هل نأمل بزيارة السيد «مون» لأراضى الثورات فى الشرق الأوسط أن تنتقل عدوى الديمقراطية الطازجة لأروقة المنظمة العجوز التى فقدت ذاكرتها بسبب الشيخوخة التى أصابتها بداء زهايمر لا فكاك منه لصالح قضايا ومصالح الدول الكبرى أو ربما عمتها رياح التغيير العربية التى هبت كرياح عكسية ضد الديكتاتورية والإرهاب. حتى يعود للأمم المتحدة شبابها الضائع وأملها فى مستقبل مشرق لعالم حر يستحق أضواء الحرية التى حاربت شبابه الغض القوى الظلامية الرهيبة التى تحجرت وتكلست على مقاعدها الرئاسية وتحولت إلى خفافيش فاقدة للبصر والبصيرة وتخشى النور حتى احترقت بنار أطماعها و جشع فسادها.. ولعل السيد «مون» تعاوده ذكرى الأمين الحقيقى للمنظمة (داج همرشولد) الذى ترأس المنظمة منذ عام 1953 - 1961 وصمم على تطبيق قرار وقف الإعتداء على مصر مشدداً على تفعيل قرارات الأممالمتحدة فى مواجهة أطماع الدول الكبرى فى مقدرات مصر التى أعلنت استقلالها ورغبت فى استعادت سيادتها على ممتلكاتها وقررت تأميم قناة السويس. وهو القرار الذى أدى لإعلان العدوان الثلاثى على مصر وقد أوقفت المنظمة هذه الحرب غير المتكافئة بقرار شجاع من امينها وهو الدور الذى سجله التاريخ لهذه المنظمة العالمية. ورغم أن الأممالمتحدة تعد مركزاً لحل المشاكل التى تواجه البشرية من خلال منظماتها الثلاثين وتضم فى عضويتها جميع دول العالم المستقلة والتى تأسست استجابة لدعوة الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت أثناء انعقاد مؤتمر (دومبلر تون أوكس) الذى عقد بالعاصمة الأمريكيةواشنطن لمواجهة تداعيات الحرب العالمية الثانية ومنع تكرارها والبحث عن سبل للمحافظة على السلام والأمن الدولى وتحقيق التعاون الاقتصادى والاجتماعى العالمى وهو أمل عزيز نأمل أن يتحقق لاسيما بعد الأحداث التى شهدها العالم مؤخراً. ديمقراطية معدلة ولعل اللقاء الحافل الأخير للأمين الحالى للأمم المتحدة الذى تضمن حفاوة وهجوم يعكس ازدواجية الرؤى الذى يلاقيه فرسان هذه المنظمة الدولية الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن هموم العالم وينتهى بهم الحال ليقدموا قرباناً على مذبح مصالح الدول العظمى صاحبة أعلى نسبة مساهمات فى ميزانية الأممالمتحدة الأمر الذى يحرم هذه المنظمات من التصرف بحيادية وحزم ويحاول «بان كى مون» الأمين الحالى للمنظمة أن يتجاوز تداعيات هذه الزيارة بروح رياضية قائلاً بأن هذا الترحيب والهجوم هو من تبعات الديمقراطية. وقد تولى مون مهام منصبه خلفاً لكوفى أنان ليصبح الأمين العام الثامن للمنظمة والثانى من قارة آسيا الذى تولى هذا المنصب العالمى وقد ولد مون فى يونيو 1944 بمقاطعة أومسيونج بكوريا الجنوبية لعائلة تمتهن مهنة الفلاحة. ودرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة سول الوطنية عام 1970 وحصل على الماجستير من جامعة هارفارد الأمريكية عام 1985 وبدأ مون مشواره السياسى فى الهند كعضو فى البعثة الدبلوماسية لبلاده فى نيودلهى ثم تولى منصب الخارجية لشئون التخطيط السياسى والمنظمات الدولية ثم رئيساً للمفوضية المسئولة عن إعداد معاهدة الحظر التام على التجارب النووية ورغم حصوله على ترقياته فى السلم الوظيفى خلال مشواره الدبلوماسى الطويل الذى دام 45 عاماً لازال يذكر مون الهفوة المهنية التى تسببت فى تعرضه للطرد من منصبه كدبلوماسى رفيع المستوى فى وزارة الخارجية لكوريا الجنوبية وأدت لتقديم الاعتذار الرسمى عن هذه الهفوة واستبعاده وعزله كعقاب له ليتلقى اتصالاً هاتفياً من «هان سيونج سو» رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يقترح عليه أن يتولى منصب كبير موظفيه فى المنظمة وباستثناء هذا الخطأ يتميز المشوار المهنى لمون بالتفانى فى العمل، بالإضافة إلى أنه ذو طبيعة مراوغة تمكنه من مواجهة الرأى العام ووسائل الإعلام وتجنبه الإحراج أو إثارة استياء الآخرين. دبلوماسى متميز ويصفه المقربون بأنه دمث الخلق يحترم كل من يتعامل معه فقد كتب 120 جواب اعتذار بخط يده لزملائه فى وزارة الخارجية الأعلى مرتبة منه بسبب ترقيته قبلهم ويقول تعليقاً على هذا الموقف (لقد احتفى زملائى بما قمت به وأننى استطعت التخفيف عنهم بسبب ترقيتى متجاوزاً زملاء أكبر منى فى السلم الوظيفى)، ويؤكد مون أن تواضعه لايعنى ضعفه ولكنها صفه أخلاقية لاتمنعه من الحزم فى إتخاذ القرارات التى يحتاج إليها منصبه ويوجه له البعض انتقاد بأنه يهتم بالتفاصيل على حساب النقاط المهمة ويدافع مون عن موقفه بأنه تولى المنظمة وهى تعانى من اهتزاز لمكانتها بسبب الحروب التى شنتها بعض الدول العظمى لتحقق مصالحها على حساب الشعوب الفقيرة التى أجهدتها نظم رئاسية مستبده وظروف اقتصادية طاحنة وأزمات مالية عالمية وتحاول المنظمة وتفريعاتها تخفيف الأعباء عن هذه الشعوب والمساهمة فى تدعيم الديمقراطية التى تفتقدها هذه الدول وتنادى بها. ويعلق مون بدبلوماسيته المعهودة خلال زيارته الأخيرة لمصر عقب ثورة يناير أن المصريين هم الفراعنة الذين يتطلع إليهم العالم حتى يكونوا مصدر إلهام لهم وإنهم بناة الهرم «الرابع» وهى الديمقراطية فى العالم العربى ووصف من قابلهم من شباب هذه الثورة بأن لديهم إحساسا بالمسئولية كقادة للغد وأمل للمستقبل. ولأن التاريخ يحيا طويلاً.. لكنه لايموت أبداً وتحتفظ أوراقه بأسماء البشر ومواقفهم التى تجعل منهم علامات للسنين التى تعاصر وجودهم فى مواقعهم وهم قلة يصلون لحدود الندرة فى زمن مراوغ لايؤتمن..!! ولننتظر قليلاً لنسمع رأى التاريخ فى الرجل صاحب الصفحات التى بين أيدينا فمن يدرى!!