أستأذن قارئ هذه الصفحة فى أن أستضيف رسالة طويلة عن الشارع المصرى سأحاول اختصارها فى حدود المساحة المتاحة، وصاحب الرسالة يعمل مدير إدارة بإحدى شركات الأدوية وهو «رجائى صبحى» الذى اكتشف أن لديه موهبة الملاحظة والرصد وقد رصد ما يلى:1- من أهم المميزات التى يمكنك الحصول عليها فى الشارع المصرى هى أنك تستطيع قفل الشارع بمزاجك من غير ما حد يعترض، ولو عندك حالة وفاة تستطيع أن تحول الشارع إلى دار مناسبات وتقفله بصوان بس تسيب ممر صغير للناس تعدى منه على رجليها علشان ماتشتمش المرحوم، أما فى حالة لو عندك فرح فتستطيع قفل الشارع من غير ما تسيب ممر للناس تروَّح علشان ما فيش حد أصلاً هيروَّح قبل الفرح ما يخلص. 2- لو ركبت تاكسى وفى جيبك شريط بتحبه ممكن تديه للسواق يشغله (وممكن كمان.. علّي يا اسطى)، وسيزيد حماس سائق التاكسى لتشغيل شريطك إذا كان كوكتيل شعبى حيث العنب والمولد وقوللووه، أو إذا كان خطبة عن عذاب القبر. 3- مصر هى الدولة الوحيدة التى لا تعرف فيها هتدفع كام قبل ما تركب التاكسى (فى أوروبا والدول المتقدمة زى دبى مثلاً فيه حاجة اسمها عداد) هناك أشخاص يعتبرون سؤال سائق التاكسى (هتدفع كام) هو سؤال بجح، لكن وبشكل عقلانى هو سؤال يضمن (حقكوا انتوا الاتنين). 4- مش كل مرة تضبط فيها مخالف هتتسحب منك الرخصة، فهذا «أوبشن» متاح فى مصر ودول أخرى أفقر، وعلشان رخصتك ما تتسحبش عندك كذا طريقة أشهرها أنت مش عارف أنت بتكلم مين، لكنها مش دايما مضمونة وممكن تقلب بغم، وأسهلها استعطاف أمين الشرطة وتبرير خطأك كطفل أمه ضبطته بيعاكس بنت الجيران مع التأكيد على إنك مش هتعمل كده تانى والإكثار من معلهش ونهارك أبيض ياباشا وهناك الطريقة الأخرى التى تعرفها. 5- لدينا أيضاً ميزة أن لكلبشة السيارات مواعيد عمل رسمية نعرفها جميعاً وتجعلك تركن سيارتك صف تانى أمام سنترال التحرير فى الثالثة صباحاً وأنت متطمن. 6- لدينا أيضاً ميزة أنك ممكن تفتح الإشارة بالضغط على أمين الشرطة عن طريق الكلاكسات، وفى بلدنا ميزة أخرى أهم تدل على أننا نعيش أجواء ديمقراطية وهى أن الواقفين فى الإشارة لديهم الحق فى تحديد الوقت المقبول للوقوف فى الإشارة وعندما يتم تجاوز هذا الوقت تبدأ زفة الكلاكسات. 7- أيضاً لدينا ميزة أخرى وهى أنك ممكن تشترى سارينة إسعاف وتركبها فى عربيتك، وستساعدك كثيرا فى اختراق الزحام، لأن الناس يفسحون الطريق تلقائيا عند سماع السارينة (حتى لو ما شافوش فى المراية أى عربية إسعاف) وتستطيع أيضاً الالتصاق بسيارة إسعاف حقيقية (لو ماعندكش سارينة) مما سيجعلك تصل أسرع، وهناك نوع من السائقين فى منتهى خفة الدم (بيعملوا نفسهم قرايب المريض اللى فى عربية الإسعاف). 8- لدينا ميزة لا نراها هى فى حد ذاتها ولكن نرى آثارها فى الشوارع بسهولة، ميزة الميكانيكية المهرة الذين يسمحون لسيارات عمرها الافتراضى انتهى منذ سنوات بعيدة أن تستمر على قيد الحياة وتنافس سيارات الألفية الجديد فى شوارع القاهرة (يعنى فيه ميكانيكية ممكن يخلوا عربيتك تعيش خمسين سنة على الأقل) القاهرة هى العاصمة الوحيدة التى سترى شوارعها سيارات موديل من سنة ستين وطالع. 9- ممكن الناس تركب فى شنطة العربية الملاكى لو العربية مليانة، وهو مشهد له وقع طريف على من يراه، وهناك من يركب إلى جوار سائق الميكروباص (على شمال السواق) وهناك المقعد الأمامى الذى يتسع أحياناً لثلاثة أشخاص (اتنين جنب بعض وواحد على رجلهم شويه وعلى التابلوه شويه) وهناك المجانين الذين يجلسون فوق شنطة السيارة وهى مسرعة، وهناك الموتوسيكل الذى يحمل أسر كاملة، لدينا ميزة الناس اللى بتشيل بعض فى «الزنقة». 10- لدينا ميزة روح التعاطف المختلطة بالأمومة يعنى لوماشى بعربيتك وكاوتش عربيتك نايم شويه أو نص نايم أو حتى مهوّى هتلاقى كل العربيات اللى بتعدى عليك بتهدى جنبك وكل اللى فيها بيشاورولك على الكاوتش، وهناك من هم متأججو المشاعر الذين يطاردونك حتى يلحقوا بك وبيكسروا عليك علشان يلفتوا نظرك.. الفردة اللى ورا عايزه تتزود، ونفس الشىء لو أحد أبواب سيارتك ليس مغلقا جيدا أو غطاء تنك البنزين مفتوح. 11- من توابع روح التعاطف أيضاً أن تلاحظ السيارات القادمة فى الاتجاه المقابل على طرق السفر كلها بدون استثناء (عمّاله تقلب لك نور) ستعرف فورا أنه فيه رادار أو لجنة رادار على الطريق وأن تقليب النور ما هو إلا تحذير (خُد بالك يا بنى وعلى مهلك). 12- من أجمل ما فى الشارع المصرى تلك الجمل التى نراها مكتوبة على السيارات بكافة الأنواع، وهى مليئة بالحكمة أحياناً (السعادة فى الرضا)، وبخفة الدم أحيانا (المجروحين يمسكوا يمين)، وبالطيبة أحياناً (يا بركة دعاكى يا أمى)، وبالمياصة أحياناً (من حق الكبير يتدلع)، وبالغموض أحيانا (للكبار فقط). 13- من أجمل ما فى الشارع المصرى روح التعاون، وتتجلى هذه الروح فى (ورطة الزق)، فعندما تعطل سيارتك وتطلب من أقرب مجموعة أشخاص أن «يزقوك» سيستجيب لك الجميع فوراً، ولكن لأى مدى؟ لأبعد مما تتخيل، فالشخص الذى تورط فى أن يزقك لن يتخلى عنك حتى تدور سيارتك وتنطلق مسرعاً ملوحاً له بالشكر من شباك سيارتك، لكن من الوارد أن تستمر عملية الزق لمسافة طويلة تجعلك تشعر بالإحراج، ومن الوارد أن تتوقف العربية مرة أخرى فتنزل من سيارتك وعلى وجهك ابتسامة بلهاء فتجد الأشخاص الذين قصدتهم من قليل يعودون إليك مرة أخرى ويواصلون عملية الزق لدرجة تجعلهم يبتعدون عن المكان الذى كانوا يقفون فيه بمسافة تحتاج لمواصلتين علشان يرجعوا لها.. بس الجميل فى مصر إنه مش مهم الناس دى مشيت معاك لحد فين المهم عربيتك تدور وتمشى وترحمهم من الورطة اللى حطوا نفسهم فيها، والأظرف عندما يكون العطل اللى فى سيارتك من النوع الذى لا يفلح معه الزق، هنا سيستمر الناس فى زقك إلى أن يفقدون الأمل تماما، وساعتها سيقولون لك:(إحنا هنزقك على جنب وتركن عربيتك وتقفلها وتروح تجيب ميكانيكى)، وقد تجد بينهم شخص لا يفهم فى الميكانيكا لكنه عاطفى جداً وسيفاجئك بطلب غريب (افتح كده الكبوت). 14- لدينا عدد لا بأس به من الناس الزوق زوق زوق، مثل هذا الشخص الذى لا يكتفى بإشارة يمين ولكنه يخرج لك ذراعه من الشباك احتياطى لتكون مش واخد بالك، وهناك الشخص الذى لا يكتفى بإشارة الانتظار إذا اضطر إلى الوقوف لكنه يرفع لك يده أعلى من مستوى السيارة فى إشارة تحمل مزيجا من الشكر والتنبيه، وهناك الشخص الذى تضطره الميكروباصات لأن (يكسر عليك) فيضطر إلى أن يمشى أمامك ميتين متر وهو يرفع يده لك أسفاً واعتذارا. 15- من حقك تعمل مطب قدام بيتك، أو قدام المحل بتاعك أو المدرسة بتاعتك علشان تحس بالأمان، وبناء المطب حق مكفول لأى مواطن ولا يحتاج لتصريحات ولا يكلفه أكثر من شيكارتين أسمنت، كذلك من أحلى الحاجات فى الشارع المصرى الحق المكتسب لصاحب الكشك فى استخدام ما يستطيع من المساحة المحيطة به ووضع كل بضاعته خارج الكشك، أما إذا كان عندك سوبر ماركت صغير فمن الممكن أن تزين بابه بصفين، صف علب سمنة وصف كراتين صابون، ومع إنها مجرد بضاعة إلا أن الناس بتعتبرها أيمدج للمحل (مع أن المفروض أن البضاعة دى كلها تدى انطباع بالكساد)! ومع أن هناك عشر ملاحظات أخرى لكن كفاية كده!