أبدى سياسيون ومحللون مصريون تشاؤمهم من حجم التغييرات الدستورية التي يتوقع أن يقدم عليها الرئيس مبارك في الفترة المقبلة ، تطبيقا لما تعهد به في برنامجه الانتخابي ، متوقعين أن يقتصر الأمر على بعض المواد الدستورية التي لم يعد لها صلة بالواقع ، مثل تلك التي تتحدث عن قيادة القطاع العام لقاطرة الاقتصاد المصري ، مستبعدين أن تشمل التعديلات المواد الدستورية الحساسة والجوهرية ، التي تتركز عليها مطالب المعارضة ، خاصة المواد المتعلقة بصلاحيات الرئيس وتعميق الفصل بين السلطات . ولفت هؤلاء المحللون إلى أن المواد التي يتوقع أن تشملها عملية التعديلات تتركز خصوصا في تلك المتعلقة بالدور الاجتماعي للدولة وحماية محدودي الدخل ، إضافة إلى المواد التي تنص على الطابع الاشتراكي للدولة ، والتي تعيق التطبيق الكامل لاقتصاديات السوق ، التي يتبناها عدد من رجال الأعمال النافذين داخل لجنة السياسات بالحزب الوطني . وأوضح المحللون أن الرئيس مبارك ينوي إدخال تعديلات تتعلق بتنازله عن بعض الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية لصالح مجلس الوزراء أو مجلس الشعب ، كما سيجري الرئيس تعديلات أيضا في نص المادة 74 الخاصة بحق رئيس الجمهورية في فرض حالة الطوارئ وإعلان الأحكام العرفية . وتوقع المحللون أيضا أن تمتد التعديلات لتشمل بعض النصوص الخاصة بمجلس الشعب من أجل توفير أرضية دستورية للتحول من نظام الانتخاب الفردي إلى نظام القائمة النسبية ، وهو النظام الذي قضت المحكمة الدستورية العليا قبل عدة سنوات بعدم دستوريته . ولفت المحللون إلى أن المادة الدستورية الخاصة بتخصص 50% من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين ، سوف تكون موضعا للصراع داخل دوائر القرار بالنظام والحزب الوطني ، حيث يبدي الرئيس مبارك تحفظا كبيرا تجاه إلغاء هذه المادة ، وهو ما أعاد التأكيد عليه خلال حملته الانتخابية أكثر من مرة ، في المقابل فإن جناح لجنة السياسات الذي يقوده نجله جمال ، يرى ضرورة إلغاء تلك المادة ، باعتبارها جزءا من ميراث الحقبة الاشتراكية . في المقابل ، حذر المحللون من أن اتجاه النظام لاستبدال قانون الطوارئ بآخر للإرهاب ، ربما يكون المدخل الذي يستغله النظام للحد من الحريات التي ينص عليها الدستور الحالي ، وهو ما لفت إليه الرئيس مبارك تلميحا عند تطرقه لأسباب الإبقاء على قانون الطوارئ ، حيث أشار إلى أن بعض نصوص الدستور الحالي تمنع وضع قانون آخر بديل يتضمن نفس الصلاحيات والسلطات الواسعة التي يتيحها قانون الطوارئ ، من حيث توسيع دائرة الاشتباه والاعتقال ومنع التجمعات . من جانبه ، شدد المحلل السياسي الدكتور عبد الله الأشعل على أن الدستور المصري لا يحتاج إلى تعديل جزئي بل إلى تعديل شامل وكلي ، لأنه وضع في حقبة مختلفة ، وهي الحقبة الاشتراكية ، وهي ملمح غير موجود حاليا . وتوقع الأشعل أن يجري مبارك تعديلات على المواد الخاصة بدور القطاع العام ، وكذلك المادة 77 ، لافتا إلى أن هذا التعديل أصبح حاليا غير ذي جدوى ، ولن يؤثر على الرئيس جملة وتفصيلا ، إذ من المستبعد للغاية أن يقدم مبارك على الترشيح لفترة سادسة ، خاصة وأنه سيكون بانتهاء فترته الجديدة قد قارب على 85 عاما . ولفت الأشعل إلى أن التعديلات التي سيدخلها الرئيس مبارك فيما يخص صلاحياته لن تكون ذات أهمية ، فتعيين رئيس الوزراء وإقالته سيبقى في يد مبارك ، كما أن تنازل رئيس الجمهورية عن بعض سلطاته لمجلس الشعب بوضعه الحالي ، والذي يسيطر عليه الحزب الوطني ، لن تكون له أثار جدية . من جهته ، استبعد الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري ، إجراء تعديل مؤثر في الدستور خلال الفترة القادمة ، وفي حالة حدوث هذه التعديلات فإنها ستكون في بنود القطاع العام والدور الاجتماعي للدولة وفي خدمة مصالح رجال الأعمال ولجنة السياسات التي أصبحت الحاكم الفعلي لمصر . وأتفق البنا مع الدكتور عبد الله الأشعل ، فيما يتعلق بإمكانية تعديل المادة 77 من الدستور ، مشيرا إلى أن هذا التعديل لن تكون له أهمية قصوى . في السياق ذاته ، أكد الدكتور ضياء رشوان الباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام أن التعديلات المتوقعة ستكون اقتصادية في الأغلب الأعم ولن تمس نقاطا مهمة في الحياة السياسية المؤثرة ، خاصة فيما يتعلق بتحجيم سطوة الرئيس والفريق المحيط به ، مشيرا إلى أن أي تعديل فيما يخص صلاحيات مجلس الوزراء أو مجلس الشعب لن يكون ذا أهمية وسيكون لحفظ ما الوجه وتسويق النظام خارجيا . وأبدى الدكتور عبد الحليم قنديل المتحدث باسم حركة كفاية ، اتفاقا كاملا مع وجهة النظر السابقة ، لكنه أعرب عن أمله في أن يقدم الرئيس مبارك على إجراء تعديلات تحول مصر إلى جمهورية ملكية يكون فيها فصلا بين السلطات ، وكذلك تحجيم النفوذ الطاغي للسلطة التنفيذية وإعادة تعديل المادة 76 مرة أخرى ، وتعديل المادة 77 من الدستور للنص على أن تولي الرئاسة يكون لفترتين فقط .