أدى التحية العسكرية وسلم على قائده بحرارة، رجل عظيم يكن له حبا واحتراما شديدا لدماثة خلقه وقدرته الفائقة أن يجيش كل من يعمل معه في جو من الألفة والثقة. في نهاية اللقاء مد يده ببطاقة تحقيق الشخصية العسكرية وبطاقته الشخصية وساعة يده ووضعهم أمامه على المكتب. هل أترك متعلقاتي الشخصية عند سيادتكم أمانة لأسرتي في حالة استشهادي؟. في هذا الكتاب "بورفؤاد .. وقائع سنوات الجمر"، يلقي المؤلف جمال حسان الضوء على مدينة بورفؤاد ودورها في المعركة، قائلا: جاءت لحظة الصدق ووقع الاختيار على ستين ضابطا من تخصص المشاة من الدفعة 51 لينضموا للخدمة بوحدات الصاعقة وكان يسري واحدا منهم، وكان ذلك في النصف الأخير من شهر رمضان في الساعة الثامنة من صباح 15 ديسمبر 1967، توجه لقيادة وحدات الصاعقة ومعه مهماته ومستلزماته الشخصية في صندوق حديدي كبير وحقيبة متوسطة الحجم. وكانت مهمة يسري في الكتيبة 123 هي التمسك بالمدينة والدفاع عنها، وفي الوقت نفسه دفع دوريات في اتجاه الشرق والجنوب في مواجهة نقاط العدد الموجود حول المدينة. ويضيف الكاتب: بعد انتهاء معسكر التدريب بإنشاص عادت الكتيبة إلى قطاع بورسعيد في يناير 1969. وفي نفس الشهر تم إرسال يسري وعدد من الزملاء إلى القاهرة للحصول على فرقة من معهد دراسات الحرب الجوية بألماظة، وعاد أمام النقطة الثالثة للعدو على خط بارليف من الشمال. ويقول الكاتب: في ليلة 7 أغسطس 1969 قامت قواتنا الخاصة بالإغارة على نقطة لسان التمساح التي أصابت الفريق عبد المنعم رياض، وفي الليلة التالية أغارت مجموعة أخرى من رجال الصاعقة على نقطة لسان بورتوفيق شرق السويس، أسفرت الإغارتان عن قتل وإصابة أعداد كبيرة من قوات العدو، وتدمير عدد من الدبابات والنقاط الحصينة. في أول يناير 1972 حصل يسري على رتبة نقيب وعمره 24 سنة ونصف، في الأسبوع الأخير من يناير انتقلت الكتيبة بكاملها إلى إنشاص لمعسكر تدريب مركز، انتقلت بعدها إلى حلوان لدورة مكثفة على كيفية استخدام أجهزة الرؤية الليلية للأسلحة الصغيرة قبل أن تعود في مارس. وفي نهاية مارس التحق بكتيبته التي انطلقت لمنطقة العامرية في الإسكندرية، حيث تم ضمها على المجموعة 128 صاعقة. وفي يوم الجمعة 28 سبتمبر 1973 خطب الرئيس السادات في ذكرى وفاة الرئيس عبد الناصر خطابا قويا به دلالات وإشارات ذات مغزى وفي بورسعيد أول أكتوبر كان واضحا أن الأمر هذه المرة مختلف "لقد رفعت درجة الاستعداد للحالة القصوى". وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق انتبه العالم يرهف السمع بالأنباء التي ترد من الشرق الأوسط، في نفس اللحظة عبرت طائرات سوريا ومصر خطوط المواجهة مع إسرائيل. وعلى الجبهة المصرية عبرت قناة السويس من اتجاهات مختلفة 250 طائرة مقاتلة قاذفة إلى عمق سيناء لتوجيه ضربة جوية مركزة ضد مواقع رئيسية لقوات العدو. وفي اللحظة ذاتها، انطلقت نيران أكثر من 2000 مدفع من كافة الأعيرة، بالإضافة للواء صواريخ تكتيكية أرض/ أرض. ويضيف الكاتب: ها قد بدأت ملحمة عبور كبوة يونيو، ووسط تسارع الأحداث واشتعال الجبهة المصرية، تعلقت عيون رجال المراقبة فوق البلنصات بالسماء وأصوات انفجارات من جهة الشرق. وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق حلقت فوق رؤوسهم طائراتنا من طراز ميج 17 وميج 21 متجهة من الغرب للشرق في اتجاه خط بارليف ونقطة شرق بورفؤاد. صاح جندي مراقبة بحماس "طياراتنا بتشتغل .. الله أكبر"، شاهد الرجال أسراب الطائرات على ارتفاع منخفض يندفع تباعا إلى يسار البلنصات. هلل بعضهم "الله أكبر .. الله أكبر". وفي الخاتمة، يذكر الكاتب: وبعد ما يقرب من ستة أشهر، جاءت لحظة استرجاع شهداء السرية، في يوم 19 مايو 1974 طلب رئيس أركان المجموعة 129 صاعقة من رائد يسري حمدان بعد ترقيته في أبريل أن يجهز نفسه للخروج في مأمورية لبورسعيد. لقد تقرر البحث عن جثث شهدائنا في منطقة شرق بورفؤاد وإحضارها، سواء في منطقة العمليات الخاصة بسرية يسري أو زميله الذي استشهد يوم 14 أكتوبر اثناء قيامه بمهمة مماثلة لمأموريته التي كلف بها في 6 أكتوبر. وأخيرا، يقول: استمر البحث طويلا بالفحص المباشر للارض، ثم بأدوات الحفر حتى الثالثة عصرا دون نتيجة، لم يكن مسموحا التنقيب في أي أماكن أخرى، ووجدوا أخيرا أول الشهداء، ثم الثاني، ثم الباقيين، كل منهم يرقد سليما بلا أي رائحة في وضع استعداد بخوذته قابضا على سلاحه. جدير بالإشارة أن كتاب "بورفؤاد .. وقائع سنوات الجمر" لمؤلفه جمال حسان ، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ويقع في نحو 208 صفحة من القطع المتوسط