كنت مشغولا طوال الوقت أثناء مشاهدتى «لفيلم» (ولاد البلد) الذى كتبه «سيد السبكى» و«أمين جمال» و«عبد الله محسن» وأخرجه «إسماعيل فاروق» بهذا السؤال الملح: «كيف حقق هذا العمل الأضعف فنيا بين أفلام عيد الفطر المركز الأول فى الإيرادات؟» وأظننى الآن- بعد الصبر على المشاهدة- استطيع أن اجتهد بالقول إن «ولاد البلد» أقرب إلى فنون الفرجة الشعبية كالموالد والأفراح منه إلى فن السينما أو نوع الأفلام الروائية الطويلة، ولعل هذه الفرجة التى تقدم الرقص والغناء والإفيهات الجنسية بل حتى الضرب والأكشن يمكن أن تجذب جمهور «المولات» الذى سيندهش تحديدا بأن الليلة الكبيرة بكل فقراتها تطل عليه تقريبا من الشاشة البيضاء! الفارق كبير بين صناعة فيلم سينمائى وبين دمج فنون الفرجة التلقائية القائمة على الارتجال والتجاوب المباشر مع الجمهور أخذا وعطاء، هناك حكاية فى «ولاد البلد»، ولكنها تعمل كعنصر مساعد لفنون الفرجة كالرقص والغناء ومسك القافية، بل إن شكل الحدوته البسيط والرسم الكاريكاتورى للشخصيات يذّكرك على الفور بالفصول البسيطة التى كان يقدمها الأراجوز، بل إنه قد يعيدك إلى فنون «المحبظاتية» وهم مجموعة من المؤلفين الذين يقدمون بعض «النمر» الضاحكة غالبا أمام جمهور الشارع مباشرة، والمدهش أن الخطوط العامة لحكاية «ولاد البلد» وبعد استخلاصها بمشقة بالغة.. كان يمكن أن تصنع فيلما معقولا ومقبولا مثل أفلام الأبيض والأسود التى كتبها «أبو السعود الإبيارى» واستاذه «بديع خيرى» فهناك رجل أعمال يدعى «غسان» خرج من حارة اسمها الزغابة، وعاد إليها بعد عشرين عاما لكى يرشح نفسه فى الانتخابات اعتمادا على «ولاد البلد»، وبعد أن نجح وحصل على عضوية مجلس الشعب حاول استغلال الحصانة فى تهريب الممنوعات، إلا أن «ولاد البلد» يرشدون عنه البوليس! ولكن ما حدث أن الفكرة أصبحت فى خدمة فنون الفرجة الشعبية، فانهالت الأغانى والرقصات بمناسبة وبدون مناسبة، وتصادمت الشخصيات الكاريكاتورية لكى تقول كل شىء وأى شىء وفى أى وقت. «باندا» (محمد لطفى) الفتوة المسطول دائما وعلاقته بالراقصة «سامية جمال» (دينا)، و«جاوا» الميكانيكى والمطرب فى صراعه مع حبيبته البدينة «بطه» (إنجى وجدان)، وشعبان (سليمان عيد) الحانوتى فى صراعه مع عروسه «انشراح» لعدم قيامه بواجباته الزوجية، مولد حقيقى يمكن أن يحدث فيه كل شىء وأى حاجة كأن يتفق «ولاد البلد» المساطيل طوال الوقت لمنع تهريب ممنوعات كانوا حتما سيشربونها! لا جدوى من مناقشة هذه النوعية من الأفلام التى تخرج من مصانع السبكى بمنطق تحليل الفيلم السينمائى، ولكن يمكن أن نقول إنها تجميع لفنون الفرجة الشعبية من رقص المولد إلى قافية المقهى، ومن عروض المحبظاتية إلى فصول الأراجوز، والجديد ليس الاستفادة من هذه الفنون لخدمة الدراما، وانما العكس بحيث يصبح الشعار المرفوع: «لا شىء يعلو فوق صوت الفرجة»!.