بعد ما يقرب من 15 عاما أنجز فيها أطروحتيه للماجستير والدكتوراه في الدراسات الشعبية، عاد الشاعر فارس خضر ليستكمل مسيرته الشعرية حيث صدر له أخيرا ديوانه الرابع "بعين واحدة وبصيرتين" والذي قدم فيه رؤية مشحونة بالحزن والقسوة تبادلت فيها همومه الإنسانية العامة وهمومه الخاصة ممارسة القسوة على روح وجسد الشاعر، لنرى نسيجا أو سياجا من العذابات يحيط بهما، فيما تسعيان بحثا عن الخلاص ولا خلاص.. يقول "لا أجد ما يدل عليّ/ سوى ألمي". صدر لخضر قبل هذا الديوان "كوميديا" 1998 و"الذي مر من هنا" 2002 وأصابع أقدام محفورة على الرمل" 2002، وفي الدراسات الشعبية "ميراث الأسى.. تصورات الموت في الوعي الشعبي"، و"العادات الشعبية بين السحر والجن والخرافة" و"المن المسحورة.. تجسير المسافة بين السماء والأرض" و"سهرية الليل: 100 حكاية شعبية". الديوان الأخير كان محور الندوة التي أقامها منتدى الشعر المصري بمقر حزب التجمع، وحضرها عدد كبير من الشعراء والكتاب، وشارك في مناقشة الديوان الشاعر محمود قرني والدكتور محمد السيد إسماعيل، والباحث مدحت صفوت، وأدارها الشاعر عيد عبدالحليم، والذين قدموا قراءات متابينة حول تجربة الديوان. البداية كانت مع الشاعر محمود قرني الذي رأى أن المأساة في الشعر الحديث تبدو جوهرا لا يعتني بالتصورات الأخلاقية قدر عنايته بتجسيدات الألم الإنساني باعتباره صنيعة الصراع بكافة صوره، وقال "يبدو ديوان فارس خضر واحدا من تلك الدواووين التي استحال معها فعل القسوة إلى فعل اعتيادي يبدو جميلا بشكل ما، إذا كنا نؤمن مع نيتشه بأن الألم رديف اللذة، وإن كان يبدو نقيضا لها، فكيف نتجرع قول الشاعر في قصيدته الأولى "دليل كسيح": "لا أجد ما يدل عليّ سوى ألمي". الغنائية الفائضة التي أخضعت مدخل القصيدة لبحر المتدارك لا تبدو وحدها تعبيرا عن نبل الألم، ولكن إخضاع القسوة لتكون التعريف الوحيد للإنسان، يعني أن الألم هو الفعل الإنساني الوحيد غير الخاضع لقانون المتناهيات ومن هنا تتأتى لذاته ويتأتى حضوره. وأضافي قرني: إذا كان هذا الديوان يعد بامتياز ديوانا للقسوة فإننا يمكننا أن نرصد ذلك بداية من عنوانه الذي يبدو فيه العور في التعبير "بعين واحدة" كأنه التعامي عن نصف الحقيقة ليس أكثر، في مقابل فوضى الحواس التي يأتي الاستبصار على رأسها. فإذا كان الشاعر قد أسقط نصف مساحة الرؤية فإنه أفصح عن المأساة ببصيرتين، على أن البصر والاستبصار وإن مثلا مصدرا اشتقاقيا واحدا إلا أنهما في كل أحوالهما ليسا مصدر الرؤية إلا باعتبارهما أهم نوافذ المعرفة، لكن البصيرة تضيف للبصر حصيلة التجارب القديمة كمرجع للاعتداد بالعقل والاستدلال والتحليل، لكنها في الديوان تعتني بفكرة الصواب والخطأ كنتاج لفكرتي التعلم والمحاكاة، وهذا أجلى التعبيرات الإنسانية عن فكرة الاستبصار التي نطلق عليها الآن فكرة الوعي، وهو كما نعلم مركب معرفي خالص تعبير الصواب والخطأ هنا يمثل أعلى التصورات الأخلاقية لفكرة الجمال لأن الشاعر منذ عنوانه يبدو منصاعا لفكرة فوضى الحواس لأنها تزيل الحدود بين المتخيل والواقع. وفي الديوان نرى كيف يبدو الألم ككتلة شعورية متجاوزا لقانون الواقع، عندما يصبح الإنسان في أقسى التعبيرات هو نفسه تعريف الألم كما يقول "لا أجد ما يدل عليّ سوى ألمي".