فيلم "التقارير حول سارة وسليم" يقدم رؤية أخرى حول خصوصية حياة المواطن الفلسطيني في مدينة القدس وتميّز هذه الخصوصيّة عن أي حياة أخرى في أيّ بقعة من بقاع العالم. بصرف النظر عن البعد السياسي وعن إشكالات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يُشكّل فيلم “التقارير حول سارة وسليم”، من كتابة الأخوين مؤيد ورامي عليان، وإخراج مؤيّد عليان، نقطة انطلاق جديدة لقراءة واقع الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبالذات الفلسطيني الذي يعيش في مدينة القدس ويسعى للبقاء فيها وعدم الهجرة منها أياً كانت الظروف، لأن الرحيل عن القدس، يمنح سلطات الاحتلال الإسرائيلية مسوّغ نزع “هوية القدس” عنه. يقدّم فيلم “التقارير حول سارة وسليم”، الذي عُرض مؤخراً في “مهرجان السينما العربيّة في باريس” المُنظم من قبل “معهد العالم العربي” بباريس، رؤية أخرى حول خصوصية حياة المواطن الفلسطيني في هذه المدينة وتميّز هذه الخصوصيّة عن أي حياة أخرى في أيّ بقعة من بقاع العالم. وتدور أحداث الفيلم في القدس وتروي عن سارة، صاحبة حانة في القدسالغربية والمتزوّجة من نقيب في الجيش الإسرائيلي، وسليم، العامل الوقتي لدى مخبز يملكه إسرائيلي، والمتزوّج من بيسان (تؤديها بذات براعتها المعتادة ميساء عبدالهادي) وينتظران ميلاد وليدهما البكر”كريم”. العلاقة التي تجمع سارة (تؤديها سيفان كريتشنير) وسليم (يؤديه أديب صفد) تُشعل لعبة خطرة من الخداع بين من يملكون السلطة ومن لا يملكونها. ولو وقع الحدث المروي في الفيلم، في أي مكان آخر، كان ربّما سيحظى باهتمام أو انشغالٍ على الصعيد الاجتماعي أو القانوني، لكن عندما يحدث هناك، في فلسطين، تكون مآلاته بالخطورة والتعقيد اللذين يرويهما الشريط. أهو مسار جديد للحديث عن مأساة الفلسطيني، خارج المسار السياسي المباشر الواضح، والتوثيقي في بعض الأحيان؟ خصوصية القدس يقول مؤيّد عليان في جلسة حوار معه ل”العرب”، ”في عالم القصة التي أرويها من خلال فيلم “التقارير حول سارة وسليم” تركيز كبير على خصوصيّة القدس، وخصوصيّة الفلسطيني في القدس. فالواقع الموجود في القدس، بغض النظر ما إذا أعجبنا أم لا، وهو لا يُعجبنا بالتأكيد، هو الواقع الموجود والقائم حالياً في المدينة. لديك مدينة تحت نير سلطة احتلالية تحكم حياة الناس، وهي مقسومة، فالقدسالغربية غالبيتها إسرائيلية، والقدسالشرقية غالبيتها فلسطينية. معظم الشباب الفلسطيني في القدس مضطر للعمل في القسم الغربي حتى يُؤمّن لقمة العيش، أو حتى يتمكّن، في الأساس، من البقاء في المدينة، لأنّ ذلك ليس سهلاً على جميع مستويات الحياة، وبالذات اقتصادياً وسياسيّاً. في هذا الجو، وفي هذا العالم، عندما تجمع علاقة جنسيّة خارج إطار الزواج شخصاً مثل سليم الفلسطيني بامرأة، مثل سارة الإسرائيليّة، يكون وقعها فريداً ومتميّزاً عن غيره من العلاقات، بالضبط مثلما رأينا في الفيلم، فلولا أنّ هذا الحدث وقع في القدس وتحت ظروف الاحتلال وتحت ظروف غياب العدل والمساواة في النظام القانوني والاقتصادي والاجتماعي في المدينة، لما سلكت الأحداث المسار الذي اتّخذه في النهاية، ولما كانت شخصيات الفيلم ستمرّ بجميع التعقيدات التي مرّت بها، لكن في الوقت ذاته فإنّ الخطورة على الإنسان الفلسطيني وما يُمكن أن يخسره هذا الإنسان في هذه المنطقة هي دائماً الأعلى، ودائماً الأكثر والأخطر، فالمخاطر القائمة في أن يتحوّل المرء في القدس إلى مُتّهم، ومُتّهم بأمور خطيرة للغاية أكبر منه وأثقل عبئاً ممّا يمكن أن يتحمّل، هي مخاطر يمكن أن تقع في غاية السرعة، وبدءاً من أبسط أمور الحياة إلى أعقدها“. قصة حقيقية على رُغم فرادة ما تؤول إليه أحداث الفيلم وحياة الشخصيات فيها، فإن ما يعرضه الأخوان عليّان في هذا الفيلم ليس الحادثة الوحيدة في هذا الإطار، ويقول مؤيّد عليّان ”إن قصّة الفيلم مُستوحاة من أحداثٍ حقيقيّة، وحقيقيّة للغاية. شخصياً أعرف أنّها حدثت مع كثير من الناس في القدس. وللأسف الشديد، إذا كان الآخرون يجهلون هذا الواقع، ولم يكونوا من سكان القدس، فسيكون عسيراً عليهم فهم هذا الواقع، وقد يُعتقد بأن الموضوع غريب نوعاً ما، وسيكون عالم القصّة صادماً للمشاهد الذي يُتابع أخبار القدس عبر موشور الخبر السياسي فحسب، لكن، للأسف الشديد، ثمة في القدس، وفي قاعها، واقع شبيه بهذا، وهو، سواءٌ أعجبنا أم لا، الواقع بعينه“. بصرف النظر عن الإدانة الأخلاقية، وربّما القانونيّة، للحدث الأساسي في الشريط، المتميّز بالخيانة الزوجية لسليم، وبالتكثيف العالي لمفهوم الحب، بالمطلق، لدى شخصية بيسان لزوجها سليم، وإذا استثنينا شخصية المفتي، الذي يظهر في مشهد قصير ضروري تعريف استشاري ولبناء الحدث، فإن جميع الشخصيات الرجاليّة التي تظهر في الفيلم، سلبية بشكل أو بآخر، وهي خاسرة، منهزمة ومنكسرة، وبعضها شخصيات وغدة.. في حين هناك امرأتان، هما، في خاتمة المطاف، الأقوى، الأبرز والأكثر صدقاً مع المشاعر الإنسانية بشكل عام. الشخصية النسائية فهل كان خيار المخرج والمؤلّف منذ البداية، تثبيت أهمية الشخصية النسائية، كأم وكزوجة وأخت وكحبيبة أيضاً، لأنّ سارة، الإسرائيلية، كانت، بالفعل وبصرف النظر عن مسألة الخيانة الزوجية، تُحب الفلسطيني سليم. هناك في الفيلم رِفعةً لشأن الشخصيّة النسائية، وأنا متّفق معها ومعجب بها، مقابل التركيز على جوانب الحِطّة والضعف والاحتيال والبراغماتيّة لدى العديد الشخصيات الرجاليّة في الفيلم. يقول مؤيّد عليّان في هذا الصدد، ”أنا متّفق معها وموافقها ومؤيدها مليون بالمئة أيضاً مع هذه القراءة للحصيلة النهائية للفيلم، كما تفضّلت. نحن نرى بأنّ سارة وبيسان هما الشخصيتان الأساسيّتان في الفيلم، وخلال عملية تطوير السيناريو للفيلم توصّلنا إلى النهاية التي رأيتها، واتّضحت رحلتهما أكثر فأكثر”. فهاتان الشخصيتان، واللتان هما عملياً بطلتا الفيلم، هما من يتغيّران كبشر في نهاية الفيلم، فالبطل، بالنسبة لي، ليس من يأتي بأعمال بطوليّة بالمعنى الملموس والحسّي، بل البطل، كما أراه، هو الإنسان الذي يبلغ مدىً أفضل من ذاته كإنسان، وهو من يحاول حماية إنسانيّته من جميع المشاكل والمصائب التي تُرمى عليه، وبالرغم من جميع التحدّيات التي يمر بها البطل يُحافظ، في هذه الحالة، على موقفه الإنساني، في وضع يسهل كثيراً أن تفقد فيه إنسانيّتك. وعملياً فإنّ ما يميّز شخصيتي سارة وبيسان، هو أنهما امرأتان لم تأتيا بما يترقّبه مجتمعاهما. بيسان، من الناحية الاجتماعية البحتة، لم تأتِ بما هو مُترقّبٌ منها كزوجة رجل مُعتقل لأسباب غير سياسية، يُغضّ الطرف عنها لخصوصيّة الوضع السياسي، وتفرض على هذه المرأة موقفاً ما؛ وسارة، التي يمكن اعتبارها أنموذجاً للإسرائيلي الراغب في أن يكون تقدميّاً، ليبرالياً ويسارياً، لكن دون أن يمس ذلك الخيار الأيديولوجي راحته وأمانه الاجتماعي، وهذان المُعطيان بالذات هما ما يُحتّمان على سارة أن تتماهى مع ما يتطلّبه مجتمعها ويترقّبه منها، إذْ يطالبها أن تترك الفلسطيني يذهب إلى الجحيم وأن تمارس هي حياتها كالمعتاد. لقد اشتغلنا على هذا في الفيلم كثيراً، وبالذات على رفض بيسان وسارة، وبطرق مختلفة، الاتيان بما كان مجتمعاهما يترقّبان منهما، إحداهما، أي بيسان، على الصعيد الاجتماعي، والأخرى، سارة، على الصعيد السياسي“. مسألة الأسماء وفي هذا الفيلم أيضاً، بالإضافة إلى الدلالات السياسية والاجتماعية والأخلاقية المتعدّدة، مستوى آخر اشتغل عليه مؤلّفا الفيلم، وبالذات في مرحلة إطلاق الأسماء على شخصيات الفيلم، وهي إحدى أعقد وأعسر مراحل بناء النص، إذْ يصعب وجود كاتب يُنجز رواية أو قصّة أو مسرحية، ويُطلق الأسماء على شخصياته بشكل اعتباطي، ولا أعتقد بأن الأخوان عليّان قد شذّا عن هذه القاعدة، وبالتأكيد كان هناك حوار طويل حول الأسماء، وبالذات العربية الواردة في الفيلم والتي أُختيرت بدقّة شديدة، ابتداءً من بيسان وسليم وانتهاءً باسم الوليد الجديد “كريم، ويؤكّد مؤيّد عليان ما ذهبنا إليه من توقّع، ويقول ”نحن أيضاً، رامي وأنا، مررنا بمرحلة النقاش حول الأسماء، وقد واصلنا زيارة هذا الجزء من النص بتواصل. بإمكاني القول بأن عملية انتقاء الأسماء لم تكن مُركّبة، لكنها كانت مدروسة نوعاً ما. فبيسان، هي بيسان، المدينةالفلسطينيّة المُهجّرة، سليم، أو سالم هو القدس، وفي الوليد كريم رمزية ما من سلوك بيسان في نهاية الفيلم تجاه زوجها، أو بشكل عام تجاه الموقف الذي وُضعت فيه، واضطرّها إلى التعامل بهذه الطريقة.. نعم أسماء أبطال الفيلم، لا تخلو من الرمزية.. أتّفق معك..“.