أسعار الذهب فى مصر اليوم الاثنين 30 يونيو 2025    الاستثمارات الخاصة تستحوذ على 62.8% في الربع الثالث من عام 2024-2025    ترامب: لا أعرض على إيران أي شيء ولا أجري محادثات معها    مستوطنون يقتحمون باحات "الأقصى" بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    قناة عبرية: خلافات باجتماع القيادة العسكرية بسبب مواصلة الحرب في غزة    الأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة البحرية وارتفاع الموج 3.5 متر    النيابة تستمع لأقوال مالك جراج نشب به حريق في مدينة نصر    مصرع فتاة وإصابة 17 آخرين في حادث بالبحيرة    جواتيمالا تفجر المفاجأة وتقصي كندا من ربع نهائي الكأس الذهبية    اليوم.. مجلس النواب يناقش قانون الإيجار القديم وسط جدل واسع    لا سلام دون الجولان.. جديد المحادثات بين سوريا وإسرائيل    القنوات الناقلة لمباراة إنتر ميلان ضد فلومينينسي في ثمن نهائي كأس العالم للأندية    بعد ضبطه بالإسكندرية.. حبس سائق دهس مسنا وابنته وحفيدته بمدينة نصر    آسر ياسين يكشف تفاصيل تحضيره لفيلم "الشايب"    أطعمة ومشروبات تحافظ على صحتك في الصيف.. تعرف عليها    نشرة منتصف الليل| كامل الوزير: مستعد للمحاسبة.. وموسى:حملات تشويه تستهدف المسؤولين    أيمن أبو العلا: تقنين وضع اليد في الأراضي متاح بشرط    اعتماد نتيجة الإعدادية بقنا بنسبة نجاح 68% وإعلانها بالمدارس الثلاثاء    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم مروع بالإسماعيلية    قبل الحادث بدقائق.. فيديو متداول لسائق حادث المنوفية أثناء تحركه    مجدي الجلاد: أداء الحكومة بعد حادث المنوفية يعكس غياب الوعي السياسي    الصور الأولى من عقد قران حفيد الزعيم عادل إمام    تأجيل عرض مسرحية "الملك لير" للنجم يحيى الفخراني إلى 8 يوليو المقبل    فاروق فلوكس: تركت عزاء والدتي من أجل مسرحية "سنة مع الشغل اللذيذ"    المخابرات البيلاروسية تحبط هجوما بمسيرات على منشآت استراتيجية    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. الشروط والتنسيق وأماكنها    «مصدر إلهامي».. إنزاجي يفاجئ جوارديولا قبل مواجهة الهلال ومان سيتي    حالة الطقس تهدد مباراة الهلال ومانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    رسميًا.. تنسيق المدارس الفنية في الجيزة 2025 يبدأ من 140 درجة لجميع التخصصات    بنسبة 12% سنويًا.. تفاصيل الزيادة الجديدة في أسعار السجائر وموعد التطبيق    6 أعراض تسبق الجلطة الدماغية.. تعرف عليها    من الشواطئ للحدائق.. فرنسا تتوسع في منع التدخين وتثير جدلاً واسعاً    محافظ كفر الشيخ يفتتح ميدان وحديقة المحطة بعد تطويرهما    رسوب 10 حكام و8 مساعدين فى الاختبار البدنى لمعسكر تأهيل حكام الVAR    «الرقابة النووية» تطلق العدد السابع من مجلتها التوعوية بعنوان «الأمن المستدام»    بالقاهرة والمحافظات| مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 30 يونيو 2025    مصفاة حيفا النفطية المتضررة جراء الضربات الإيرانية ستعود للعمل بحلول أكتوبر    ما فضل صيام يوم عاشوراء؟.. أجرٌ عظيم وتكفيرٌ للسنة الماضية    اتحاد الكرة: ننتظر موقف الشركة الراعية من مكان السوبر ولا نمانع إقامته في مصر    محمد علي رزق يكشف أسرار دوره المختلف في فيلم "في عز الضهر"    آسر ياسين ل إسعاد يونس: «استحالة كنت أفكر أبقى ممثل» (فيديو)    اعتداء على كنيسة البشارة الأرثوذكسية في الناصرة بفلسطين.. التفاصيل    قد ينتهي بفقدان السمع.. العلامات المبكرة لالتهاب الأذن الوسطى    وزيري: لدينا 124 هرما.. وهذه أهداف مشروع «تكسية منكاورع» | فيديو    في ذكرى إصدارها الأول.. "البوابة " 11 عامًا من المواجهة وكشف الحقيقة    عضو مجلس إدارة الزمالك يُجبر شيكابالا على الاعتزال.. عبدالعال يفجر مفاجأة    قناة الأهلي تكشف حقيقة العروض الأوروبية لزيزو    4 أبراج «سابقة عصرها»: مبتكرون يفكرون خارج الصندوق وشغوفون بالمغامرة والاكتشاف    القبض على السائق المتسبب في مصرع شخص سقط عليه ونش أثناء تواجده داخل سيارته على الأوتوستراد    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف أصلي الصلوات الفائتة في نهاية اليوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم الاغتسال بمياه الصرف الصحي بعد معالجتها؟ أمينة الفتوى تجيب    مرصد الأزهر يحذر الطلاب من الاستسلام للأفكار السلبية خلال الامتحانات: حياتكم غالية    محافظ الغربية: لا تهاون في فرض الانضباط أو الحفاظ على حق الدولة    إعلام عبري: نتنياهو لن ينهي الحرب في غزة بسهولة    ترامب يتهم جيروم باول بإبقاء معدلات الفائدة مرتفعة بصورة مصطنعة    مستشفى قنا العام ينظم يومًا تثقيفيًا لمرضى الغسيل الكلوي ويطلق أول دليل استرشادي (صور)    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حقا لا يستطيع أن يعيش بدونها؟
نشر في أكتوبر يوم 26 - 09 - 2010

جاء لاستشارتى رجل فى الثلاثين من عمره يعانى اكتئابا حادا، فزوجته هجرته ومعها طفلاهما قبل ثلاثة أيام. قال: إن زوجته كانت تشكو من إهماله لها وللطفلين، وتهدده مرارا بالرحيل، وفى كل مرة كان يقر لها بخطئه ويعدها بأنه سيتغير، ولكن تغيره ما كان ليستمر أكثر من يوم، ثم يعود لسيرته الأولى، وفى هذه المرة نفذت الزوجة تهديدها وتركته ورحلت. لم يغفل للرجل جفن لليلتين، وكان يرتعش من القلق، وتنهمر الدموع من عينيه بغزارة وراودته فكرة الانتحار بقوة. قال لى وهو يبكى «لا أستطيع أن أعيش بدون أسرتى، أنا أحبهم للغاية».
قلت له: «هناك شىء يحيرنى، فقد قلت لى: إن شكوى زوجتك فى محلها، وأنك لا تفعل أى شىء لأجلها، وأنك تعود للبيت وقتما يحلو لك، وأنك لم تكن معجبا بها عاطفيا أو جنسيا، وأنك حتى لم تكن تتحدث لطفليك لمدة شهور، ولم تكن تلعب معهما أو تأخذهما للفسحة فى أى مكان، أنت لم تكن لك أى علاقة بأفراد أسرتك، وأنا لا أفهم لماذا أنت مكتئب الآن إلى هذا الحد بخسرانك لعلاقة لم تكن موجودة أصلا؟». أجابنى وهو فى غاية التأثر «ألا ترين ما أنا عليه الآن؟.. أنا لا شىء.. ليس لى زوجة.. وليس لى أطفال.. أنا لا أعرف من أنا.. قد يكون صحيحا أنى لا أفعل شيئا من أجلهم ولكن لابد أنى أحبهم وأنى بدونهم لا شىء».وبسبب اكتئابه الشديد الذى كان يصل إلى حد الخطورة، وإحساسه بفقدان هويته التى كان يستمدها من أسرته، أعطيته موعدا لآراه مرة أخرى بعد يومين، وتوقعت له تحسنا طفيفا، ولكنه حين عاد بعد يومين، وجدته يكاد يقفز فى خطواته نحو المكتب، ويقول بكل المرح: «كل شىء على ما يرام الآن».. سألته: «هل تصالحت مع عائلتك؟ رد وهو فى غاية السعادة: كلا.. كلا.. إنى لم أسمع منهم منذ أن كنت عندك، لكنى تقابلت فى المطعم الليلة الماضية مع فتاة، وقالت لى: إنها معجبة بى، وأنها مثلى منفصلة عن زوجها، وعندنا الليلة موعد آخر معا، أشعر أنى عدت إنسانا من جديد. أعتقد أننى لست بحاجة لأن آتى إليك مرة أخرى».
هذه القصة يحكيها المعالج النفسى والكاتب الأمريكى الراحل د. سكوت بيك فى كتابه: «الطريق الذى يسلكه قليلون The Road Less Travelled»، وهو يضع عنوانا جانبيا لكتابه هو: «علم نفس جديد فى الحب ما بين القيم التقليدية وطريق النمو الروحى». والكتاب يتناول قيما سائدة، ومشاعر نعيشها، وأفكارا ومعتقدات شائعة بيننا جميعا، نمارسها باسم الحب، ولكنه يصفها بأنها ليست حبا على الإطلاق، بل هى تأخذنا فى طريق عكس طريق الحب تماما. وطبعا للكاتب تعريف محدد لمعنى الحب، سأتناوله بعد استعراض بعض النماذج التى يعطيها لتوضح الفرق بين هذه المشاعر والممارسات ب «ظن الحب»، وبين الحب فى معناه الحقيقى، فى المقالات القادمة.
ليس هذا حبا!
يوضح د. سكوت بيك أنه من الطبيعى أن كل شخص منا، وفى أى مرحلة عمرية يحتاج إلى الرعاية والاعتماد - بقدر ما?- على من يحبهم ويحبونه، وهذا مكون أساسى من مكونات الحب السوى، ولكنه يشير إلى نوع ما من الاضطراب النفسى، له سمات واضحة ويسميه «الاعتماد السلبى». وفى تعليقه على الرجل صاحب القصة المذكورة أعلاه يقول د. بيك «إن هذا التغير السريع هو سمة من سمات الشخص الذى يعانى من الاعتماد السلبى، فالأمر كأنه لا يهم من هم الذين يعتمد عليهم، المهم هو وجود شخص والسلام، والنتيجة هى أنه بالرغم من أن علاقات مثل هؤلاء الأشخاص تبدو فى الظاهر قوية بصورة درامية، إلا أنها فى الحقيقة سطحية للغاية».
فمثل هذه الشخصيات- كما يقول- تعانى من خواء داخلى لا يمتلئ أبدا. إنهم كالجوعى الذين لا يشبعون، مهما التهموا من أنواع وكميات الطعام. وذلك بالطبع يجعلهم غير قادرين على التفكير فيما يجب أن يعطوه هم للأطراف الأخرى. الشخصية الاعتمادية السلبية غالبا ما تكون فى حالة غضب لأنهم يشعرون أن الآخرين يخذلونهم، وهم فى الحقيقة لا يمكن أن يشبعوا لهم احتياجاتهم أو يحققوا لهم رغباتهم، فخواؤهم الداخلى لا يمتلئ. وإذا لم يجدوا أشخاصا يستمدون منهم هويتهم، يستبدلونهم بالخمر أو المخدرات، أو أى نوع من أنواع الإدمان.
تؤذى نفسها قبل الآخرين
ويعطى د. بيك مثالا آخر لما يمكن أن تفعله الشخصية الاعتمادية لتؤذى به نفسها وليس الآخرين فقط. فيحكى عن فتاة ذكية وجميلة ومتعلمة. ولكنها أهانت نفسها كثيرا بدخولها فى علاقات كثيرة غير متكافئة. فكانت لا تستطيع أن تعيش بدون علاقة عاطفية، وبالتالى لا تستطيع الانتظار للتحقق من صلاحية الشخص لها، بل كلما تفشل فى علاقة تدخل سريعا فى علاقة أخرى. أما السبب المتكرر لفشل علاقاتها جميعا فهو أن الآخرين يتركونها لأنها تخنقهم بمطالبها العاطفية حتى تملأ فراغ نفسها، كأن يثبت حبه لها وغرامه بها باستمرار، ولا ترضى أبدا أن يتركها بمفردها لأى سبب، فتنتهى العلاقة بانفجار ثورته للخروج من «الفخ» وتنتهى العلاقة لتبدأ علاقة أخرى فورا. بعد ثلاث سنوات من العلاج استطاعت كسر هذه الحلقة المفرغة وأدركت الفرق بين تطلعها لملء الفراغ العاطفى، وبين البحث عن الحب الحقيقى.
يسمى هذا الاضطراب النفسى «اعتمادا سلبيا» لأن هؤلاء الأشخاص يشغلون أنفسهم بما يمكن للآخرين أن يفعلوه من أجلهم ويستبعدون ما يمكن أن يفعلوه هم لأنفسهم أو لأى أحد. وليس معنى هذا أنهم لا يفعلون شيئا للغير بل قد يفعلون كل شىء ولكن دافعهم دائما هو أن يضمنوا الالتصاق بهذا الشخص الذى يرعاهم ويضمنون «عجزه» عن مفارقتهم.
معظمنا «اعتماديون» جزئيا
النموذجان اللذان ذكرهما د. بيك يعتبران حالات مرضية، تحتاج لعلاج لدى المتخصصين، لكن الكثيرين منا يعانون من بعض لمحات الشخصية الاعتمادية السلبية، ويستطيعون لو أرادوا، أن يكتشفوا ملامحها فى أنفسهم، ويعالجوا أنفسهم بالوعى والإرادة. فى هذا المجال يعطى د. بيك بعض الأمثلة. فيقول: إن الزوجين الذين يتمتعان بعلاقة صحية وسوية لا يمتنعان أحيانا عن تبادل الأدوار كنوع من التدريب لكل منهما لاكتساب القدرة على عمل كل شىء. فلا يمانع الزوج مثلا فى أن يطبخ أحيانا، أو يعتنى بالأطفال، ولا تمانع الزوجة فى العمل على زيادة دخل الأسرة. أى هو تدريب على أن يكون كل طرف «قويا» بخبراته المتنوعة.
أما المعتمدون السلبيون فهم يركزون على ترسيخ الاعتماد المتبادل، وتقليص حرية وقدرات، ومكانة، الطرف الآخر، ولذلك يجعلون الأدوار بينهما محددة وجامدة ليزيد اعتماد كل طرف على الآخر، وتحويل الزواج لمصيدة لا يمكن الفكاك منها، وبهذا وتحت اسم الحب تتلاشى حرية كل طرف ومنزلته. فالزوجة مثلا قد ترفض قيادة السيارة لتجبر زوجها على تحمل مسئولية صحبتها، أو القيام بالشراء، فهى تستعمل «عجزها» فى زيادة حجم مسئوليته عنها. والزوج أيضا قد يسعد باعتمادها عليه حتى لا يكون لها أى علاقات خارج عالمه، ولا أى استقلالية من أى نوع. لو تأملنا سنجد «صورا لا نهائية» يحاول بها كل طرف «سلسلة» الآخر له، ليضمن ارتباطه به.
باختصار.. الاعتماد السلبى يأخذ صورة الحب لكنه فى الحقيقة عكس الحب تماما فهو أخذ بلا عطاء، وهو سبب للتخلف العاطفى والنفسى، بدلا من النضج واكتساب الخبرة، وهو سجن وخنق للآخر بدلا من الانطلاق والحرية، وهو تحطيم للعلاقات والأشخاص بدلا من البناء. وترسيخ «الاعتمادية السلبية» يسلبنا قدرتنا على الحب، مثله مثل أشياء أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.