اهتمت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التى انعقد فى شرم الشيخ الأسبوع الماضى برئاسة الرئيس حسنى مبارك بالاقتصاد العربى باعتباره قضية مستقبل وبقاء ومصير ومتطلب أساسى للأمن القومى العربى. وقد ركزت القمة على مدى تنفيذ قرارات الدورة الاولى التى عقدت بالكويت عام 2009 وأهمها مبادرة أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد بإنشاء صندوق لدعم كل من المشروعات الصغيرة والمتوسطة والربط الكهربائى وخطوط السكك الحديدية والطرق البرية والبرنامج الطارئ للأمن الغذائى والاتحاد الجمركى والأمن المائى العربى. وبحثت القمة البرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة وتنفيذ الاهداف التنموية للألفية وتطوير التعليم وتحسين مستوى الرعاية الصحية ودور القطاع الخاص فى دعم العمل العربى المشترك وتفعيل دور منظمات المجتمع المدنى ومتابعة تنفيذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن القمم العربية فى دوراتها العادية خلال الفترة من 2001 حتى 2010. وقد شارك فى القمة كل من الرئيس العراقى جلال طالبانى وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، والرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة والرئيس السودانى عمر حسن البشير، والرئيس اليمني على عبد الله صالح ورئيس جمهورية جزر القمر أحمد عبد الله محمد سامبى وإسماعيل عمر جيله رئيس جمهورية جيبوتى، وشيخ شريف شيخ أحمد رئيس جمهورية الصومال، ومحمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات العربي المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبى ورئيس الوزراء الفلسطينى سلام فياض, ورئيس الوزراء السورى ناجى عطرى، وولي عهد البحرين القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ورئيس وزراء الأردن سمير الرفاعى ورئيس الوزراء الموريتانى الوزير الأول مولاى محمد الأغظف وممثل سلطان عمان أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد، ووزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية التونسى كمال مرجان ومحمد الصفدى وزير الاقتصاد والتجارة اللبنانى ومحمد الحويج أمين عام اللجنة الشعبية للتجارة والاقتصاد. كما استمعت القمة لعدد من كلمات القادة العرب والتى حددت مواقف الدول العربية بشأن مجمل القضايا المطروحة على الساحة العربية. وقد استهل الرئيس حسنى مبارك كلمته موضحاً التقاء الآراء على الأهمية البالغة للعمل العربي الاقتصادى المشترك دعما لجهودنا من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لشعوبنا. وقال: لقد أدركنا أن أولوية التعاون الاقتصادية والتنمية لم تعد غايتها تحقيق التقدم لشعوبنا فحسب وإنما أصبحت قضية مستقبل وبقاء ومصير ومتطلب أساسى من متطلبات الأمن القومي العربى، وذلك بالرغم من استمرار معاناة الشعب الفلسطيني وتعثر جهود السلام العادل والشامل وما يحدق بالعالم العربي من أزمات وأطماع ومحاولات للتدخل. وأشار إلى أن قمتنا الأولى جاءت على أرض الكويت فى توقيت عصيب بعد العدوان الإسرائيلي على (غزة) بما ألحقه من أضرار بأهاليها وما أحدثه من شرخ فى العلاقات العربية العربية، لكن حكمة القادة العرب وسمو الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح رئيس القمة أسهمت فى نجاح أعمالها فاعتمدنا عدداً من القرارات المهمة تدعيما للعمل العربى الاقتصادى المشترك خاصة فى مجال تحديث البنية الأساسية من طرق وكهرباء واتصالات كما توج أمير الكويت هذا النجاح بمبادرته المهمة بإنشاء صندوق عربي بقيمة 2 مليار دولار يخصص لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى عالمنا العربى. ولفت إلى أنه كان لأزمات النظام الدولى الراهن منذ قمة الكويت الأثر الأكبر فى تأكيد رؤيتنا نحن العرب للأزمات الاقتصادية العالمية وتداعياتها العابرة للحدود أكدت لنا من جديد أننا لسنا بمعزل عن العالم بمشاكله وتحدياته وأزماته وأن جهودنا من أجل الإصلاح والتحديث والتنمية في بلادنا لابد أن تعى أوضاع ومعطيات مجتمعاتنا والعالم من حولنا كى نمضى فى القرن الحادى والعشرين بمجتمعات عربية منفتحة على تقنيات العصر وعلومه وقيمه ومبادئه تعلى قيم الحرية والعدل وتحترم إرادة الشعوب وحقها فى الحياة الكريمة. لقد التقينا ولدينا خبرات عامين قاسيين على دولنا وشعوبنا دفعنا خلالهما ثمنا باهظا لأزمة مالية واقتصادية لم نكن المتسببين عنها. وأشار إلى انه تعددت الاتفاقات وأطر العمل العربي المشترك في مجالات الاقتصاد والتجارة والتنمية وتشتد حاجتنا لتفعيلها بما يرقى لتطلعات شعوبنا، وانه تحقيقا لذلك فإننى ادعو الإخوة والزعماء العرب لتكليف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بإعداد حصر لكافة هذه الأطر والاتفاقات وتقييم لمدى نجاحها مع طرح مقترحات تفعيلها. وقال مبارك: إننا في عالمنا العربي نقبل على المستقبل بآمال كبار وأمامنا العديد من القضايا المهمة على محاور عديدة، ولدينا أولويات تحقيق الأمن الغذائى ومواجهة تداعيات تغير المناخ، معربًا عن التطلع لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة التقليدية ومصادرها الجديدة والمتجددة بما فى ذلك الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وأضاف: أمامنا استكمال البنية الأساسية الإقليمية ومشروعات الربط البري والكهربائي وخط الغاز العربى، وشبكات المعلومات والاتصالات. وقال نسعى للمزيد من تعزيز الاستثمارات والتجارة البينية ولتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية معربا عن تطلعه للارتقاء بها الى اتحاد جمركي عربي منتصف العقد الحالى وأن نصل معا فى نهايته الى السوق العربية المشتركة. ومن جانبه أدان أمير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد ورئيس القمة السابقة العملية الاجرامية التي قامت بها عناصر ارهابية بالاعتداء على إحدى الكنائس فى مدينة الإسكندرية وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الأبرياء مستهدفة تماسك النسيج الاجتماعي للشعب المصري الشقيق وبث روح الفرقة والشقاق بين أفراده مؤكدا أن وعى وادراك الأشقاء فى مصر لحقيقة ودوافع هذه المحاولات سيفوت الفرصة على هؤلاء الارهابيين لتبقى مصر دائما آمنة مطمئنة تنعم بالاستقرار والرخاء كما أننا نؤكد فى هذا الصدد على مشاركتنا المجتمع الدولي فى سعيه الدءوب لمكافحة الارهاب بكافة أشكاله وصوره وأيا كان مصدره. وأشار أن الاقتصاد العالمي بدأ يتعافى من أزمة غير مسبوقة تاريخيا في حجمها وشموليتها ووقعها الأمر الذى يدعونا الى التفاؤل بامكانية استغلال هذه الأجواء الايجابية للعمل معاً فى الاستفادة من ذلك التعافى النسبى فى تحقيق ما نصبو إليه من نمو اقتصادي وايجاد السبل الكفيلة فى التخلص من الآثاركما تحدث عن الظروف المناخية الصعبة التى تسببت فى العديد من الفياضانات وحالات الجفاف والزلازل والأعاصير وكانت لها آثار سلبية بالغة تمثلت فى النقص الحاد بإنتاج المحاصيل الزراعية وارتفاعا حاداً فى أسعارها عانت معها الفئات محدودة الدخل، الأمر الذى يشكل تحديا اضافيا يعزز من قناعتنا بحتمية انعقاد قمما تنموية واقتصادية واجتماعية يمكن معها تطوير آليات عملنا واتخاذ القرارات المطلوبة فى الوقت الملائم لمواجهة تلك التحديات والأزمات. فيما قال الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى إن النفس العربية منكسرة، بالفقر وبالبطالة والتراجع العام في المؤشرات العربية للتنمية التي تزخر بها التقارير الدولية، والمشاكل السياسية التي لم نستطع حلها، ولم تتمكن الدول الكبرى من حسن إدارتها، إن لم تكن قد تسببت في تعقيدها أحيانا. وأوضح أن هذا الوضع أدخل المواطن العربى فى حالة من الغضب، مؤكدا أن معالجة ذلك يتطلب تحسين مستوى معيشة المواطن العربي، خاصة إذا اقترن ذلك بعودة الروح، «أي عودة الروح العربية من خلال قيام العرب بلعب دور قيادياً فى منطقتهم كما كانوا دوما عبر التاريخ»، معتبرا أن ملخص مايحتاج إليه العرب هو «النهضة»، مؤكدا أن تحقيق هذه النهضة، ممكن من خلال الاستفادة واستيعاب العقول العربية. وقال إن القمة الاقتصادية تقرر موعدها فى يناير عام 2013، واتخذ هذا القرار قبل أن تنعقد القمة الحالية، معتبرا أن هذا يشكل مصدرا للتفاؤل خاصة فى ظل المناخ المتطرف، ومزاج التشاؤم الذى يعم العالم العربى. ونوه بمبادرة أمير الكويت لإنشاء صندوق لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تطرح تكاملا في التعامل مع قضيتي الفقر والبطالة، لافتا إلى أنها أسهمت فى رفع نسبة تنفيذ قرارات القمة العربية الاقتصادية بعد أن أسهمت فيها 10 دول عربية، ليدخل الصندوق حيز التنفيذ واعتماد لائحته التنفيذية، موضحا أن ليبيا أعلنت مساهمتها فى الصندوق بمبلغ مائة مليون دولار. وأكد أن الفكر السائد يرتبط بالتنمية المحلية، لافتا إلى أن التجارب العالمية أكدت أهمية التنمية الإقليمية ، مشيرا فى هذا الصدد إلى جهود الجامعة العربية للانفتاح على دول الجوار وعلى القوى الدولية عبر منتديات التعاون المختلفة. ومن جانبه أعرب الرئيس السودانى عمر حسن البشير عن تطلع بلاده لأن تقوم القمة العربية الاقتصادية التنموية والاجتماعية بإلغاء ديونها فى إطار تحفيز السلام والعمران. وجدد البشير فى كلمته أمام القمة التزام بلاده بنتائج الاستفتاء على مصير جنوب السودان إكمالا للعمل التاريخى المقدام الذي تم بإنهاء الحرب فى السودان، مشيرا إلى أن هذا الاستفتاء يعد إنفاذا لآخر بنود اتفاق السلام الشامل الذى وقع عام 2005، معربا عن الارتياح لاستقرار الأوضاع فى جنوب السودان وشماله، مما أدى إلى الالتفات إلى إنجاز مشروعات تنموية عملاقة فى البلاد. وأكد حرصه على أن يسود السودان سلام، ومناخاً اجتماعياً معتدلاً، يكفل الحرية الدينية على أساس من الوسطية. وأشار الرئيس السودانى إلى استراتيجية الحكومة السودانية للسلام فى دارفور التى يتم إنفاذها بالتعاون مع الدول العربية، من خلال العمل على عودة النازحين، وإجراء مصالحات، وإشراك من ظل بعيدا عن المفاوضات فى العملية السياسية. ومن ناحيته وجه الرئيس العراقى جلال طالبانى الدعوة للقادة والزعماء العرب لحضور القمة العربية العادية المقرر عقدها فى بغداد فى أواخر شهر مارس القادم.