عشية حلول العقد الثانى من القرن الحالى.. الحادى والعشرين، ومع نهاية العقد الأول الذى توشك سنواته العشر أن تنقضى بعد أيام قلائل لتدخل فى ذمة التاريخ، ورغم أن التقسيمات الزمنية وتحديد بدايات القرون والسنين ليست سوى وسيلة تعسفية للتاريخ، إذ أن الحياة تجرى والأحداث تقع لا يوقفها بدء عام أو نهاية قرن، فإنه تبقى ثمة ضرورة وفقا لطبائع البشر وحسبما استقر العرف الإنسانى.. لاستعراض أهم أحداث هذه السنوات العشر وقراءة ما أسفرت عنه من تحولات محلية وإقليمية فى عالمنا العربى والإسلامى. رغم أجواء التفاؤل التى خيمت على العالم ببدء قرن جديد وألفية ثالثة فى التاريخ الإنسانى الحديث، فإن القدر شاء أن يبدد هذا التفاؤل العالمى وقبل أن ينتهى العام الأول 2001 من القرن مع صدمة حادث 11 سبتمبر. حيث تعرضت الولاياتالمتحدة ولأول مرة فى تاريخها لهجوم إرهابى، وهو الحادث الذى كان بداية تحولات سياسية وعسكرية استراتيجية طالت العالمين العربى والإسلامى، بل إنه كان وبحق بداية تاريخ جديد فى العلاقات الدولية. وبينما لايزال الكثير من الشكوك قائمة حول ملامسات تلك الهجمات، وحيث لايزال اتهام تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن بارتكابها غير قابل للتصديق، وبينما يبدو من المرجح أنها تدبير صهيونى محكم داخل أمريكا ذاتها.. استهدفت استعداءها للعالم الإسلامى، إلا أن الرئيس بوش الابن وفريق إدارته ممن يطلق عليهم «المحافظون الجدد» سرعان ما اعتبروا الحادث مبرراً كافياً للبدء فى تنفيذ استراتيجيتهم الجديدة فى الشرق الأوسط بإعلان ما أسموها الحرب على الإرهاب. كان الغزو الأمريكى لأفغانستان بداية هذه الحرب التى وصفها بوش الابن حينذاك فى زلة لسان كشفت حقيقة نياته بالحرب الصليبية، وكان الهدف هو القضاء على حكومة طالبان وتنظيم القاعدة، لتدخل أمريكا وحلفاؤها فى المستنقع الأفغانى والذى لم تفلح فى الخروج منه حتى الآن رغم تنصيب حكومة موالية برئاسة حامد كرزاى، وإن أفلحت فى واقع الأمر فى إعادة هذا البلد الإسلامى الكبير إلى الوراء عشرات السنين. بعد غزو أفغانستان بعام واحد.. كان العراق هو المحطة الثانية أو بالأحرى الجولة الثانية فى تلك الحرب الأمريكية ضد الإرهاب وضد ما أسمتها بدول محور الشر. المبرر الذى ساقته إدارة المحافظين الجدد برئاسة بوش الابن لغزو العراق كان اتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل، وهو الاتهام الذى فشلت فى إثباته على مرأى ومسمع من المجتمع الدولى، وحقيقة الأمر أن ثمة سببين حقيقيين وراء هذا الغزو.. الأول هو القضاء على قوة وقدرات العراق العسكرية والتى كانت تمثل تهديدا - حتى لو كان نظريا - لإسرائيل ولمشروعها الصهيونى فى المنطقة، ومن ثم خصم القوة العسكرية العراقية من المعادلة الاستراتيجية العربية، أما السب الآخر فكان السيطرة على البترول العراقى باحتياطياته الكبيرة. أما مزاعم إدارة بوش الابن بشأن إقامة نظام ديمقراطى بديلاً لنظام صدام حسين والذى قامت بإعدامه فى مسلك استفزازى للكرامة العربية، فقد سقطت سقوطا ذريعاً، إذ شهدت سنوات الاحتلال أكبر مذابح ضد الشعب العراقى الذى سقط منه نحو مليون قتيل إضافة إلى أبشع جرائم التعذيب حسبما جرى فى سجن أبو غريب، فى نفس الوقت الذى نجحت فيه أمريكا فى إعادة العراق إلى الوراء عشرات السنين وفى إشاعة الفوضى والفرقة والتشرذم الطائفى والعرقى والمذهبى، حيث بات العراق على شفا حرب أهلية.. تنذر بتقسيمه إلى ثلاث دويلات.. أولها كردية فى الشمال بدأت بالفعل ارهاصات قيامها. وفى العقد الأول من هذا القرن.. اقتربت إيران ثالث دول محور الشر وفقا للتصنيف الأمريكى من امتلاك قدرات نووية.. مازالت تؤكد أنها للاستخدامات السلمية، بينما الحقيقة أنها تقترب من امتلاك القدرة على تصنيع قنبلة نووية لتكون الدولة الإسلامية الثانية بعد باكستان فى النادى النووى، وهو الأمر الذى يثير مخاوف إسرائيل، ومن ثم يدفع أمريكا وأوروبا للحيلولة دون دخول النادى النووى سواء بفرض العقوبات أو بالتهديد بتوجيه ضربة عسكرية. وعلى صعيد القضية الفلسطينية.. لا تزال عملية التسوية السلمية تراوح مكانها مع غيبة بوادر حل أو تقدم فى الأفق، خاصة بعد إعلان إدارة الرئيس باراك أوباما فشلها فى إقناع حكومة نتنياهو بتجميد الاستيطان، حيث لم يعد أمام السلطة الفلسطينية سوى اللجوء إلى خيارات أخرى غير المفاوضات اللانهائية فى مقدمتها إحالة القضية إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن للحصول على اعتراف دولى بالدولة الفلسطينية فى حدود يونيو عام 1967 وفقا للمرجعيات والقرارت الدولية. ومع أن انتخاب باراك (الديمقراطى) كأول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض.. كان أهم حدث عالمى فى أواخر العقد الأول من هذا القرن.. أحيا آمالاً كثيرة بتغيير فى السياسات الأمريكية تجاه العرب والمسلمين، خاصة بعد خطابه فى جامعة القاهرة فى صيف العام الماضى والذى تعهد فيه بإقامة الدولة الفلسطينية وبدء مرحلة جديدة فى العلاقات الأمريكية العربية الإسلامية، إلا أن سرعان ما تلاشت الآمال وخابت التوقعات، وبدا أن أمريكا هى أمريكا وأن انحيازها السافر لإسرائيل ثابت لا يتغير مهما تغيرت الإدارات والرؤساء. آخر مشاهد العقد الأول من القرن على الخريطة العربية هى الاستعدادات والترتيبات الجارية لإجراء الاستفتاء على تقرير المصير فى جنوب السودان، حيث سيصبح انفصال الجنوب فى دولة مستقلة أمراً واقعاً فى التاسع من يناير المقبل ومع أولى أيام العقد الثانى من القرن، وهو الانفصال الذى يثير مخاوف وهواجس باتت مرجحة لانفصال مماثل لإقليم دارفور فى غرب السودان.. فى سياق مخطط أمريكى لتفتيت هذا البلد إلى دويلات وبما يهدد الأمن القومى العربى والمصرى على وجه الخصوص. *** إن ما جرى من أحداث وتحولات عربية وإقليمية خلال السنوات العشر بفعل السياسات الأمريكية لهو نذير خطر، إذ ليس سرا أنها المشاهد الأولى فى «سيناريوهات» طويلة يجرى تنفيذها تباعا تستهدف المنطقة العربية والشرق الأوسط بامتداده الجغرافى والاستراتيجى حتى إيرانوأفغانستان فى سياق الاستراتيجية الأمريكية الصهوينية لشرق أوسط جديد وخاضع للهيمنة الإسرائيلية. *** أما ما جرى من أحداث وتحولات مصرية داخلية خلال ذلك العقد الأول من القرن الجديد.. فإن استعراضها وقراءاتها لها حديث آخر.