رغم التعديلات التى أجريت أكثر من مرة ما بين عامى 1980و 2007 على مواد الدستور الخاصة بنظام مصر السياسى والاقتصادى، والتى أقرّت التحوّل إلى التعددية الحزبية بديلا للتنظيم السياسى الواحد (الاتحاد الاشتراكى العربى) وأقرت أيضا التحوّل من النظام الاقتصادى الاشتراكى وملكية الدولة وسيطرة الشعب على أدوات الإنتاج إلى النظام الاقتصادى الحر.. رغم تلك التعديلات والتى تعنى تغييرا وتحولا كبيرين فى فلسفة النظام السياسى ومؤسساته وفى التوجه الاقتصادى للدولة. إن بقاء النص الدستورى على اشتراط نسبة ال «50%» عمالا وفلاحين فى تشكيل المجالس النيابية والمحلية.. بل الأحزاب أيضا (بنص قانون الأحزاب) يعّد نصا نشازا متعارضا مع فلسفة التعديلات الدستورية ذاتها بقدر تعارضه فى الأساس مع مبدأى تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات المنصوص عليها فى الدستور ذاته. ولقد كان اشتراط تمثيل 50% على الأقل من العمال والفلاحين فى تشكيلات البرلمان والمجالس المحلية.. بدعة ابتدعها النظام السياسى ونص عليها فى دستور عام 1964 واستثناء خاصا فى سياق فلسفة وتوجهات النظام الاشتراكى سياسيا واقتصاديا، ومن ثم فقد كانت متوافقة مع المرحلة السياسية فى ذلك الوقت. ورغم تبرير النظام السياسى وقتها للنص الدستورى على اشتراط نسبة ال «50%» هذه بأنه ضمانة لتمثيل العمال والفلاحين فى تشكيلات التنظيم السياسى (الاتحاد الاشتراكى) والبرلمان (مجلس الأمة) والمجالس المحلية، باعتبار أن هاتين الفئتين تمثلان غالبية الشعب، وأن تمثيلهما بهذه النسبة على الأقل بعد حماية للمكتسبات الاشتراكية بقدر ما تعد تعويضا لهما عن الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية والنيابية قبل ثورة يوليو. ورغم تهافت ذلك التبرير لذلك النص الدستورى «البدعة» فإنه كان من الممكن تفّهم دوافع النظام السياسى فى ذلك الوقت، إذ أنه مع قيام الاتحاد الاشتراكى الذى وصفه دستور عام 1964 بأنه السلطة الممثلة للشعب والذى يمثل ما وصفها بتحالف قوى الشعب العاملة من فلاحين وعمال وجنود ومثقفين ورأسمالية وطنية؛ فإن اشتراط هذه النسبة كان أمرا متسقا مع طبيعة النظام السياسى وتوجهاته، رغم ما يشوب اشتراط النسبة من شبهة عدم دستورية. ثم إنه كان ممكنا أيضا تفهم استمرار هذا النص الدستورى على اشتراط نسبة ال «50%» فى دستور عام 1971 وتعديلاته فى عام 1980 مع استمرار النص على أن «جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكى ديمقراطى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة»، وكذلك النص على أن «الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى» والنص أيضا على أن: «يسيطر الشعب على كل أدوات الإنتاج». غير أنه وبداية من تعديلات الدستور فى عام 1980، وحيث نصت المادة الخامسة على أن «يقوم النظام السياسى فى مصر على أساس تعدد الأحزاب» فإنه كان يتعين أيضا إلغاء النص على اشتراط تخصيص نصف مقاعد المجالس النيابية والمحلية للعمال والفلاحين باعتبار أن اشتراط هذه النسبة بات غير متسق مع تغيير نظام الدولة السياسى. وأخيرا ومع التعديلات الدستورية التى جرت فى عام 2007، وحيث تم تعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى فى الدستور والتى ألغت صيغة تحالف قوى الشعب العاملة وألغت أيضا كلمة (اشتراكى) وجاء نص المادة على أن «جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى (بدون اشتراكى) يقوم على أساس المواطنة بدلا من تحالف قوى الشعب العاملة». فإنه لم يعد فى واقع الأمر لاشتراط نسبة ال 50% عمالا وفلاحين أية ضرورة أو مبرر سياسى.. بل أية صلاحية دستورية، ومن ثم فقد صار هذا الاشتراط أمرا شاذا ومتعارضا مع الدستور فى سياق هذه التعديلات ومع التوجه السياسى الراهن. ومن المثير أن النص الدستورى على نسبة ال 50% امتد إلى قانون الأحزاب السياسية والذى اشترط أيضا ضمان تحقق هذه النسبة مع تشكيلات الأحزاب السياسية بداية من الأعضاء المؤسسين، وهو ما بدا متعارضا مع فلسفة النظام الحزبى ذاته. الأمر الآخر هو أن الدستور لم يحدد تعريفا واضحا لصفة العامل والفلاح وترك تحديد التعريف للقانون، إلا أن التعريف القانونى جاء وظل ملتبسا وغير دقيق وعلى النحو الذى فتح الباب أمام التلاعب والتحايل لانتحال أى من الصفتين، باعتبار أن الترشيح تحت أى منهما يتيح للمرشح فرصة أ كبر للفوز استنادا إلى شرط ال 50% على الأقل. ذلك أنه بافتراض حصول اثنين من المرشحين (فئات) على أعلى الأصوات فى إحدى الدوائر، بينما حصل مرشح العمال والفلاحين على الترتيب الثالث فإنه يعتبر فائزا ويأخذ الترتيب الثانى، بينما يحرم المرشح ال «فئات» الفائز بالترتيب الثانى من مقعده! بل إنه وفى المقابل وفى حالة حصول اثنين من المرشحين من العمال والفلاحين على أعلى الأصوات فإنهما يفوزان بالمقعدين.. استنادا إلى نص ال 50% على الأقل! إن الحقيقة التى أكدتها كل الانتخابات النيابية التى جرت منذ تطبيق شرط نسبة ال 50% على الأقل هى أن الذين احتلوا مقاعد العمال والفلاحين فى البرلمان والمجالس المحلية لم يكونوا ممثلين لهاتين الفئتين تمثيلا حقيقيا، وذلك بالتحايل وانتحال صفتى العامل والفلاح بينما لم تشهد البرلمانات المتعاقبة دخول عامل أو فلاح بالمعنى الحقيقى لهاتين الصفتين، ربما باستثناءات تعد على أصابع اليدين، وهو الأمر الذى يؤكد أن بدعة ال 50% هذه صارت خدعة يتعين ألا تستمر. ولقد كشفت الاستعدادات الجارية لانتخابات مجلس الشعب المقبلة وما تشهده من تحايل وتلاعب وتقاتل الكثير من المرشحين سواء داخل المجمعات الانتخابية للحزب الوطنى أو مرشحى الأحزاب والمستقلين على تغيير الصفة الانتخابية من فئات إلى فلاحين وعمال.. لقد كشفت عن عبثية استمرار النص الدستورى على نسبة ال 50% على الأقل، ومن ثم ضرورة إعادة النظر فى الأمر. ولعل انتخابات برلمان (2010) المقرر إجراؤها فى شهر ديسمبر المقبل تكون آخر انتخابات تجرى وفقا لشرط نسبة ال 50% عمالا وفلاحين، ويكون مجلس الشعب الجديد هو الذى يقوم بإنهاء تلك البدعة السياسية النيابية وإلغاء ذلك النص الدستورى الذى يتسم بشبهة عدم الدستورية والذى تأكدت عدم جدواه أو ضرورته بل تأكدت عبثيته أيضا.