وسط أجواء يسودها الشعور بالتشاؤم، وتشوبها الخلافات، انطلقت فى منتجع كانكون بالمكسيك منتصف الأسبوع الماضى جولة جديدة من محادثات قمة المناخ التى تنظمها الأممالمتحدة بحضور نحو مائتى دولة، بهدف سد الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة من خلال الاتفاق على المبالغ المالية والطرق اللازمة للحفاظ على الغابات المطيرة والاستعداد للارتفاع المستمر لدرجات الحرارة فى العالم. وقد حاول الرئيس المكسيكى فيليبى كالديرون قبيل بدء المحادثات توجيه أنظار المشاركين إلى الفرص الاقتصادية التى يمكن تحقيقها من محاربة التغير المناخى، بهدف إنهاء الشكوك إزاء القمة السابقة التى عقدت فى العاصمة الدنماركية كوبنهاجن العام الماضى وخرجت باتفاق غير ملزم، وكذلك جولة المحادثات التى استضافتها المكسيك وألمانيا فى شهر مايو 2010 وشاركت فيها حوالى أربعين دولة تمهيدا للقمة الحالية. وتركز محادثات كانكون التى تستمر أسبوعين على الاستعدادات اللازمة لارتفاع حرارة الأرض، وهو مبعث قلق للدول الأكثر فقرا، كما تسعى لإضفاء الصفة الرسمية على أهداف موجودة بالفعل للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وقد أبدى مفاوضون من الاتحاد الأوروبى استياءهم من تصريحات الرئيس المكسيكى فى افتتاح القمة، وقالوا إن المحادثات يجب أن تتوصل إلى التزامات أكثر صرامة من التعهدات الخاصة بانبعاثات الغازات، بما فيها انبعاثات الدول النامية. وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق أكثر صرامة لمحاربة التغير المناخى ليحل محل بروتوكول «كيوتو» الذى ينتهى عام 2012، وذلك لتكثيف الإجراءات اللازمة لمحاربة التغير المناخى. من جانبه، قال رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون ان قمة المناخ فى المكسيك لن تكون إلا «خطوة» على طريق التوصل الى اتفاق عالمى ملزم، مطالبا الأمريكيين والصينيين بممارسة جهد فى هذا المجال. ومنذ بدء الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة التغير المناخى بانعقاد أول منتدى دولى للحكومات والعلماء حول تغير المناخ فى مدينة تورنتو الكندية عام 1988 والعالم يحاول التوصل إلى اتفاق ملزم للسيطرة على انبعاثات الغازات الدفيئة،حيث أعقب هذا المنتدى صدور أول تقرير أممى حول تغير المناخ فى عام 1990، ثم تمت صياغة بروتوكول كيوتو فى اليابان والذى ينص على إلزام معظم الدول الصناعة وبعض دول وسط أوروبا بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والمعروفة بغازات الاحتباس الحرارى بحلول عام 2010،ولكن الولاياتالمتحدةالأمريكية رفضت التوقيع على البروتوكول فى عام 2001 مستبقة دخوله حيز التنفيذ فى عام 2005. وأظهرت دراسات أن حرارة العالم يمكن أن ترتفع أربع درجات مئوية بحلول ستينيات القرن الحالى، وهو أسوأ تصور فيما يتعلق بالتغير المناخى ويتطلب استثمارات سنوية تقدر بنحو 270 مليار دولار لاحتواء المناسيب المرتفعة للبحار. كما أظهر العمل التحليلى لمجموعة البنك الدولى، الذى أنجز فى الآونة الأخيرة، مزيدا من الشواهد على أن أشد البلدان فقرا هى أول البلدان تأثرا بتغير المناخ وأكثرها تضررا من هذه الظاهرة، وهو ما يجعل من مسألة التصدّى لتغيّر المناخ أمرا بالغ الأهميّة لأجندة التنمية والحد من الفقر فى العالم. وعلى الرغم من مخاطر وتكلفة تغير المناخ على التنمية، إلا أن العلماء يؤكدون أن انتهاج سياسة عالمية ناجحة إزاء تغير المناخ سوف يتيح المزيد من الفرص الاقتصادية الجديدة أمام البلدان النامية، ولكن الدول الكبرى مازالت مترددة بشأن التزاماتها التى تتضمن تقديم 30 مليار دولار للبلدان النامية بحلول عام 2012 تزيد إلى 100 مليار سنويا بحلول عام 2020 حسبما تعهدت به البلدان المتقدمة خلال قمة كوبنهاجن المعنية بالمناخ. ولكن تشاؤم السياسيين وفى مقدمتهم رئيس الوزراء البريطانى الذى قال انه لا يتوقع التوصل الى اتفاق نهائى فى كانكون، لا يمنع أن قمة المكسيك ستشهد على الأقل حوارا دوليا جادا حول خفض حصص الانبعاثات والالتزام بالمساعدات المالية للدول الفقيرة لتشجيعها على استخدام تكنولوجيا من شأنها خفض الانبعاثات. ويقدر تقرير التنمية فى العالم 2010 الاحتياجات المالية لتخفيف آثار تغير المناخ فى البلدان النامية بأكثر من 200 مليار دولار سنويا إذا أرادت الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بحيث لا يتجاوز درجتين مئويتين سنويا، بينما يقدر تقرير اقتصاديات التكيّف مع تغيّر المناخ تكاليف التكيف فى البلدان النامية بما يتراوح بين 70 و100 مليار دولار سنويا حتى عام 2050.