السيسي يصدر 3 قرارات جمهورية جديدة "مستند"    أسعار الذهب اليوم الخميس 31 يوليو 2025    أسعار الدولار اليوم الخميس 31 يوليو 2025 بعد تثبيت الفائدة الأمريكية    عقب زلزال روسيا | تسونامي يضرب السواحل وتحذيرات تجتاح المحيط الهادئ.. خبير روسي: زلزال كامتشاتكا الأقوى على الإطلاق..إجلاءات وإنذارات في أمريكا وآسيا.. وترامب يحث الأمريكيين على توخي الحذر بعد الزلزال    أستراليا وبريطانيا تدعوان لوقف إطلاق النار في غزة وتشددان على حل الدولتين    "الشيوخ" الأمريكي يصوت ضد مشروع قانون لمنع بعض مبيعات الأسلحة لإسرائيل رغم الأزمة الإنسانية بغزة    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 31 يوليو 2025    أمير غزة الصغير.. قصّة طفل قبّل يد من قدم له الطعام وقتله الجيش الإسرائيلي بدم بارد    نمو مبيعات التجزئة في اليابان بنسبة 2% خلال الشهر الماضي    هاريس ستدلي بشهادتها في الكونجرس بشأن الحالة العقلية لبايدن والعفو عن 2500 شخص    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    ملعب الإسكندرية يتحول إلى منصة فنية ضمن فعاليات "صيف الأوبرا 2025"    إسرائيل تندد بموقف كندا من الاعتراف بفلسطين: مكافأة لحماس    معتقل من ذوي الهمم يقود "الإخوان".. داخلية السيسي تقتل فريد شلبي المعلم بالأزهر بمقر أمني بكفر الشيخ    "ابن العبري".. راهب عبر العصور وخلّد اسمه في اللاهوت والفلسفة والطب    قناة السويس حكاية وطنl القناة الجديدة.. 10 سنوات من التحدى والإنجاز    دعمًا لمرشح «الجبهة الوطنية».. مؤتمر حاشد للسيدات بالقليوبية    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    الطب الشرعى يحل لغز وفاة أب وابنائه الستة فى المنيا.. تفاصيل    نحن ضحايا «عك»    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    سلاح النفط العربي    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    «النفط ولع».. ارتفاع هائل في أسعار الذهب الأسود اليوم الخميس 31 يوليو 2025 (تفاصيل)    طريقة عمل سلطة الفتوش على الطريقة الأصلية    المهرجان القومي للمسرح يحتفي بالفائزين في مسابقة التأليف المسرحي    424 مرشحًا يتنافسون على 200 مقعد.. صراع «الشيوخ» يدخل مرحلة الحسم    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    السيارات الكهربائية.. والعاصمة الإنجليزية!    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    بينهم طفل.. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق فايد بالإسماعيلية (أسماء)    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    اصطدام قطار برصيف محطة "السنطة" في الغربية.. وخروج عربة من على القضبان    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اكتشاف تحفة سينمائية من فلسطين في مهرجان روتردام
نشر في صوت البلد يوم 04 - 02 - 2018

يعتبر الفيلم الروائي الطويل “التقارير عن ساره وسليم”، للمخرج الفلسطيني مؤيد عليان، الاكتشاف الحقيقي في الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي، حيث عرض للمرة الأولى على المستوى العالمي وحظي بتقديرات كبيرة من جانب الجمهور في استطلاعات الرأي اليومية، ولا شك أنه سيجوب روتردام الكثير من المهرجانات السينمائية الأخرى، لكنه قد يواجه مشكلة في العالم العربي بسبب ظهور مشاركة بعض الممثلين الإسرائيليين.
الفيلم هو العمل الروائي الطويل الثاني لمؤيد عليان وشقيقه كاتب السيناريو رامي عليان بعد “حب وسرقة ومشاكل أخرى” (2915). ومؤيد مخرج فلسطيني من العاملين داخل فلسطين التاريخية، وهو يقيم في مدينة القدس، وتدور أحداث فيلمه في القسم الشرقي من المدينة، وهو يجمع بين ممثلين من فلسطينيي الداخل، وبعض الممثلين من اليهود الإسرائيليين، ليس بهدف “التطبيع″ بل لأن هذا ما تفرضه دراما الفيلم ورغبة مخرجه في إضفاء الواقعية على عمله، كما تفرضه أيضا ظروف العمل في الأرض المحتلة. وعادة يكون الممثلون الذين يعملون في الأفلام الفلسطينية من المساندين لحقوق الفلسطينيين.
الفيلم من الإنتاج الفلسطيني، وقد اشتركت في إنتاجه شركات من هولندا وألمانيا والمكسيك، كما حصل على دعم من مؤسسات عربية من بينها الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق”، وفيلم “لاب: فلسطين”. ويعتبر سيناريو الفيلم الذي كتبه رامي عليان أحد أفضل السيناريوهات في السينما الفلسطينية، وهو يسير في توازن دقيق محسوب جيدا، سواء في العلاقات بين الشخصيات المختلفة، أو في ضبط الحبكة ودفعها إلى الأمام في شكل أقرب إلى أسلوب فيلم التحقيق البوليسي ولكن على غرار الأفلام التي يصنعها المخرج الإيراني أصغر فرهادي.
يبدأ الفيلم من علاقة جسدية ملتهبة بين سيدة يهودية متزوجة هي “ساره” التي تمتلك مقهى، وشاب فلسطيني يقوم بتوزيع المخبوزات باستخدام سيارة نقل صغيرة. ساره متزوجة ولديها ابنة في السابعة من عمرها هي فلورا، وزوجها ضابط في الوحدات الخاصة الإسرائيلية التي تستهدف النشطاء الفلسطينيين. و”سليم” متزوج من “بيسان” الحامل في طفله الأول. ولذلك فالاثنان يتقابلان سرا لممارسة الجنس في سيارة النقل الصغيرة.
لسنا أمام علاقة خيانة زوجية تقليدية، فسرعان ما ستفجر هذه العلاقة الكثير من القضايا السياسية التي تتعلق بطبيعة الواقع المشحون بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
سليم مجتهد في عمله ينقل المخبوزات لحساب مخبز إسرائيلي، لكنه يعاني من قلة الدخل، لذلك فقد اضطر إلى السكن في شقة بمنزل عائلة زوجته حيث يساعده شقيقها “محمود” قدر استطاعته، لكن سليم غير راض عن هذه المساعدة، بل تجعله يشعر بالمهانة والضعة. لكنه يقبل عندما يغلف محمود مساعدته بطابع عملي عندما يكلفه بنقل بعض السلع الضرورية إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية،على أن يقتسم الإثنان الأرباح.
ربما كان شعور سليم بعدم الارتياح بسبب وجوده تحت رحمة عائلة زوجته، بالإضافة إلى رفض زوجته الحامل مضاجعته بدافع الخوف- كما تقول- على الجنين، هما الدافعان وراء تمادي سليم في علاقته الجنسية مع “ساره”. أما ساره فرغم استقرار حياتها الزوجية وتمتعها بالعيش في مسكن فسيح، يطل من أعلى ربوة على مدينة القدس في منظر خلاب، واستقلالها الاقتصادي (هي تمتلك وتدير المقهى)، إلا أنها تعاني من برودة علاقتها بزوجها “دافيد” الذي ينشغل عنها في عمله المجهد الذي يكرس له كل وقته، خاصة بعد حصوله على ترقية.
شخصيات الفيلم
لدينا حتى الآن خمس شخصيات، لكن ليس من الممكن الحديث عن شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية، فشخصيات الفيلم تتمتع بمساحة جيدة وأدوار عضوية في نسيج الفيلم، وهذه حسنة أخرى من حسنات السيناريو. وكلما شعر المشاهد بأن “الحبكة” أصبحت واضحة ولم تعد هناك حاجة إلى المزيد من الأحداث، يفاجئنا السيناريو بدخول أطراف أخرى تضيف إضافات جوهرية إلى الفيلم. لدينا الآن سليم وبيسان، وساره ودافيد، ومحمود، ولكن مع تراجع الجانب المتعلق بالجنس، تتضح العقدة السياسية، فيدخلنا الفيلم إلى قضية الاحتلال ونظرة الإسرائيلي إلى “الآخر” بل ونظرة الفلسطيني إلى الفلسطيني، في ظل أوضاع يشوبها التوتر الشديد على جانبي الجدار الفاصل.
الذهاب إلى الطرف الآخر
في لحظة نزق، أو شعور بالملل، أو رغبة في حب الاستطلاع، تطلب ساره أن تصحب سليم ليلا إلى بيت لحم حيث سيقوم بتوزيع بعض السلع، على أن يعودا معا لإطفاء ظمأ الرغبة في سيارته كما اعتادا. هناك يعرجان على مقصف لتناول الشراب حيث تتظاهر ساره بأنها سائحة هولندية، وتتحدث الإنكليزية بدلا من العبرية، لكن أمرها ينكشف أمام شاب فلسطيني ثمل يصر على أن يجذبها لترقص معه فتنشب مشاجرة بينه وبين سليم، يتوعده الشاب على إثرها شرا.
“خطيئة” إدخال ساره اليهودية إلى وسط الفلسطينيين في بيت لحم، سيدفع سليم ثمنها باهظا. تعتقله المخابرات الفلسطينية بناء على تقرير حول علاقته بامرأة إسرائيلية، غالبا جاءت الوشاية من طرف الشاب الذي تشاجر معه في بيت لحم، لكن الاتهامات تشمل المخدرات والدعارة، فهو متهم بجلب امرأة يهودية بغرض الدعارة. نعلم بالطبع أن سليم بريء من هذه الاتهامات، لكنه مذنب بسبب خيانته لزوجته.
ولا تتغاضى المخابرات الفلسطينية عن فعلته إلا بعد تدخل “أبو إبراهيم” أحد كبار القادة في الضفة، ولكن شريطة أن يكتب سليم تقريرا يعترف فيه بأنه قام بتجنيد “امرأة إسرائيلية”، ليس بغرض الدعارة، ولكن للتجسس لحساب الفلسطينيين، دون حاجة إلى ذكر اسمها. أي أن سليم البعيد كل البعد عن السياسة، يجد نفسه منغمسا في قضية ذات طابع سياسي مباشر. وهو يرضخ ويكتب التقرير المطلوب، ثم المزيد من التقارير، حتى لا يفتضح أمره أمام زوجته، خاصة بعد أن استدعي شقيقها محمود الذي توسط له عند “أبو إبراهيم”.
لا تنتهي الكارثة هنا، فوحدة دافيد العسكرية تشن حملة مداهمات في رام الله، يروح ضحيتها- كما تقول الأخبار- عدد كبير من الفلسطينيين، لكن الأخطر أن القوات الإسرائيلية تقتحم مقر المخابرات الفلسطينية وتصادر محتوياته، وبالتالي تقع “التقارير” في يدي رئيس الوحدة “أفي” فيعتقل سليم ويقوم بتعذيبه حتى يعترف باسم المرأة اليهودية التي قام بتجنيدها، لكن سليم يصمد. وتأتي محامية فلسطينية هي “مريم” للدفاع عنه، لكنها تريد شهود نفي لا يمكنها العثور عليهم. وعندما يعترف لها بحقيقة علاقته بساره، تحاول الاتصال بها لإقناعها بأن تشهد لصالحه لكن ساره تتنصل، ولا يمضي وقت طويل قبل أن يعرف “دافيد” بخيانة ساره له، لكنه يخشى أن تكون قد وقعت في “خيانة إسرائيل”.
تساؤلات مشروعة
هل ستعرف بيسان زوجة سليم بما فعله سليم؟ وماذا ستفعل؟ وهل ستمضي في مهمة تحر لجمع أطراف القصة ومعرفة الحقيقة كاملة؟ وماذ ستفعل عندئذ؟ هل ستقف إلى جوار زوجها السجين المهدد بعشر سنوات في السجن أم ستلعنه وتتنصل منه؟ هل ستكشف حقيقته للفلسطينيين في الخارج، الذين يعتبرونه بطلا ويعلقون صوره على الجدران أم ستحافظ على صورته باعتباره والد طفلها المنتظر؟
من الجهة الأخرى: ماذا سيحدث لساره في علاقتها بزوجها؟ وكيف سيكون ردة فعل “دافيد”، ثم انعكاس القضية على عمله خاصة بعد أن يكتشف رؤساؤه أنه أدلى بمعلومات شديدة السرية لزوجته؟ وهل ستتمكن المحامية المدافعة عن حقوق “الأسرى” الفلسطينيين من إنقاذ سليم؟
دافيد وبيسان كلاهما ضحية الخيانة، لكنهما ليسا متساويين، فدافيد يحاول تهديد بيسان والاعتداء عليها في منزلها كما يتوعد سليم بأن يقضي حياته كلها وراء القضبان. وساره أخطأت ويتعين عليها أن تدفع الثمن الآن، لكنها ربما تفضل التكفير عن خطيئتها بأن تفعل شيئا جيدا. وبيسان ضحية مزدوجة: للاحتلال من جهة، ولسليم من جهة أخرى. لكن سليم يصبح ضحية الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي في مناخ انعدام الثقة والتوتر الدائم والقمع المستمر. إننا أمام دراما شديدة التعقيد لكنها تسير في سلاسة، وتسلسل منطقي، تبدأ من تساؤل أخلاقي وتمتد لتطرح تساؤلات أكبر عن الضحية والجلاد والمذنب والقامع، عمن هو المعتدي ومن هو ضحية العدوان، وهل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أخلاقي أم سياسي؟ ومثل هذه التساؤلات الكامنة تحت جلد الدراما، هي ما يمنح هذا الفيلم خصوصيته وجماله الداخلي.
عن الإخراج
لدينا اختيار جيد لمواقع الأحداث، وتصميم فني بديع: منزل ساره ودافيد الفسيح الجميل المنسق، في تناقضه مع شقة بيسان وسليم الضيقة الفقيرة (مصمم المناظر بشار حسونة). ولدينا تصوير يحرص على إضفاء الواقعية على الصور دون إفراط في الضوء، بل ينتقل في نعومة، من الداخل إلى الخارج، ومن النهار إلى الليل، بفضل براعة مدير التصوير الألماني سباستيان بوك. يتميز الفيلم أيضا بإيقاع متماسك داخل المشهد الواحد، وإيقاع عام للفيلم يتدفق بسلاسة دون وجود لقطة زائدة أو أخرى ناقصة.
ويدرك المخرج بالتعاون مع المونتير (سمير قمصية) متى وأين ينتقل من مكان إلى آخر، لا تضيع منه شخصية في الزحام، ولا يغفل عن تفصيلة من التفاصيل التي ألقى بها في مسار الفيلم في البداية دون أن تلفت نظرنا، لكننا سنكتشف أن دلالتها كبيرة في ما بعد. ومثالا على هذا: يصر دافيد أمام رؤسائه أنه لم يبح لزوجته قط بتفاصيل سرية تتعلق بعمله. لكن رئيسه يفاجئه بتسجيل مكالمة أجرتها زوجته ساره، تطلب من سليم عدم الذهاب إلى رام الله “التي ستشهد عملية عسكرية تلك الليلة”. وكان دافيد قد اعترف لها بالفعل أنه سيتولى قيادة القوة التي ستشن الغارة على رام الله.
يختار مؤيد عليان زواياه بعناية، يجعل الكاميرا تتلصص عندما يقتضي ذلك، أو يجعلها شاهدا على الحدث، أو اقتحامية من دون اعتداء، يهتم كثيرا بتكوين اللقطات، وبالحركة خارج الكادر، تستطيع أن تستنتج من دون أن ترى، وأن تشعر من دون أن تقترب. ولا يفرط كثيرا في تحريك الكاميرا لكي لا يفسد المناخ الواقعي. إنه يجعلها تهتز في ارتباك مع ارتباك بطله ضحية الواقع السياسي المتشابك في فلسطين. لكن سيطرة عليان على الممثلين مدهشة.
عن التمثيل
لا شك أن من أهم عوامل نجاح الفيلم وتأثيره الكبير يرجع إلى أداء مجموعة الممثلين جميعا وفي مقدمتهم بالطبع أديب صفدي في دور سليم، بتعبيره البليغ عن الفلسطيني “البسيط” الذي يريد أن يعمل ويعيش ويبحث أيضا عن المتعة خارج الزواج، ولكن خطيئته هذه ستسقطه في هاوية سحيقة. لا تقل عنه قوة في الأداء الممثلة سيفان كريتشنر في دور ساره، التي تنتقل ما بين المرأة المغوية اللعوب إلى الزوجة والأم، ثم إلى الشعور بالذنب والرغبة في التكفير في النهاية.
وكعادتها تتميز ميساء عبدالهادي في دور بيسان، التي تعاني من آلام الحمل وتتحامل لكي تدافع عن كرامتها كامرأة، لكنها تريد أيضا أن ترد الضربة إلى المحتل قبل أن تنتقم من الزوج. من الأدوار المتميزة كثيرا أيضا دور “أبو إبراهيم” الذي أداه بصدق وإقناع وبساطة كامل الباشا رغم ظهوره القصير، ومحمد عيد في دور محمود الذي جاء شديد الإقناع، وإيشال غولان في دور دافيد المكتئب المكنب على دوره كممثل لشراسة المحتل.
“التقارير عن ساره وسليم” لا يقل أهمية عن فيلم “عمر” لهاني أبوأسعد. لكني أنصح مخرجه باختيار اسم آخر له أكثر تعبيرا ودلالة وبساطة أيضا من هذا العنوان “التقريري”!
...
ناقد سينمائي من مصر
يعتبر الفيلم الروائي الطويل “التقارير عن ساره وسليم”، للمخرج الفلسطيني مؤيد عليان، الاكتشاف الحقيقي في الدورة ال47 من مهرجان روتردام السينمائي، حيث عرض للمرة الأولى على المستوى العالمي وحظي بتقديرات كبيرة من جانب الجمهور في استطلاعات الرأي اليومية، ولا شك أنه سيجوب روتردام الكثير من المهرجانات السينمائية الأخرى، لكنه قد يواجه مشكلة في العالم العربي بسبب ظهور مشاركة بعض الممثلين الإسرائيليين.
الفيلم هو العمل الروائي الطويل الثاني لمؤيد عليان وشقيقه كاتب السيناريو رامي عليان بعد “حب وسرقة ومشاكل أخرى” (2915). ومؤيد مخرج فلسطيني من العاملين داخل فلسطين التاريخية، وهو يقيم في مدينة القدس، وتدور أحداث فيلمه في القسم الشرقي من المدينة، وهو يجمع بين ممثلين من فلسطينيي الداخل، وبعض الممثلين من اليهود الإسرائيليين، ليس بهدف “التطبيع″ بل لأن هذا ما تفرضه دراما الفيلم ورغبة مخرجه في إضفاء الواقعية على عمله، كما تفرضه أيضا ظروف العمل في الأرض المحتلة. وعادة يكون الممثلون الذين يعملون في الأفلام الفلسطينية من المساندين لحقوق الفلسطينيين.
الفيلم من الإنتاج الفلسطيني، وقد اشتركت في إنتاجه شركات من هولندا وألمانيا والمكسيك، كما حصل على دعم من مؤسسات عربية من بينها الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق”، وفيلم “لاب: فلسطين”. ويعتبر سيناريو الفيلم الذي كتبه رامي عليان أحد أفضل السيناريوهات في السينما الفلسطينية، وهو يسير في توازن دقيق محسوب جيدا، سواء في العلاقات بين الشخصيات المختلفة، أو في ضبط الحبكة ودفعها إلى الأمام في شكل أقرب إلى أسلوب فيلم التحقيق البوليسي ولكن على غرار الأفلام التي يصنعها المخرج الإيراني أصغر فرهادي.
يبدأ الفيلم من علاقة جسدية ملتهبة بين سيدة يهودية متزوجة هي “ساره” التي تمتلك مقهى، وشاب فلسطيني يقوم بتوزيع المخبوزات باستخدام سيارة نقل صغيرة. ساره متزوجة ولديها ابنة في السابعة من عمرها هي فلورا، وزوجها ضابط في الوحدات الخاصة الإسرائيلية التي تستهدف النشطاء الفلسطينيين. و”سليم” متزوج من “بيسان” الحامل في طفله الأول. ولذلك فالاثنان يتقابلان سرا لممارسة الجنس في سيارة النقل الصغيرة.
لسنا أمام علاقة خيانة زوجية تقليدية، فسرعان ما ستفجر هذه العلاقة الكثير من القضايا السياسية التي تتعلق بطبيعة الواقع المشحون بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
سليم مجتهد في عمله ينقل المخبوزات لحساب مخبز إسرائيلي، لكنه يعاني من قلة الدخل، لذلك فقد اضطر إلى السكن في شقة بمنزل عائلة زوجته حيث يساعده شقيقها “محمود” قدر استطاعته، لكن سليم غير راض عن هذه المساعدة، بل تجعله يشعر بالمهانة والضعة. لكنه يقبل عندما يغلف محمود مساعدته بطابع عملي عندما يكلفه بنقل بعض السلع الضرورية إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية،على أن يقتسم الإثنان الأرباح.
ربما كان شعور سليم بعدم الارتياح بسبب وجوده تحت رحمة عائلة زوجته، بالإضافة إلى رفض زوجته الحامل مضاجعته بدافع الخوف- كما تقول- على الجنين، هما الدافعان وراء تمادي سليم في علاقته الجنسية مع “ساره”. أما ساره فرغم استقرار حياتها الزوجية وتمتعها بالعيش في مسكن فسيح، يطل من أعلى ربوة على مدينة القدس في منظر خلاب، واستقلالها الاقتصادي (هي تمتلك وتدير المقهى)، إلا أنها تعاني من برودة علاقتها بزوجها “دافيد” الذي ينشغل عنها في عمله المجهد الذي يكرس له كل وقته، خاصة بعد حصوله على ترقية.
شخصيات الفيلم
لدينا حتى الآن خمس شخصيات، لكن ليس من الممكن الحديث عن شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية، فشخصيات الفيلم تتمتع بمساحة جيدة وأدوار عضوية في نسيج الفيلم، وهذه حسنة أخرى من حسنات السيناريو. وكلما شعر المشاهد بأن “الحبكة” أصبحت واضحة ولم تعد هناك حاجة إلى المزيد من الأحداث، يفاجئنا السيناريو بدخول أطراف أخرى تضيف إضافات جوهرية إلى الفيلم. لدينا الآن سليم وبيسان، وساره ودافيد، ومحمود، ولكن مع تراجع الجانب المتعلق بالجنس، تتضح العقدة السياسية، فيدخلنا الفيلم إلى قضية الاحتلال ونظرة الإسرائيلي إلى “الآخر” بل ونظرة الفلسطيني إلى الفلسطيني، في ظل أوضاع يشوبها التوتر الشديد على جانبي الجدار الفاصل.
الذهاب إلى الطرف الآخر
في لحظة نزق، أو شعور بالملل، أو رغبة في حب الاستطلاع، تطلب ساره أن تصحب سليم ليلا إلى بيت لحم حيث سيقوم بتوزيع بعض السلع، على أن يعودا معا لإطفاء ظمأ الرغبة في سيارته كما اعتادا. هناك يعرجان على مقصف لتناول الشراب حيث تتظاهر ساره بأنها سائحة هولندية، وتتحدث الإنكليزية بدلا من العبرية، لكن أمرها ينكشف أمام شاب فلسطيني ثمل يصر على أن يجذبها لترقص معه فتنشب مشاجرة بينه وبين سليم، يتوعده الشاب على إثرها شرا.
“خطيئة” إدخال ساره اليهودية إلى وسط الفلسطينيين في بيت لحم، سيدفع سليم ثمنها باهظا. تعتقله المخابرات الفلسطينية بناء على تقرير حول علاقته بامرأة إسرائيلية، غالبا جاءت الوشاية من طرف الشاب الذي تشاجر معه في بيت لحم، لكن الاتهامات تشمل المخدرات والدعارة، فهو متهم بجلب امرأة يهودية بغرض الدعارة. نعلم بالطبع أن سليم بريء من هذه الاتهامات، لكنه مذنب بسبب خيانته لزوجته.
ولا تتغاضى المخابرات الفلسطينية عن فعلته إلا بعد تدخل “أبو إبراهيم” أحد كبار القادة في الضفة، ولكن شريطة أن يكتب سليم تقريرا يعترف فيه بأنه قام بتجنيد “امرأة إسرائيلية”، ليس بغرض الدعارة، ولكن للتجسس لحساب الفلسطينيين، دون حاجة إلى ذكر اسمها. أي أن سليم البعيد كل البعد عن السياسة، يجد نفسه منغمسا في قضية ذات طابع سياسي مباشر. وهو يرضخ ويكتب التقرير المطلوب، ثم المزيد من التقارير، حتى لا يفتضح أمره أمام زوجته، خاصة بعد أن استدعي شقيقها محمود الذي توسط له عند “أبو إبراهيم”.
لا تنتهي الكارثة هنا، فوحدة دافيد العسكرية تشن حملة مداهمات في رام الله، يروح ضحيتها- كما تقول الأخبار- عدد كبير من الفلسطينيين، لكن الأخطر أن القوات الإسرائيلية تقتحم مقر المخابرات الفلسطينية وتصادر محتوياته، وبالتالي تقع “التقارير” في يدي رئيس الوحدة “أفي” فيعتقل سليم ويقوم بتعذيبه حتى يعترف باسم المرأة اليهودية التي قام بتجنيدها، لكن سليم يصمد. وتأتي محامية فلسطينية هي “مريم” للدفاع عنه، لكنها تريد شهود نفي لا يمكنها العثور عليهم. وعندما يعترف لها بحقيقة علاقته بساره، تحاول الاتصال بها لإقناعها بأن تشهد لصالحه لكن ساره تتنصل، ولا يمضي وقت طويل قبل أن يعرف “دافيد” بخيانة ساره له، لكنه يخشى أن تكون قد وقعت في “خيانة إسرائيل”.
تساؤلات مشروعة
هل ستعرف بيسان زوجة سليم بما فعله سليم؟ وماذا ستفعل؟ وهل ستمضي في مهمة تحر لجمع أطراف القصة ومعرفة الحقيقة كاملة؟ وماذ ستفعل عندئذ؟ هل ستقف إلى جوار زوجها السجين المهدد بعشر سنوات في السجن أم ستلعنه وتتنصل منه؟ هل ستكشف حقيقته للفلسطينيين في الخارج، الذين يعتبرونه بطلا ويعلقون صوره على الجدران أم ستحافظ على صورته باعتباره والد طفلها المنتظر؟
من الجهة الأخرى: ماذا سيحدث لساره في علاقتها بزوجها؟ وكيف سيكون ردة فعل “دافيد”، ثم انعكاس القضية على عمله خاصة بعد أن يكتشف رؤساؤه أنه أدلى بمعلومات شديدة السرية لزوجته؟ وهل ستتمكن المحامية المدافعة عن حقوق “الأسرى” الفلسطينيين من إنقاذ سليم؟
دافيد وبيسان كلاهما ضحية الخيانة، لكنهما ليسا متساويين، فدافيد يحاول تهديد بيسان والاعتداء عليها في منزلها كما يتوعد سليم بأن يقضي حياته كلها وراء القضبان. وساره أخطأت ويتعين عليها أن تدفع الثمن الآن، لكنها ربما تفضل التكفير عن خطيئتها بأن تفعل شيئا جيدا. وبيسان ضحية مزدوجة: للاحتلال من جهة، ولسليم من جهة أخرى. لكن سليم يصبح ضحية الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي في مناخ انعدام الثقة والتوتر الدائم والقمع المستمر. إننا أمام دراما شديدة التعقيد لكنها تسير في سلاسة، وتسلسل منطقي، تبدأ من تساؤل أخلاقي وتمتد لتطرح تساؤلات أكبر عن الضحية والجلاد والمذنب والقامع، عمن هو المعتدي ومن هو ضحية العدوان، وهل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أخلاقي أم سياسي؟ ومثل هذه التساؤلات الكامنة تحت جلد الدراما، هي ما يمنح هذا الفيلم خصوصيته وجماله الداخلي.
عن الإخراج
لدينا اختيار جيد لمواقع الأحداث، وتصميم فني بديع: منزل ساره ودافيد الفسيح الجميل المنسق، في تناقضه مع شقة بيسان وسليم الضيقة الفقيرة (مصمم المناظر بشار حسونة). ولدينا تصوير يحرص على إضفاء الواقعية على الصور دون إفراط في الضوء، بل ينتقل في نعومة، من الداخل إلى الخارج، ومن النهار إلى الليل، بفضل براعة مدير التصوير الألماني سباستيان بوك. يتميز الفيلم أيضا بإيقاع متماسك داخل المشهد الواحد، وإيقاع عام للفيلم يتدفق بسلاسة دون وجود لقطة زائدة أو أخرى ناقصة.
ويدرك المخرج بالتعاون مع المونتير (سمير قمصية) متى وأين ينتقل من مكان إلى آخر، لا تضيع منه شخصية في الزحام، ولا يغفل عن تفصيلة من التفاصيل التي ألقى بها في مسار الفيلم في البداية دون أن تلفت نظرنا، لكننا سنكتشف أن دلالتها كبيرة في ما بعد. ومثالا على هذا: يصر دافيد أمام رؤسائه أنه لم يبح لزوجته قط بتفاصيل سرية تتعلق بعمله. لكن رئيسه يفاجئه بتسجيل مكالمة أجرتها زوجته ساره، تطلب من سليم عدم الذهاب إلى رام الله “التي ستشهد عملية عسكرية تلك الليلة”. وكان دافيد قد اعترف لها بالفعل أنه سيتولى قيادة القوة التي ستشن الغارة على رام الله.
يختار مؤيد عليان زواياه بعناية، يجعل الكاميرا تتلصص عندما يقتضي ذلك، أو يجعلها شاهدا على الحدث، أو اقتحامية من دون اعتداء، يهتم كثيرا بتكوين اللقطات، وبالحركة خارج الكادر، تستطيع أن تستنتج من دون أن ترى، وأن تشعر من دون أن تقترب. ولا يفرط كثيرا في تحريك الكاميرا لكي لا يفسد المناخ الواقعي. إنه يجعلها تهتز في ارتباك مع ارتباك بطله ضحية الواقع السياسي المتشابك في فلسطين. لكن سيطرة عليان على الممثلين مدهشة.
عن التمثيل
لا شك أن من أهم عوامل نجاح الفيلم وتأثيره الكبير يرجع إلى أداء مجموعة الممثلين جميعا وفي مقدمتهم بالطبع أديب صفدي في دور سليم، بتعبيره البليغ عن الفلسطيني “البسيط” الذي يريد أن يعمل ويعيش ويبحث أيضا عن المتعة خارج الزواج، ولكن خطيئته هذه ستسقطه في هاوية سحيقة. لا تقل عنه قوة في الأداء الممثلة سيفان كريتشنر في دور ساره، التي تنتقل ما بين المرأة المغوية اللعوب إلى الزوجة والأم، ثم إلى الشعور بالذنب والرغبة في التكفير في النهاية.
وكعادتها تتميز ميساء عبدالهادي في دور بيسان، التي تعاني من آلام الحمل وتتحامل لكي تدافع عن كرامتها كامرأة، لكنها تريد أيضا أن ترد الضربة إلى المحتل قبل أن تنتقم من الزوج. من الأدوار المتميزة كثيرا أيضا دور “أبو إبراهيم” الذي أداه بصدق وإقناع وبساطة كامل الباشا رغم ظهوره القصير، ومحمد عيد في دور محمود الذي جاء شديد الإقناع، وإيشال غولان في دور دافيد المكتئب المكنب على دوره كممثل لشراسة المحتل.
“التقارير عن ساره وسليم” لا يقل أهمية عن فيلم “عمر” لهاني أبوأسعد. لكني أنصح مخرجه باختيار اسم آخر له أكثر تعبيرا ودلالة وبساطة أيضا من هذا العنوان “التقريري”!
...
ناقد سينمائي من مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.