مجلس شئون الدراسات العليا يكرم رئيس جامعة بني سويف    استمرار أعمال تطوير ورفع كفاءة مساكن الحزب الوطني في بورسعيد.. صور    وزير الداخلية يبحث التعاون المشترك مع وزير داخلية جزر القمر    البنك الأهلي يتمم اتفاقه مع مصطفى شلبى وأحمد ربيع ينتقل للزمالك    السيطرة على حريق بعربة سكة حديد قديمة ببني سويف    المشدد 6 سنوات لسيدة ألقت طفليها من أعلى كوبرى العامرية فى الإسكندرية    الدكتور خالد عبدالغفار يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحى    مكتب نتنياهو: رئيس الوزراء يعاني من التهاب في الأمعاء    نائب محافظ الجيزة يبحث تطوير المنطقتين الصناعيتين بالصف وجرزا    صراع إنجليزي على كولو مواني بعد تألقه مع يوفنتوس    بايرن ميونخ يقترب من ضم لويس دياز بعد رفض عرضين    رغم عدم إعلانها رسميًا.. الفلسطيني آدم كايد يظهر داخل الزمالك (صورة)    «المصدر» تنشر أحكام المحكمة الدستورية العليا ليوم 5 يوليو 2025    اضطراب حركة الملاحة الجوية في مطارات موسكو جراء هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية    وزير الشئون النيابية يشهد افتتاح ملتقى شباب المعرفة بمسرح جامعة القاهرة    المفتي: الذكاء الاصطناعي امتداد للعقل الإنساني.. ويجب ضبط استخدامه بميثاق أخلاقي عالمي    بلدة تايوانية تشهد أسوأ أضرار جراء الأمطار منذ 50 عاما    شعبة الأدوية: الشركات الأجنبية تقلص حجم إنتاجها في السوق المحلية.. وبعضها تستعد للتخارج    وزير الصناعة والنقل يتفقد 3 مصانع كبرى في مدينة العبور بمحافظة القليوبية    مجلس الوزراء: "حياة كريمة" تُغير وجه القرى المصرية.. شرايين التنمية تنبض في محافظة الشرقية    رابط الاستعلام عن مخالفات المرور 2025 والخطوات وطرق السداد    مدرب الزمالك السابق بعد ظهور فتوح مع إمام عاشور: «اتفق معاك على 2 مليون؟»    محمد حمدي يعلق على فترة تواجده بالزمالك واعتزال شيكابالا وانتقال زيزو للأهلي    بسبب طول الموسم الماضي.. الريال قد يجدد طلبه بتأجيل جولته الأولى بالدوري    الجبهة الوطنية يكثف نشاطه وجولاته الإنتخابية لدعم مرشحه بالبحيرة    قيادي بالمؤتمر: بيان الداخلية يكشف الوجه القبيح للإرهاب الإخوانى.. ويقظة الأمن أفشلت مخططتهم لاستهداف الوطن    برلمانيون: الأجهزة الأمنية تواجه بكل حزم كافة المخططات الإرهابية    لا علاج ولا تعليم ولا مساعدات مادية…قوانين ذوى الاحتياجات الخاصة «حبر على ورق» فى زمن الانقلاب    تفاعل جماهيري مع فلكلور القناة في مهرجان "صيف بلدنا" بمطروح    وداعا "للأمير النائم".. 20 عاما من الغيبوبة تنتهي بقصة خالدة في الصبر والإيمان    «المالية» تُخصص 5 مليارات جنيه لجهاز تنمية المشروعات    انطلاق فعاليات حملة «100 يوم صحة» بالإسكندرية    احذر هذه الأخطاء ال 8 عند تناول بذور الشيا.. فوائدها قد تنقلب ضدك    توفى بعدها بدقائق.. تشييع جثامين أم ونجلها من كنيسة الأزهرى ببنى سويف.. صور    نيويورك تايمز: روسيا حققت مكاسب كبيرة على الأرض فى أوكرانيا خلال يونيو    محافظ سوهاج: توريد أكثر من 183 ألف طن قمح حتى الآن    شيحة: لدينا هيئة وطنية مستقلة تشرف على الانتخابات وتحقق نوعا من التوازن    قناة "مصر قرآن كريم" تحيى ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا    قبل طرحه.. تفاصيل 10 أغنيات تقدمها آمال ماهر في ألبوم «حاجة غير»    طلب أخير من وسام أبوعلي لعمال غرفة ملابس الأهلي.. أحمد حسن يكشف    عاجل- السيسي يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور وزير الدفاع المصري    جنبلاط: أي دعوة لحماية دولية أو إسرائيلية تشّكل مسّاً بسيادة سوريا    مصرع سيدة سقطت من الطابق الثامن في الإسكندرية.. ونجليها: ألقت بنفسها    سيدة تسقط جثة هامدة من عقار بالإسكندرية.. وأسرتها: تعاني الوسواس القهري    رحلة الرزق انتهت.. حوض المرح ابتلع الشقيقات سندس وساندي ونورسين بالبحيرة    الشيخ أحمد خليل: البركة في السعي لا في التواكل    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    غلق 143 محلًا لمخالفة قرار ترشيد استهلاك الكهرباء    قرار وزاري برد الجنسية المصرية ل21 مواطنًا    الثلاثاء.. مناقشة "نقوش على جدار قلب متعب" لمحمد جاد هزاع بنقابة الصحفيين    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    زكى القاضى: إسرائيل لا تريد رؤية الفلسطينيين وتسعى لتفنيذ مخطط التهجير    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    «بين الخصوصية والسلام الداخلي»: 3 أبراج تهرب من العالم الرقمي (هل برجك من بينهم؟)    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائية التركية سيما كايغوسوز ترسم صورة قاتمة لبلادها
نشر في نقطة ضوء يوم 25 - 02 - 2018

في روايتها الأولى «سقوط الصلوات» (2006)، أحلّت الكاتبة التركية سيما كايغوسوز مناخاً سحرياً على جزيرة تحضر فيها التقاليد والأساطير كعنصر تشويشٍ وقلقٍ لقاطنيها، لا تفلت منه سوى الطبيعة الخاضعة لقوانينها الخاصة. وها هي تعيد الكرة في روايتها الثالثة، «قهقهة البربري» (2015)، التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثاً عن دار «أكت سود» الباريسية، وتستبدل كايغوسوز فيها الجزيرة بفندقٍ يقع على شاطئ بحر إيجيه وتقصده شخصياتها لنسيان واقعها اليومي وتمضية عطلتها في إطارٍ ساحر.
في فندق «الحمامة الزرقاء»، نتعرّف أولاً إلى تورغاي الذي يحمل بصمت وألم سرّ زوجته التي تعرّضت في صباها إلى اغتصاب على يد مجموعة من الشرطيين والعسكر، ثم إلى إيدا وأوفوك اللذين يعيشان على وقع رغباتهما المشتعلة، فإلى صديقات أربع يمضين وقتهنّ في اللعب بورق الشدّة والثرثرة مع أزواجهن. هنالك أيضاً المؤرّخة العجوز سيمين التي تحمل آثار واحدة من المجازر التي أدمت تاريخ تركيا خلال القرن الماضي، والشابّان المثليان إسماعيل ومليح اللذان يعبران أزمة عاطفية، والفتى أوزون الذي يفتنه العنف فيمارسه على الحيوانات التي تعبر طريقه. شخصيات مختلفة نراها في مطلع الرواية تحاول الترويح عن نفسها وإشباع رغبتها في التمتّع بعطلتها، حين يقع حادثٌ فريد ومقرف في الفندق يقضّ مضجعها.
ففي أحد الصباحات، يستيقظ نزلاء «الحمامة الزرقاء» وموظّفوه ليجدوا كل الشراشف والمناشف والوسادات مبلولة بالبول. كيف حصل ذلك؟ ومَن أقدم على هذه الفعلة؟ أحد الموظفين؟ أحد الزبائن؟ ولماذا؟ بسرعة ترتفع أصوات الاستنكار. وسواء في ساحة الفندق أو على الشاطئ المقابل له أو في حميمية الغرف، لن تلبث طبيعة هذا الحدث أن تلعب دوراً كاشفاً، فتتعرّى طباع هذه الشخصيات أمامنا وتنحلّ ألسنتها، موقظةً توترات كامنة بينها ومسبِّبةً مواجهات عنيفة وتراشُقاً بالأحكام المسبقة.
ولأن هذه الفعلة ستتكرّر على نطاق واسع وبطريقة معيّنة، تُوجَّه أصابع الاتّهام بالتناوب إلى الرجال، قبل أن تطرد مديرة الفندق الحدائقي البريء، ويتعرّض تورغاي إلى الضرب على يد فاروق، وهو زوج واحدة من الصديقات الأربع، لأنه تجرّأ في مطلع الرواية على التبويل علناً في البحر، كاشفاً بذلك عورته أمامها. أما إدنا فلن تتردد في التنزّه بصدرٍ مكشوف على الشاطئ والتكلّم بصوتٍ عالٍ عن رغباتها الجنسية، ما يُربِك حبيبها أوفوك ويخلّف شعوراً بالغيرة أو الامتعاض لدى الآخرين.
شهود الصمت
وكما في رواية كايغوسوز الأولى، يبدو البحر والجبل وأشجار النخيل والزيتون في «قهقهة البربري» كشهودٍ صامتين على سلوك بشرٍ يستسلمون فجأةً لمكايد وتصفية حسابات، ويفرّغون كل ما كانوا يحفظونه داخلهم. وكان بإمكان هؤلاء اختيار الحلّ الأبسط لتجنّب هذه ال «سيكودراما» الجماعية، أي مغادرة الفندق، لولا اعتبارهم عطلتهم حقّاً مقدّساً لهم، نظراً إلى رمادية واقعهم اليومي وخيباته. ومن هذا المنطلق، يغالي كل واحد منهم في تصرّفاته ويتشبّث بموقفه وأفكاره، مثل إدنا التي تثير حفيظتها ما أن يتطرّق حبيبها إلى موضوع القدرات الجنسية للمرأة بطريقة لا تتناغم مع أفكارها المتحرّرة، فتردّ عليه في شكلٍ هستيري غير مكترثةٍ لاستماع المحيطين بهما إلى مونولوغها الطويل والمُحكَم، إضافة إلى إسماعيل ومليح اللذين لن يلبث ماضي كلٍّ منهما والسلوك الناتج منه أن يدفعا بهما إلى تبادل انتقادات قاسية أمام الجميع تودي بعلاقتهما.
وحدها سيمين العجوز تبقى على حِدَة وتحافظ على رباطة جأشها، مدوّنةً في دفتر يومياتها كل الأحداث التي تقع تحت نظرها ومانحةً إيانا قراءة حكيمة لها وللشخصيات التي تقف خلفها أو تقع ضحيّتها. قراءة تختلف بنبرتها الساكنة ومضمونها عن تلك الحادة والقارصة التي تضطلع بها الروائية في فصولٍ مستقلّة أو خلال عملية السرد. وفي معرض تعليقها على الحدث الرئيس، تتوقف سيمين في لحظةٍ ما عند فوائد البول كعنصر شفائي استخدمه شعب الأزتيك والهنود لتطهير الجروح، وكعنصر نظافة استخدمه الرومان لتبييض الغسيل، وكعنصرٍ وسيط استعان سكان سيبيريا القدماء به للتواصل مع الأرواح، علماً أن كايغوسوز تستثمر رمزيته العالية كعنصر تلويث لبلوغ هدفٍ آخر.
وفعلاً، لا يفوت قارئ روايتها أن بياضات الفندق الملوّثة بالبول هي استعارة واضحة لحال وطنها اليوم. فجميع الشخصيات والأحداث التي تبتكرها في هذا العمل تشكّل بورتريه دقيقاً ولا مهادنة فيه لتركيا التي تتجلى أمامنا كفضاءٍ مشحون بالتوتر وممزَّق بين تقليد وحداثة، وبين توقٍ إلى الاندماج بأوروبا ورغبة في التجذّرٍ داخل المحيط الإسلامي. بورتريه يفضح أيضاً مجتمعاً تركياً توارت فيه المبادئ والقيم الأخلاقية، ما يعزّز الخوف الذي يطغى على أفراده ويدفعهم إلى العيش بسطحية، كل يوم بيومه، من دون أي رؤية أو تخطيط لمستقبلهم.
ومن خلال شخصيتَي فاروق وزوجته ومواقفهما العدائية، تكشف الكاتبة أيضاً خطر تنامي الحسّ القومي في وطنها ليس فقط على الأجانب والإثنيات الأخرى التي تعيش داخله، بل أيضاً على الأتراك الذين لا يشاركون القوميين أفكارهم الخطيرة. ولأن التزمّت الديني الناتج من سياسات أردوغان يشدّ أيضاً بتركيا إلى الوراء، لا تهمله كايغوسوز، بل تتناوله بطريقة مثيرة عن طريق تخيّلها حواراً ليلياً يحصل على أحد شرفات الفندق بين شابّين يعملان فيه، ويقول أحدهما للآخر خلاله: «ثمة شيءٌ يدعى «مصيبة التركي المتديّن»، هل تعرف ذلك؟ العالم الموجود داخل رأسه لا يتوافق مع العالم الموجود خارجه»، ثم يضيف: «مَن لم يدفعه الفضول يوماً إلى التساؤل حول الطريقة التي يعمل فيها جهاز الراديو، يبحث اليوم في الكتاب عن إشارة للموجات (الكهرومغناطيسية) داخله، ليقول بعد ذلك أننا نحن من تكلّم عن هذا الموضوع أولاً... لذلك، لن نتمكّن يوماً من ابتكار أي شيء».
وكما لو أن ذلك لا يكفي، تستثمر الكاتبة النقاش الدائر في الفندق، وقصة سيمين خصوصاً، للتطرق إلى تاريخ تركيا الحديث وفتح ملفات المجازر التي ارتُكبت بحقّ الأرمن والسريان واليونانيين والأكراد فيها، وما استتبعها من طرد جماعي وهجرة قسرية لأبناء هذه الطوائف، ومن إنكار رسمي لوقائعها المأساوية. مجازر تختصر أسبابها جملةٌ معبّرة في الرواية: «لن تتمكن من أن تكون تركياً إن لم تبتكر عدواً لك».
باختصار، نصٌّ تراجيدي- كوميدي تتمكنّ صاحبته فيه من تشييد عالمٍ واقعي، معقّد ومؤلم في مبالغاته وإنكاراته، هو عالم تركيا اليوم، علماً أن خطابها يتجاوز هذا الفضاء الجغرافي لنقد غباء وسفالة الجنس البشري ككُلّ. وفي هذا السياق، «البربري» في عنوان روايتها هو ذلك العنصري الذي لا يحترم الآخر ولا الطبيعة، ويرمي على الغريب دائماً مسؤولية المشكلات التي يعاني منها وطنه.
بعبارة أخرى، تقول كايغوسوز لنا في روايتها إن نواة الطبيعة البشرية لا تختلف كثيراً مع اختلاف الجغرافيا والثقافة والدين والزمن. ولقول ذلك، تستعين بسلاحَي السخرية والدعابة الماضيين، وبلغةٍ تستمدّ كل حيويتها من وقوعها عند تقاطع المحكية والكتابة الأدبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.