رغم القرارات الملزمة التى أصدرها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات لشركات المحمول الثلاث، بفرض إجراءات مشددة لتسجيل بيانات المشتركين الجدد على النظام الإلكترونى للشركات وإثبات البيانات الشخصية التى تصل إلى الشركات خلال 45 يوما، إلا أن الفوضى لاتزال سيدة الموقف فى سوق المحمول.. ولايزال التحايل مستمراً على قرار الجهاز. وما يحدث فى الشارع المصرى وما أثبتناه بالتجربة العملية يؤكد أنه لايزال هناك تسرب فى عمليات تسجيل الخطوط، بل إن الأمر وصل إلى حد «تكسير العظام» على بيع الخطوط، حتى لو تطلب الأمر عدم تسجيل بيانات العميل الجديد حتى لا تجتذبه الشركة المنافسة إذا ما أرهقته إجراءات التعاقد المملة والمطولة!! بهذا المنطق تتعامل شركات المحمول مع أزمة الخطوط مجهولة الهوية التى تمثل تهديدا أمنيا للمجتمع، بل الأدهى أن الخطوط تباع على الأرصفة وفى مواقف النقل العام، أما ما يحدث داخل جامعة القاهرة، فهو الأدعى للتوقف أمامه بالرصد والتحليل، فالأكشاك الخاصة بإحدى الشركات تعلق لافتة تقول: «إذا رغبت فى زيادة دخلك فقف دقيقة»، وبعدها تسأل الموظف فى الموقع عن الإعلان، فيخبرك بأنه بإمكانك أن تحصل على كمية من الخطوط المجانية لتبيعها بالسعر الذى تريده ولا تحصل منك الشركة سوى على 5 جنيهات عن كل خط والمطلوب منك فقط صورة بطاقتك! بهذه البساطة تحقق الشركات مبيعات هائلة لخطوط المحمول. وهو ما يتنافى مع ما أعلنته الشركات حول نسب العجز المعلنة مؤخرا والتى أفادت بأن نسب العجز لديها فى الخطوط مجهولة الهوية لا تزيد على 10%.. «شركة اتصالات» 7% مقابل 5% فى موبينيل و3% فقط لدى فودافون. ولما كانت التجربة العملية هى معيار الحكم فقد قمنا بشراء 3 خطوط من الشركات الثلاث دون أن يطلب أحد منا «تسجيل البيانات أو كتابة أى عقود أو حتى صورة للبطاقة الشخصية»، وكل ما حدث هو أننا دفعنا الثمن المطلوب وقمنا بتشغيل الخط وانصرفنا، فكان الخط الأول من موبينيل برقم 0177944805 ب 15 جنيها، لأن الخط مميز حسب ادعاء البائع أما الرقم الثانى فكان من فودافون 0191047888 ب25 جنيهاً فهى الأعلى سعرا، لكونه مميزاً أيضا، وأخيراً خط اتصالات برقم 0141167759 ب10 جنيهات. وظلت الخطوط الثلاثة تعمل دون توقف، فى انتظار أن يقوم أحد ممثلى خدمة العملاء بالاتصال ليطلب البيانات، لكن أحدا لم يتصل. الجدير بالذكر أن هناك أحد البائعين الذين حصلنا منهم على أحد الخطوط، عرض علينا أن يقوم بتفعيل خاصية «الهاتف غير متاح» إذا ما اتصل أحد بى، حتى أتمكن من المعاكسة دون إزعاج! وعندما طال الأمر قمنا بإجراء اتصال بخدمة العملاء بشركة موبينيل فأكدت «موظفة» خدمة العملاء أن الخط غير مسجل البيانات فسألت عن سبب التأخر فى طلب البياناتفأجابت بأن العميل إذا قرر الحفاظ على الخط لسبب ما فعليه أن يتصل بنفسه بالخدمة لتدوين بياناته فحكيت لها عن مكالمات هاتفية يؤكد صاحبها أن الخط كان له وقد سرق منذ بضعة أشهرمع جهاز موبايل ويوجهون لى اتهامات بسرقة الخط ورغم تأكيدى على شراء الخط مؤخراً فإنهم لا يصدقون ويتوعدوننى فأجابت الموظفة بهدوء شديد قائلة: إن الشركة تستعيد ملكية الخطوط تلقائيا بعد مرور 3 أشهر كاملة لم تقطعها مكالمة واحدة وبذلك يكون من حق الشركة إعادة طرحها للبيع بعد مسح البيانات القديمة. أما خدمة عملاء اتصالات فقد أكد الموظف أن الشركة استحدثت قسمين جديدين أحدهما لتسجيل البيانات والآخر لتفعيل الخطوط حيث خصصت الشركة رقماً سريعاً لتسجيل بيانات العملاء وإذا لم يهتم العميل بالتسجيل ترسل له رسالة من نفس الرقم تحثه على سرعة التسجيل وفى حال عدم استجابته يتم إيقاف بعض الخدمات مؤقتا عن الخط أهمها خدمة إجراء المكالمات الصادرة ويقوم موظفو التسجيل بفحص البيانات المتاحة لديهم عن الخطوط المفعلة بأن يستند على الرقم القومى بالتنسيق مع مصلحة الأحوال المدنية فيتصل بالعميل الذى تتوفر عنه معلومات ويقوم الموظف بتدقيقها والتأكد من مطابقتها لبيانات الرقم القومى. ونفى موظف خدمة عملاء شركة اتصالات تماما وجود بيانات واحدة لأكثر من 3 خطوط لدى نفس الشركة فى ظل النظام الجديد المعمول به مؤخرا. وعن المعلومة التى أضافتها خدمة عملاء فودافون فقد كانت بخصوص رسالة التسجيل التى يتلقاها العميل عند بدء تشغيل الخط حيث تتطلب على الأقل أن يكون الخط فى نطاق الخدمة لأكثر من 73 ساعة على الأقل أى أن يكون تم تشغيله منذ 3 أيام على الأقل دون انقطاع!! من جانبه، علق الدكتور عمرو بدوى، الرئيس التنفيذى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات على الموضوع، مؤكدا أن المشكلة تفشت بالفعل وأن الجهاز يحاول التصدى لها وإنها حظيت بمناقشات مطولة فى المؤتمر السنوى الأخير لتنظيم الاتصالات فى أبريل الماضى، وأنه اعتمد خطة مرحلية للسيطرة على ظاهرة الخطوط غير الموثقة وألزم الشركات بالتشديد على توثيق البيانات عند بيع الخطوط، مشيرا إلى أنه بدءاً من مطلع الشهر الجارى تم توزيع خطوط على منافذ البيع بخاصية جديدة غير مفعلة ولا تصلح لإجراء المكالمات إلا بعد تسجيل بيانات موثقة ستستعين الهيئة بمصلحة الأحوال المدنية لتوثيق البيانات، وبالنسبة للخطوط الحالية التى لا تتوافر لدى الشركات معلومات عن صاحبها فستقوم الشركة بالتعاون مع الأحوال المدنية لاستكمالها. واستدرك «بدوى»: إن السوق الآن بها أكثر من 2 مليون خط معروضة للبيع لدى التجار منذ مارس الماضى وهو ما لا يضمن حسما سريعا لأزمة الخطوط المجهولة، ونصح المواطنين بأن يتعاونوا مع خدمة العملاء ويقدموا بيانات دقيقة وكاملة لأنه فى حالة حدوث أى تلاعب سيتم إيقاف الخط مع المنظومة الجديدة: وأضاف أن الهيئة أوقفت مليونا وسبعمائة ألف خط غير مسجل منذ مايو الماضى، تأكيدا على جدية المشروع، موضحا أن الأزمة متفاقمة لأن السوق المصرية يعمل بها 60 مليون خط محمول تحتاج لتدقيق وتوثيق بيانات أصحابها وهو ما يحتاج مزيدا من الجهد الذى يفرض على المواطن أن يتعاون مع الجهاز ويبلغ عن أى بائع يقدم خطوطا دون عقود لتكتمل منظومة المكافحة، فما تسببه الخطوط المجهولة من تهديد للأمن العام يستحق تكاتف الجميع. وقال مسؤول توزيع بإحدى شركات المحمول «طلب عدم نشر اسمه» إن فشل عملية تسجيل الخطوط مرهون بعدة أسباب، وإذا لم يتم تصحيحها فسيظل التسجيل بنفس الطريقة حتى ينتهى بيع الخطوط من السوق، موضحا أن تلك الأسباب تتمثل فى قيام التجار ببيع الخطوط بأقل من السعر الرسمى لها وهو «15 جنيهت» وتتفاوت أسعارها بين 10 جنيهات وعليه «هدية» و5 جنيهات، ويصل فى بعض الأحيان إلى جنيه واحد فقط. وأضاف أن التاجر يتسلم الخط من الشركة ب 15 جنيها مقدما، ثم يقوم باسترداد قيمة العقد الموجود داخل الخط والمقررة ب10 جنيهات مقابل تسجيل العقد، ثم يحصل على خصم 3 جنيهات أخرى فى حالة بيعه كمية محددة من الخطوط، ثم خصم آخر 3 جنيهات إذا تضاعفت كمية البيع لدرجة أن يصل سعر الخط على الشركة فى بعض الأوقات ب«سالب واحد» أى تدفع الشركة جنيهاً للتاجر. وأوضح أن التجار يضطرون لاسترداد المبالغ التى دفعوها مقدما للشركة بسرعة فيقومون بتشغيل الخطوط وتسجيلها بأسماء أشخاص وبطاقات وهمية ومتكررة، مشيرا إلى أن الدافع وراء كل ذلك هو تنافس الشركات الثلاث على العملاء والذى وصل لدرجة انعدام تحقيق الأرباح فى بيع الخطوط ولكن الربح العائد عليهم يكون فى المكالمات، لذلك قد لا تعتنى الشركات بمراجعة بيانات العملاء الجدد طالما أن الخط «يجرى مكالمات ويشحن رصيداً». ولتكتمل الصورة نشير إلى تأكيد تامر مسعود صاحب أحد فروع التوزيع لشركة موبينيل، أن عملية تسجيل الخطوط بدأت بالفعل فى الاتجاه الصحيح، مدللا على كلامه بوجود بعض الإجراءات التى تجريها شركات المحمول بالتعاون مع مصلحة الأحوال المدنية التى تقوم بدورها بتدقيق بيانات المواطن للشركة، ومن ثم يقوم موظف خدمة العملاء بسؤال العميل عن بعض الأسماء المدونة للعائلة فى السجل المدنى مثل «اسم جده من جانب أمه»، فإذا استطاع العميل الجواب على تلك التفاصيل يقوم موظف الدعم الفنى بتشغيل الخط مباشرة وإلا يظل الخط موقوفاً. والجدير بالذكر أنه ليس هناك ما يمنع أى عميل من الحصول على أكثر من 10 خطوط حتى وإن كانوا مسجلين بطريقة شرعية، ولاتزال الأمور غير مستقرة والوضع الراهن يؤكد أن الكرة حالياً فى ملعب مرفق الاتصالات والشركات والموزعين والتجار.. وما أكثرهم فى السوق!!