بسرعة وطار به إلى تل أبيب ليقوم جهاز الموساد بتحليل عينة البول، ومن خلال رصد بقايا التركيبات الكيماوية فى العينة، أمكن معرفة أنواع الأدوية التى يتناولها الرئيس الأسد وبالتالى الأمراض التى يُعالج منها. والرئيس الليبى، معمر القذافى، أيضاً كان محل رصد المخابرات الأمريكية التى قالت عنه فى أحد تقاريرها إنه بسبب ظروف خاصة تعرض لها فى طفولته، تشرَّب بشكل مبالغ فيه الخصائص البدوية المتمثلة فى المثالية الساذجة والتعصب الدينى والإحساس الحاد بالكرامة والتقشف وكراهية الأجانب والحساسية المفرطة تجاه أية إهانة. ووفقاً لما ذكره د. حمدى الفرماوى، رئيس الجمعية المصرية للدعم النفسى، فى صحيفة «الجريدة» الكويتية، فإن القذافى شخصية يعتريها نوع من الجنون الدورى، وتبدو عليه أعراض البارانويا التى يعرفها معظم الناس بأنها جنون العظمة. لكن هذا يمثل بُعداً واحداً من ثنائية البارانويا. فهى فى حقيقة الأمر تعنى الإحساس بالعظمة والاضطهاد معاً. أما الرئيس السابق حسنى مبارك- وفقاً لنفس المصدر- فهو انطوائى. والانطوائية يستتبعها عدم الميل للفكاهة، وقد يكون حاداً مع عدم وجود قدرات عقلية خاصة، ويعنى بها التفوق المرتبط بجانب حياتى معين يصل به إلى أعراض إبداعية، ولا يعنى بها مستوى الذكاء. وشخصية من هذا النوع تميل إلى الركون والاستسلام لنمطية الحياة. لذلك نام وجعل مصر معه تغط فى نوم عميق. ولا ترتاح هذه الشخصية لأن يبرز بجانبها أحد فعال أو نشط قادر على التغيير. ولذلك، سرعان ما يسعى لطمس مثل هذه الشخصيات. وجنون العظمة والاضطهاد (البارانويا) موجود أيضاً عند رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو. ويقول الكاتب والصحفى، جدعون ليفى، فى صحيفة هاآرتس إنه ازداد واستشرى عنده مؤخراً فهو يعتقد بأنه امبراطور أو رئيس لدولة عظمى جاء ليعلم بقية دول المنطقة كيف تتصرف، ليس فقط فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، ولكن أيضاً فى كثير من قضاياها الداخلية. كما أنه يقوم بدور (الواعظ) على ما يبدو للحكام العرب. لكنه عندما يعظهم فإنه يقدم مواعظه باسم دولة بلا أخلاق.. فهى مازالت تحتل الأرض وترفض الانسحاب منها. ويشبِّهه ليفى برئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحق شامير الذى كان يتحدث عن ضرورة وجود أنظمة ديمقراطية فى العالم العربى قبل الدخول فى المفاوضات، فى الوقت الذى كان يجوب فيه العالم باحثاً عن الطريقة المثلى لتخريب عملية السلام! ونتنياهو هو الآخر يعرف أن لكل مكان مقالاً فما يقوله فى واشنطن لا يقوله فى القاهرة، وما يقوله فى القاهرة لا يقوله فى القدس ولا فى عمان. وقد يُرجع البعض هذا التخبط إلى أحداث أليمة مرت به فى الصغر مثل حالة الإحباط والاكتئاب التى أصابت والده، بن تسيون، بعد عودته من الولاياتالمتحدة وعدم الترحيب به فى الأوساط السياسية والاجتماعية. كما قد يُرجع البعض أيضاً حالة البارانويا الواضحة عند نتنياهو إلى رغبته القديمة فى الانتقام من «أمراء» الكيلود الذين قال عنهم ذات يوم (سوف يأتون إلىَّ زاحفين على أيديهم وأرجلهم!!). ولم يعد خافياً على أحد دور النساء وسيطرتهن على مجريات حياة نتنياهو ابتداء من والدته (تسيلاه) التى اعتادت صفعه على وجهه لكى لا يزعج والده المتفرغ لأبحاثه فى غرفته الخاصة. ومروراً بزوجته الأولى «ميكى هيرن» والثانية «فلير كايتس» والثالثة الحالية «سارة بن أرتسى» وهى من أكثر زوجات السياسيين الإسرائيليين إثارة للجدل. فقد طغت شخصيتها على شخصية نتنياهو إلى أن أصبح ألعوبة فى يدها تحركها كيفما شاءت. ومثل هذه الحالة توجد أيضاً لدى زعماء إسرائيليين آخرين مثل حاييم فايتسمان، أول رئيس لدولة إسرائيل وعم الرئيس الإسرائيلى الأسبق، عيزرا فايتسمان. ويعانى معظم زعماء إسرائيل الصهاينة من عقدة أوديب. ويتضح ذلك بصفة خاصة فى تحليل شخصية (نبى) دولة إسرائيل، تيودور هرتسل، ووفقا لما جاء فى كتاب «التحليل النفسى لهرتسل» الذى كتبه عالم النفس، بيتر ليفنبرج عام 1971. فقد استخلص هذا العالم وعلماء آخرون من سيرة هرتسل الذاتية أنه كان يحب أمه حباً من ذلك النوع الذى كثيراً ما يتكرر فى مثل هذه التحليلات.. فكان هرتسل يعانى كلما أبعدته الظروف عن أمه محبوبته حتى أنه فى رجولته كان يكتب لها بصورة يومية! كما يخلص علماء النفس أيضاً إلى أن هرتسل يعانى كلما أبعدته الظروف عن أمه محبوبته حتى أنه فى رجولته كان يكتب لها بصورة يومية! كما يخلص علماء النفس أيضاً إلى أن هرتسل كان نموذجاً للشخصية المنبوذة المضطربة نفسياً، وأنه بحث عن بديل لأمه الحبيبة فى «أرض» حبيبة. ولما خاب أمله فى وطنه - الإمبراطورية النمساوية - وقع اختياره على بريطانيا. وبعد ذلك سيطرت عليه فكرة تحويل فلسطين إلى دولة لليهود. فأخذ يتشاور مع كل أولى الأمر فى ذلك الوقت، بدءاً من السلطان العثمانى والقيصر النمساوى وانتهاءً بالبارون روتشيلد والبارون هيرش. وقد نقل هيرتسل صراعاته النفسية إلى أولاده الذين ظهرت عليهم جميعاً ميولاً سيكوباتية أو اضطرابات نفسية، ربما لأنهم لم يوفقوا فى إيجاد بديل إيجابى مثل أبيهم، فابنته، باوليناه، مثلاً، وضعت نهاية لحياتها بإدمان المورفين. وابنه، هانس، أطلق الرصاص على نفسه، وابنته تروداه أحرقت فى المعسكرات النازية وهى تعانى من مرض عقلى. وحتى حفيد هرتسل الوحيد انتحر بأن قفز من فوق أعلى كوبرى فى واشنطن! وموشيه ديان أيضاً، وهو أسطورة العسكرية الإسرائيلية، كان مرتبطاً بأمه فى طفولته، بصورة مرضية. وأمه «ديبوراه» أيضاً لم تكن تحتمل الابتعاد عنه. فقد كان الطفل ديان يمثل بالنسبة لها (بديلاً) لأبيها الحبيب الذى تركته فى روسيا عندما هاجرت إلى فلسطين. وقد عانى موشيه الصغير، مثله مثل أمه، من تكرار تغيب الأب شموئيل، الذى كان يعمل فى المجال الاجتماعى ويكثر من الأسفار. ولذلك ارتبطا ببعضهما البعض لدرجة أن الطفل موشيه، عندما مرض مرضت أمه «أو تمارضت» لكى تكون معه فى نفس المستشفى، لكن الأطفال سرعان ما يكبرون، فقد كبر موشيه وذهب إلى المدرسة، أنجبت له أمه أخته (أفيفاه)، وبعد ذلك أخاه (زوريك).. فأحب موشيه أمه وإخوته وكرههم فى نفس الوقت. ولا يقتصر الأمر بطبيعة الحال على هؤلاء ولكن هناك شخصيات سيكوباتية مثل هتلر وموسولينى وستالين كان لها أكبر الأثر على أحداث تاريخية غيرت مسار العالم. ولذلك لم أستغرب من دعوة الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى، للكشف على الرؤساء والملوك قبل توليهم السلطة. والخلاصة أن فى داخل كل إنسان، وبالطبع داخل كل زعيم يقرر مصير شعبه، طفلاً صغيراً منغمساً فى مشاعر عميقة قاسية، تؤثر على حياته النفسية وتصرفاته كإنسان بالغ.