رئيس جامعة قناة السويس يفتتح معمل الأوسكي "OSCE" بكلية التمريض    بنك مصر يطلق حملة لإعفاء العملاء من الرسوم الإدارية لمدة 60 يومًا على التمويل الشخصي والسيارة والعقاري    ارتفاع حجم الصادرات المصرية إلى روسيا 15.8% خلال 2024    الحوثيون يعتبرون الاتفاق مع واشنطن انتصارا ويتوعدون إسرائيل    حارس باريس سان جيرمان: أصبحنا فريقاً حقيقياً بعد رحيل ميسي ونيمار ومبابي    وزير الشباب ومحافظ بني سويف يفتتحان حمام السباحة التدريبي والملعب الخماسي بمركز شباب المدينة    حبس المتهم باقتحام مستشفى الحميات بأسوان بسلاح أبيض 4 أيام على ذمة التحقيق    تدشين مبادرة مجموعات الدعم المدرسي المجانية للشهادة الإعدادية بمطروح    موعد وقفة عرفات 2025    سميحة أيوب تعلق على شائعات حالتها الصحية    رئيس الوزراء: نحتاج تريليون جنيه لاستكمال مشروعات التأمين الصحي الشامل    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع لمدينة مصر للإسكان إلى 541 مليون شهادة    الموالح المصرية الأولى عالميًا بفضل الجهود الحكومية    رئيس جامعة العريش يكرم الطلاب المشاركين في الكشافة البحرية    أكسيوس: أمريكا وإسرائيل تحاولان إقناع الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة غزة الخيرية الجديدة    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    دمياط تحيي ذكرى انتصارها التاريخي بوضع الزهور على نصب الجندي المجهول    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    كيف يفكر الزمالك في تدعيم الدفاع.. مصدر يوضح    فوز ناشئى اليد على التشيك وديا للمرة الثانية    عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    منح 36 مؤسسة تعليمية ب قنا شهادة الاعتماد    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    القبض على المتهم بخطف ابنه بعد ظهوره فى فيديو كاميرات المراقبة بالوراق    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    الحقيقة الغائبة في طلاق بوسي شلبي من محمود عبد العزيز.. فنانون يؤكدون استمرار الزواج حتى وفاته.. وورثة الساحر: لدينا مستندات ونحترم القضاء    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    وزير الثقافة يترأس اجتماع لجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام    3 أبراج تحب بكل قلبها.. لكنها تجد أقل مما تستحق    ترى حفرة محاطة بالأشجار أم عين؟.. لغز يكشف مخاوفك من الحياة    معهد بحوث البترول وجامعة قاصدى مرباح الجزائرية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية: تخصيص مليار جنيه للجينيوم المصرى    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    تكثيف جهود البحث عن فتاة متغيبة منذ يومين في القليوبية    الصفا الثانوية بنات يتفوق على كل أفلام علي ربيع في السينما (بالأرقام)    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    أسقف المنيا للخارجية الأمريكية: الرئيس السيسي يرعى حرية العبادة (صور)    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    "دور الذكاء الاصطناعي في تطوير عمليات الأرشفة والمكتبات".. ورشة عمل بالأرشيف والمكتبة الوطنية    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    جامعة عين شمس تضع 10 إجراءات لضمان سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بنجاح    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بهيش داخل أرض فضاء بالصف.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    انخفاض سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4810 جنيهاً    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الفرق بين أن تحب إنسانا أو حيوانا أليفا؟
نشر في أكتوبر يوم 03 - 10 - 2010

قصة اليوم يحكيها أيضا المعالج النفسى الراحل د. سكوت بيك، فيقول: جاء رجل ليستشيرنى على مضض لأن زوجته تعانى من اكتئاب حاد، كما أن ابنيه الشابين تركا المدرسة، ويعالجان فى المنزل من أزمة نفسيه. وكان الرجل، وهو يعمل وزيرا، لا يخطر على باله أبدا الاحتمال بأن له دورا فيما يمر به أفراد أسرته جميعا. قال لى: «أنا أقوم بكل ما يمكننى لأرعاهم وأحل مشاكلهم .. لا تمضى لحظة واحدة دون أن أكون معتنيا بهم».
«وفى حديثى معه تبين أن الرجل بحق كان يهتم حتى النخاع بتلبية مطالب أسرته، وإسعادهم. فقد اشترى لكل واحد من ولديه سيارة جديدة، ودفع له التأمين عليها. وكان يأخذ زوجته كل أسبوع للمسرح أو الأوبرا لأنها تعشق هذا الفن، رغم أنه لا يطيق الغناء الأوبرالى. ورغم ضخامة مسئوليات عمله فإنه كان يعطى كل وقت فراغه لأسرته، لدرجة أنه يوم العطلة يظل يلملم كل ما يرمونه فى أرجاء المنزل من ملابس أو كتب أو أطباق.. ليكون المنزل نظيفا ومرتبا.
سألته:«ألا تكل من أن تضع نفسك طوال الوقت فى خدمتهم؟» قال بتأثر:«طبعا.. ولكن ماذا يمكن أن أفعل غير ذلك؟ أنا أحبهم.. وأشفق عليهم إذا توانيت لحظة عن رعايتهم. قد لا أكون رجلا عبقريا.. ولكنى على الأقل عندى الحب والاهتمام».
«علمت من حديثى مع الرجل أن والده كان عالما فذا ومشهورا، ولكنه أيضا كان مدمن كحوليات وزئر نساء، ولم يكن يعطى أى اهتمام لأسرته، بل يقسو عليهم. ساعدت الرجل بالتدريج أن يعود لطفولته ويتذكر نفسه وهو يُقسم بأنه حين يكبر ويتزوج، لن يكون قاسيا مثل والده. وبينما هو يكمل حديثه استطاع بنفسه أن يلاحظ أن شغله الشاغل طوال عمره كان ولا يزال أن يرسم لنفسه صورة الرجل المحب.. العطوف.. الحنون. ولاحظت أن الرجل وهو يشير لزوجته يسميها «قطتى الصغيرة»، وعن ولديه الشابين يقول «صغيرىّ».
«حين صارحته بأنه بتوليه وحده كل شئون أسرته تسبب فى تحجيم قدراتهم، وعدم إعطائهم الفرصة للنمو، أو مساحة لتحمل بعض المسئولية، قال لى وهو فى شدة التأثر:«وكيف أتصرف إذا؟ ربما يكون إفراطى فى حبى ورعايتى لهم هو رد فعل لما كان عليه والدى، ولكن هذا لا يعنى أن علىّ أن أتوقف عن الحب أو أهمل أسرتى».
ما كان على هذا الرجل أن يتعلمه - مازال الحديث للدكتور بيك - هو أن الحب عملية مركبة، وليس مجرد سلوك سطحى بسيط ينتج لسبب أو لآخر. وهناك الكثير من الاشياء التى نفعلها باسم الحب، وهى لا تكون حبا على الإطلاق، منها مثلا كما فى حالة هذا الرجل، أن نتصرف مع من نحب تبعا لما يمليه علينا رد الفعل الذى يحكمنا. وهذا كفيل بأن يُعمينا عن رؤية الكثير مما يحتاج إليه المحبوب بحق من رعاية، أو ما يلزم نموه النفسى السوى، أو سعادته الحقيقية.
فى حالة هذا الرجل كان كل ما يحرك حياته هو تكوين صورة لنفسه تختلف عن والده، فلم يتكون عنده نظام نفسى مرن يستطيع به أن يعبر عن حبه. فهو لم يكن ليستطيع أن يدرك مثلا أن «الامتناع» عن عطاء شىء معين فى لحظة ما، يعتبر هو التعاطف الحقيقى أكثر من «العطاء فى لحظة خاطئة». كما أن انحصاره فى رد الفعل لم يتح له أن يدرك أن تعزيز قدرات أفراد أسرته على الاستقلال السوى عنه، هو فى حد ذاته الفعل المطلوب بدافع الحب الحقيقى، لا الإصرار على رعايتهم فى وقت وفى موقف يكون الأفضل لهم أن يتحملوا مسئولية أنفسهم.
ويضيف د. بيك أنه كان على الرجل أن يتعلم ايضا أن تعبيره عن احتياجاته وغضبه واستيائه وتوقعاته فى موقف ما، هى أيضا أشياء ضرورية جدا لصحة أفراد أسرته النفسية، بنفس قدر تضحياته وإنكاره لذاته. فالحب - كما يوضح - يجب أن يعبر عن نفسه بالمواجهة، كما بالقبول والتنازل عن طيب خاطر. بمعنى آخر، بالحب الحقيقى تتكون عند الإنسان القدرة على تمييز ما هو مطلوب فى لحظة ما لصالح المحبوب. وحتى تتكون هذه القدرة على التمييز، يجب على الإنسان أن يحرر نفسه من الأشياء الزائفة التى تتذرع بالحب. وهذا يحتاج جهدا قلبيا وعقليا.
الحب الحقيقى يحررنا من رد الفعل/U/
حين أدرك صاحب القصة قدر الضرر الذى سببه لأفراد أسرته دون قصد، اقتنع بأن عليه أن يغير معاملته بالتدريج. ولأن هذا الرجل كانت داخله فعلا بذرة حب أصيلة، فقد جاهد مع نفسه ليصل إلى الاستواء المطلوب، فكان مستعدا أن يغامر بصورته التى أخذ يرسمها لسنين، ويرضى بأن يبدو للحظات بأنه تحول لرجل سىء. فبدأ مثلا يرفض أن يلملم ما يرمونه من أشياء فى أنحاء المنزل، وأخذ يعبر عن غضبه حين لا يشتركون معه فى التنظيف والترتيب. وامتنع عن دفع مصاريف التأمين على السيارات، وقال لولديه إنهما لو أرادا أن يقودا سيارة فعليهما توفير هذه المصاريف بمجهودهما الشخصى. وقال لزوجته أن تذهب لمشاهدة الأوبرا أو المسرح بمفردها.
فى البداية كان رد فعل أفراد الأسرة جميعا هو الغضب، ولكن مع تصميمه الذى يصحبه وعى بما يفعل، وقوة من الحب لا تقل أبدا عما يحمله لهم فى داخله، بدأت الثمار تظهر واحدة تلو الأخرى. فقد عاد الولدان إلى المدرسة وصارا أكثر التزاما واهتماما بدروسهما. والأكبر منهما أخذ يبحث عن عمل ليحصل على نقود بمجهوده الشخصى. أما الزوجة فبدأت تستريح وتستمتع بتلك المساحة من الحرية التى أعطتها الفرصة لأن تفكر بنفسها كيف يكون لها عالمها الخاص لبعض الوقت، وتنمى نفسها بطريقتها الخاصة، وشفيت من الاكتئاب. المحصلة النهائية أن الرجل وجد نفسه يتقدم فى عمله، وأن حياته مع أسرته صارت أكثر سعادة وراحة وقربا.
الحب.. تفاعل.. لا إلغاء للمحبوب/U/
المعنى الذى أراد أن يوصله لنا د. بيك - وغيره كثيرون من علماء النفس الروحى - هو أن الحب، فى معناه الحقيقى، أكبر من أن يكون غريزة، أو شعوراً تلقائياً بالارتباط بشخص ما. فحب الأم والأب لأولادهم، وتعلقهم بهم، قد يقف عند كونه غريزة طبيعية، قد لا تأخذهم لأكثر من العلاقة التى تقوم بين شخص وبين حيوان أليف يربيه، ويستمتع به لأنه يُشبع له احتياجا معينا. فالحيوان مثلا يرتبط بصاحبه ولا يتطلع لأن تكون له شخصية مستقلة، وليس له أفكار ومعتقدات مختلفة يريد أن يعبر عنها، بل هو يسير تماما فى النهج الذى يضعه له صاحبه.
ويصف د. بيك بعض الناس بأنهم «قادرون فقط على حب الحيوانات وغير قادرين على حب البشر». ويقول إن بعض الأمهات مثلا يستمتعن بأمومتهن مع مواليدهن قبل بلوغ العامين، وبمجرد أن تصبح للطفل إرادة، فلا يطيع كل شىء، أو يرفض التدليل مثلا، أو ينجذب لأشخاص آخرين يتحول الطفل عند الأم إلى مصدر إزعاج، وتعجز عن التعرف على احتياجه العاطفى فى المراحل المختلفة كإنسان مستقل. المعرفة المطلوبة لتكوين علاقة حب حقيقية، لا تتحق بالغريزة. ربما تكون الغريزة دافعا قويا يجعل الأم تتحمس لتتعلم ما يفيد أولادها، وهذه بذرة طيبة، ولكنها إن توقفت عند حدود الغريزة، فلن تتطور مشاعرها إلى حب حقيقى تستطيع من خلاله - كما فعل الرجل فى قصة اليوم - أن تدرك ما يريده أولادها من عطاء معنوى ونفسى وروحى.
هل هناك عوامل أخرى تعوق قدرتنا على الحب الحقيقي؟ هذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.