«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا إلياس فركوح: أعترف أنى أثقل على بعض القراء فيجدون صعوبة فى مواكبتى!
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 05 - 2017

أنا ممن يؤمنون بأنّ الكتابة هى لُغةٌ أولاً وأنّ الكاتب لا يبقى له إلّا لغته الخاصة

بسبب شغفى الكبير بالفن التشكيلى أصبحت الرواية أشبه بلغة «تترجم» المرئى البصرى

ما زالت «غريق المرايا»، الرواية الأخيرة التى كتبها الروائى والقاص الأردنى إلياس فركوح، تثير الكثير من التساؤلات المهمة عن الهوية الشخصية والمجتمعية والمستقبل. صدرت الرواية عام 2012 من دار أزمنة للنشر بعمان والدار العربية للعلوم ناشريون فى بيروت. تشكل عمان القديمة بكل تفاصيلها الحيوية وشوارعها القديمة المكان الأوحد للرواية التى تبلغ صفحاتها 237 صفحة. الرواية هى رؤية بانورامية بامتياز لعدد من الشخصيات شديدة الثراء يعكس بعضها تلك الهوية الأردنية الفلسطينية الملتبسة.
ولد إلياس فركوح فى عمان عام 1948 وإلى جانب عشقه المعروف لمدينته، وبسبب هذا، إضافة إلى تفرده بالانتساب إليها أكثر من سِواه من الكتّاب الأردنيين الآتين من خارجها، والمساحة الكبيرة التى احتلتها فى نصوصه السابقة؛ أصبح يوصف ب”الكائن العماني”، فقد اختبر فركوح كل التغيرات التى مرت بالمدينة، ويعد موسوعة متنقلة تحوى تفاصيل التاريخ السياسى والاجتماعى لهذه المنطقة الحساسة من العالم العربي.
فركوح أيضا، مؤسس دار أزمنة وصاحبها منذ عام 1992، يعد من أكثر الكتاب العرب إنتاجا للكلمة، فبخلاف الرواية والقصة القصيرة له العديد من الأعمال المترجمة المهمة والدراسات، آخرها كتاب مهم بعنوان (رسائلنا ليست مكاتيب) 2017 يحوى الرسائل المتبادلة بينه وبين الروائى الأردنى الراحل مؤنس الرزاز.
تعد ثلاثيته الروائية قامات الزبد 1987 وأرض اليمبوس2007 من أكثر أعماله شعبية لدى القراء العرب.
كتب فركوح غريق المرايا فى الفترة من أغسطس 2010 إلى سبتمبر 2011 فى إطار منحة مشروع التفرغ التى حصل عليها من وزارة الثقافة الأردنية عام 2011.
تدور أحداث الرواية فى مرحلة حرجة مهدت لنكبة 1948 وتنتهى فى زمن غير محدد ربما فى الحاضر أو المستقبل. اليتيم، الذى لم يمنحه الكاتب اسماً، ربما فى إشارة خفية لتماسه مع شخصية المسيح أو لاستخدامه كناقل أفكار الكاتب ذاته، هو الشخصية المحورية للرواية ومن حوله تتخلق شخصيات أخرى بالغة الثراء.
تنبع أهمية الرواية فى بنيتها الفريدة وتعدد طرق السرد، حيث يتضافر الخيالى مع الواقعي، الأسطورى مع المعاصر، وتنضم الصورة التشكيلية إلى فصول الرواية الإحدى عشر لتتفاعل معها مانحة عمقا غير مسبوق للسرد.
بداية من الفصل الأول “الغريق”، كان هناك نوع من الالتباس ما بين التراثى والحديث، ما بين الماضى والحاضر، دعم الالتباس تسليط الضوء على شخصيتين متنافرتين: شخصية الشيخ البخارى والوريث اليتيم... هل قصدت ذلك؟
كان الفصل الأول صورة مضببة لم تفارقنى لأيام وكأنها تلحّ عليَّ لكتابتها، ولعلها كانت مطمورة داخلى منذ زمن بعيد آخذة بالاختمار. وأصل هذه الصورة ذكرى تعود إلى فترة مبكرة جداً. فترة كنتُ حينها مجرد صبى صغير، ربما فى الخامسة، والوقت ليلة شتائية بأمطار تتدفق من السماء بغزارة مهولة جعَلَت من السيل المارّ أمام بيتنا انجرافاً مائياً مكتسحاً لجانبيه، يصخب هادراً بصوتٍ أفزعَنا، فأفقنا لنشهد على ما يشبه الطوفان!
ولسببٍ ما، لا أعرفه، وجدتنى أبدأ الكتابة برسم شخصية الشيخ البخارى كشاهدٍ ثان على الطوفان، مرجئاً رسم الصغير ليتحوّل، عبر إغواء السرد وتواليه، إلى الشاهد الكاتب وقد أضحى كبيراً يشارك البخارى تلك الليلة الطوفانية وقد باتت، بسحر الكتابة، تتحرك بين زمنين: زمن حدوثها، وزمن استحضارها وإحيائها بوعيى لحظة كتابتها!
وهكذا، بناءً على ضرورة ربط الشخصيتين الشاهدتين وضفرهما معاً على قاعدة المكان الواحد، باتَ عليَّ معاينة الحدث من خلال رؤيتين مختلفتين: ليس لاختلاف الجيلين فقط؛ بل لأنّ شهود أيّ حدث إنما يختلفون فى رويه بحسب زواياهم. باختصار: لم تكن هذه البداية قد كُتبت بدراية مسبقة للتضاد أو التنافر، لكنني، عندما واصلتُ وانتقلتُ إلى الفصول اللاحقة، تنبهتُ آخذاً بالاعتبار هذا البُعد.
فى روايتك أرض اليمبوس هناك إلماحات عن مدينة يافا، فى ذكريات خضر عن المدينة التى غادرها إلى عمان بعد أحداث 1948 إثر إعلان دولة إسرائيل. فى غريق المرايا، هناك شغف أوسع لقراءة المدينة، يفصح عن نفسه فى بداية الرواية، حينما تقول “أكان فى محاولاته تلك يريد أن يقرأ المدينة؟ أم يظن أنه يكتبها..أأدرك فيما بعد أن الكتابة ضرب من ضروب القراءة؟ “ هل أحد مقاصد الرواية هى بالفعل قراءة مدينة عمّان من خلال شخصيات بعينها؟
نعم، كان الهدف الأساس قراءة عمّان ورسمها بالكتابة عبر عنصرين حتميين لأى رواية: استنطاق الأماكن وجعلها مناخاً للأحداث حاضنةً لها. وهذا أدّى إلى خلق الشخصيات أو إعادة تخليقها المالئة لتلك الأماكن. فالمدن تحيا وترتسم هوياتها بمن يتحركون فيها، وبينها، وعبرها، بالقدوم إليها والرحيل عنها، وكذلك بماضى هؤلاء جميعاً حيث يعملون، دون إدراك منهم، على تأثيثها بحاضرهم وراهنهم مجبولاً بماضيها فى الوقت نفسه!
كلّ هذا كان حاضراً لديّ إبان كتابتى للرواية. هى عمّان المدينة ما أريد معاينتها وإعادة تخليقها بحسب رؤيتي، ووفقاً لتاريخى الشخصى الذى كانت عمّان، وما زالت، موضوعى الأوّل، مثلما كنتُ وما زلتُ كائنها المدموغ بتحولاتها الدافعة إلى تحولاتى بالتالي.
اللغة فى أعمالك فريدة فى عمقها واشتباكها السلس مع التراثى وانفتاحها اليسير على أحاديث العامة، بحس من اللطف والمرح والذكاء، لكنها أحياناً تكون معطلة لتتابع القراءة والتواصل مع الشخصية والحدث، حيث يغيب القارئ فى متاهة الإحالات الخاصة بكل كلمة.
أوافقك، فأنا، مفتون باللغة وحيوية الإحالات وعمقها؛ تلك التى تمتلكها ذاكرتى عبر السنوات، أو لأقُلْ: أرشيفى الخاصّ المكتنز باللغة وكلماتها ذات التاريخ المتصل بتاريخى الشخصي. هذا الأمر ليس سهلاً عليَّ التخفف من “وجوباته”؛ إذ أجدنى أنساق إلى مغرياته بتلذذ، واستطعام، ومتعة. وكذلك، ولأننا داخل حقل اللغة، فإنّ حساسيتى اللغوية تجعلنى سلساً (إلى حد ما) فى انتقالاتى بين مستوياتها المتعددة زاعماً بأنى أفرض تحدياً على نفسى مراهناً على قدرتها فى إيجاد العلاقات الممكنة بين التراثى الموزون.. والفصيح الفنى الحديث.. والعاميّة المنطوقة بطلاقة المتحدثين بها.
لكنني، وهنا ينبغى عليّ الاعتراف، يحدث أن أقع فى مبالغةٍ ما تُثقِلُ على بعض القرّاء، فيجدون صعوبة فى مواكبتي!
أعتبر أننى واحداً ممن يؤمنون بأنّ الكتابة هى لُغةٌ أوّلاً. وأنّ الكاتب لن يتبقى منه كشاهد على “هويته الفارقة”، بعد الحديث عن موضوعاته ومواقفه ومناخاته، إلّا لغته الخاصّة: تلك اللغة المنضفرة تماماً بأسلوبه: ذاك الأسلوب المنسوج وفقاً لرؤيته لنفسه وللعالم.
يبدأ كل فصل من فصول الرواية بصورة لعمل فنى ثم عنوان بليغ، هل هو شغف بالصورة أم محاولة لبنية نص عبر نوعي؟
منذ البدء بكتابة الفصل الأول، وبسبب من شَغَفى الكبير آنذاك بالفوتوغراف تحديداً والفن التشكيلى عموماً؛ تلازمَ النصّ اللغوى فى كثير من حالاته، و”الحركة” فيه، وبؤرة “حكايته” بما يوازيه أحياناً، ويشتبك معه أحياناً أخرى، مع نماذج متفرقة من فوتوغراف، ولوحات، وملصقات لأفلام لفتتنى واحتفظت بها فى أرشيفى الخاص. كأنَّ نضوج النص وتوالى كتابته إنما حدث بينما كنتُ أُقلِّبُ تلك “المرئيات” وأتملّاها، فأصبح العمل أشبه بلغة “تترجم” المرئى البَصَري، والمرئى البَصَرى يحاذى اللغوى ويشابهه!
هى المرّة الأولى التى أنصرف فيها إلى هذا الضرب من الكتابة. ولأنه كذلك؛ وقع فى وعيى أننى بصدد نصٍّ مختلف. نصّ لا تكون فيه “الصور” تمثيلاً للمكتوب أو تزييناً له (كتلك التى اعتدناها فى اسكتشات وليثوغراف جمال قطب لقصص وروايات نجيب محفوظ مثلاً) بقدر ما هي، ربما، نصٌّ “مشاكش” صغير موازٍ/ متداخل يجادل المكتوب ويحاكيه ويشهد عليه. فلكل فصل “شاهده” المختلف فى “وظيفته” ومؤداه، فمنه ما هو توثيقى لتاريخ جرت خلاله الأحداث – كالدعاية لحفلة أم كلثوم فى القدس وحيفا، وملصق فيلم “ذهب مع الريح” شاهداً على حلم خليل بالقبلة المرجوة من نوفة التى رأى نفسه يماثل فيها كلارك جيبل، وآخر فوتوغراف يتماهى مع ولادة نوفة الأسطورية وغموض زواجها وليلة فضّ بكارتها وهكذا.
كان لكل ّعمل فنى دوراً مختلفاً فى كلّ فصل، أو لنقل: كان له “شراكته” المختلفة. فهل بإمكاننا وصف جملة تلك الأعمال وانضفارها بالمكتوب اللغوى القائم على الذاكرة، والمتخيَّل، والتسجيل التوثيقى لبعض مجريات الرواية من مذكرات واقتباسات، خطوة باتجاه نصّ عابر للسرد الروائى المحض؟ ربما، ولكن بتحفظ كبير واحتراس من السقوط فى المبالغة أو المغالطة!
فى الفصل الثانى “مرايا وكهوف”، بداية تعريف بنوفة، أم اليتيم وهى إحدى الشخصيات الثرية المحورية فى الرواية...رسمت شخصية نوفة لتكون من بين الشخصيات فائقة الجمال تكويناً فى الأعمال الأدبية المعاصرة، إذ تجمع ما بين الواقعى والأسطوري. هل ترمز بشكل ما إلى العذراء مريم عليها السلام؟
إنها المرّة الأولى التى أواجَه بهذا السؤال الطالع من قراءة جديدة للرواية، جديدة ومغايرة وذاهبة صوب تأويل لم يخطر لى وقتَ كتابتى لها! فرغم ورود مريم العذراء فى أحد المشاهد داخل الكنيسة، كأيقونة تُشعلُ لها نوفة الشموع، فإنّ فكرة جعلهما فى حالة تَماهٍ أو تماثل، لم أعمل عليها أبداً. وقراءتك التأويلية هذه تضعنى وجهاً لوجه أمام احتمالات النصّ لتعدد التأويلات بعدد القراءات، وإنه، فى الحقيقة، لأمرٌ يفرحني.
تسامَت مريم العذراء من خلال حَبَلها من “الروح القُدُس”، وولادتها للمسيح، وهذا هو الشطر المؤسطَر فى شخصيتها. أما نوفة؛ فشخصيّة ملفوفة بالغموض والالتباس بداية من ولادتها “الأسطورية” فى كهف صحراوى تحت حراسة ذئبة، ثم فى توالى فصول حياتها؛ إذ شابَ كلُّ حدث محورى فى حياتها التباسٌ ما – فكانت مجمل مصائر المحيطين بها رهن أسئلة بلا إجابات حاسمة: زوجها الغامض كشخص والغائب بلا عودة، حبيبها اليونانى رسّام الأيقونات، ابنها الباحث بلا جدوى عن هوية له يستريح إليها، اختفاء الحاج البخارى اللغز، ثم هى نفسها فى “المَنام الجنسى الحميم” وقد ترك علاماته الحِسيّة على جسدها، ومصيرٍ أو نهاية لا أحد يجزم بها!
لقد تعمقَت نوفة وباتت توحى بأكثر من مستوى كلّما كنت أتابع الكتابة حينذاك. ولعلّى لا أجانب الدقة إذا قلتُ إنّ شخصيتها المركبة توالدت بحكم “منطقها الخاصّ”، فكُتبت!
أرى أن شخصية نوفة جعلت من “غريق المرايا” رواية شخصيات وليست أحداثا، حيث تبدو الأحداث من بعيد كخيوط واهية.. تنداح الأحداث بشكل عام بين ثنايا الشخصيات فيتبادلا الخصوبة.
رؤيتك دقيقة تماماً. لعلها واحدة من المرّات القليلة، على ما أذكر، التى لجأت فيها إلى تخليق الأحداث واستعادتها بأماكنها وتواريخها من خلال الشخصيات. ولأننى بصدد كتابة عمّان، المدينة فى حالات التحوّل التى مرّت بها – وهى عديدة؛ كان لا بد لى من رسم وإعادة رسم مجموعة من الشخصيات التى عرفتها عن قرب، وذات صلة بالفترات الزمنيّة المُشار إليها داخل فصول الرواية. فالشخصيات، كما أفهمها، هى ذواتٌ مفردة مطبوعة بتاريخٍ المكان وأحداثه والمصائر الآخذة بأبنائه. ولذا، سيكون من الأخطاء القاتلة رسم شخصيات تتنافى مع الأمكنة التى حَلَّت بها، وتجافى ملامح الفترة التاريخية حيث تحركت وفقاً لأعرافها وطقوسها اليومية. فنحن، كما نعرف، أبناء زمانٍ محدد يحفل بأحداث تخصّه، وقاطنو أمكنةٍ مؤطرة بطبيعة علاقات تخصّها.
فكما الأحداث تفعل فى الشخصيات تغييراً وتحوّلاً فى المصائر (شخصية شكيب أفندي، وخليل، ونوفة)، فإنّ الشخصيات، بدورها، تملك دوراً فى تغيير حيوات بعضها بعضاً (مثال هذا نوفة وزواجها من رجل غامض غاب ولم يعد، واختفاء الحاج البخارى وعلاقته بترحال اليتيم.) ثمّة شبكة من علاقات التفاعل، التأثر والتأثير، القصدى الواعى والعفوى بلا تدبُّر، بين الأحداث والشخصيات الصانعة لها من جهة، وأخرى مطبوعة بتلك الأحداث حتماً من جهة أخرى.
هل يمثل رمز المرايا التى تكررت عبر فصول الرواية تساؤلا عن الهوية؟
أعتقد أنّ الرواية كُتبت وفقاً لحالات المرايا وانعكاساتها المتعددة...حالات لمرايا الشخصيات حين تتواجه فتتخلق الصور، فتكون على حواف الحقائق ولا يقين.
والسؤال الذى يشغلنى كلّما شرعتُ بالكتابة: ماذا ستكتب؟ أستكتب الرواية؟ أم ستكتب روايتك؟ أم ستكتب عالماً تزعم أنه هناك فى الخارج، بينما أنتَ فى الحقيقة تكتب ذاتك المتسائلة ولا تمسك بأيّ شيء يتماسك للأبد؟
ربما تتضمن الرواية، عبر مجمل شخصياتها، طرح سؤال الهوية ومعناها. وهذا السؤال بقدر ما يتعلّق بأغلب تلك الشخصيات، فإنه يمتدّ عميقاً إلى هوية عمّان كمدينة حديثة قيد التكوّن والتبلور. فلا من شيء محسومٌ فى وضوحه أو استقراره على حال. واقع المجتمع الأردنى عند مرحلة البكارة، وفى خروجه من هيولته السائلة، يعمل على تقليب الهويات المرتبطة به اتساقاً مع تقليبها هى له من خلال تمكنها من ترسيخ أمكنةً ومَكانةً لوجودها فيه. وعلى هذا النحو يكتسب المجتمع، بأفراده الممثَّلة بشخصيات ذات فرادة وخصوصيّة، هويته وبالتدريج.
لكنها هوية تبقى رهن التساؤل، هوية رجراجة، هوية ليست على استقرار مكين ما دامت الأحداث العاصفة بالمنطقة (حرب فلسطين والهجرة الكبرى 1948، ثم كارثة 1967 والنزوح القسري، وبعدها أحداث أيلول 1970) تعمل على إحداث” تشرخات” فى بنيته و”تورمات” من جهة، ومن جهة أخرى تزرع فى أرواح الشخصيات بذور عدم اليقين من ماهياتهم، أو مصائرهم بالأحرى، ما يؤدى إلى سؤال الهُوية. وإنه سؤال بقدر ما يتصل بالذات الفردية؛ فإنه، وفى الوقت نفسه، ينال من رسوخ ملامح الذات الجماعية.
إنّ غموض شخصية الزوج العابر لجسد نوفة، التى هى نفسها مجهولة الانتماء الحقيقى لأبٍ شرعيّ، كان أن جاء بابنٍ يتيم يبحث عن هوية له دون جدوى! وإذا ما كان اتخذ لنفسه “أباً تعويضياً” من خلال الحاج البخارى الذى أورثه خزانة كتبه، فإنّ هذا “الأب الثاني” اختفى بدوره فى ظرف غامض.. تماماً كاختفاء “الأب الأوّل”، تماماً كاختفاء الأم نوفة، وهكذا دواليك لتظل “الهوية” محفوفة بالظنون والتخمينات.
السؤال عن الهنا والهناك فى فصل “سؤال الجهات”، هل هو سؤال عن الانتماء، انتماءك الشخصى إلى القدس أو عمّان مثلا؟
فى الحقيقة، لم يخطر لى هذا على الإطلاق ولم أتقصّد التصدى له، برغم الظلال التى “قد” تشير إليه، ومراوحتى بين هاتين المدينتين.
تمثَلَت حيرتى فى هذا الفصل بالتوق إلى معرفة “الجهة” – أيّ جهة-، ليتسنّى لى معرفة “الجهة أو الجهات” الأخرى. أن أحدد، بيقينٍ حاسم، السبب فى ضياع فلسطين، وتفتت أحلامنا فى تحريرها، وتحريرنا نحن أنفسنا، وبالتالى فإنّ معرفة “الهُنا” وترسيمها خطوة تفتح لنا الطريق إلى معرفة “الهُناك” وترسيمها!
لم تكن الأغوار الأردنية/ الفلسطينية، والبحر الميت، كموقع لطرح سؤال الهنا والهناك، مجرد أمكنة عشتها عملياً. إنها أوطأ بقعة على وجه الأرض، كأنها سُرَّة الكون أو خاتم بطن العالم وقِرْطه، وكذلك إنها أرض السبخات المِلْحيَّة الناتجة (بحسب الأسطورة) عن أعظم قَصاص أنزله الرب بالبشر عندما أحرق “سدوم وعمورة” بجميع سكّانها بالنار والكبريت جرّاء خطاياهم، آمراً “لوط” بمغادرتها رفقة أهل بيته ناصحاً بعدم الالتفات للوراء! غير أنّ امرأته التفتت.. فاستحالت تمثالاً من الملح! وهكذا أماتَ الملحُ البحيرة ذات المياه الحيّة وسط الأغوار السحيقة، فكانت “البحر الميت”!
فى هذه “الجغرافيا” النادرة بإمكاننا قراءة “تاريخ ما” وتأويله وتأويل “اتجاهاته” أيضاً. إذا التفتنا شرقاً، تكون “الشريعة” أو نهر الأردن، حيث عَمَّدَ يوحنا المسيحَ بالماء وأعلنه مخلصاً فرفرفت الحمامةُ فوق رأسه. وكلّما واصلنا غرباً، نصعد باتجاه القدس، مدينة الله. وفى الطريق إليها نرتقى جبلَ “قرنطل” الشامخ، أو “جبل التجربة”، المكان الذى واجهَ فوقه المسيحُ الشيطانَ وهزمه فى تجربة إغوائه بالطعام والكفّ عن الصيام!
كلّ هذه التيمات المكتنزة بتعدد الإشارات والإحالات تحضرُ فى هذا “الهُنا” المكانيّ، وإذا ما أضفنا إلى “الأسطورة” ما هو معاصرٌ وقد تمثَّلَ بالجندي، والشاحنة الثقيلة وقد ثقبت عجلتها، والصعود إلى المعسكر، فى إشارة إلى فترة ما قبل حرب حزيران/ يونيو 1967؛ فإننا كمن يجهد للعثور على نقطة بداية تسعفه فى التقاط ما بعدها وبعدها وبعدها، إلخ. فبين التاريخ المؤسْطَّر الماثل فى المكان الأوطأ فى العالم، والحاضر المدمى بالهزيمة ينغلُ فى عين المكان، يصبح التأويلُ مشروعاً مفتوحاً لكل الاحتمالات بينما يتنقل بين الماضى والحاضر: بين المؤسطر والواقعي: بين التمثيل الحِسّى والتجريد الذهني: بين “الصعود” إلى علياء القدس (النصر) أو السقوط فى الحفرة الأعمق فى الأرض (الهزيمة).
كنتُ أبحث، فى هذا الفصل عن بداية جواب ربما أعثر عليه وسط كل تلك المجازات، لسؤال عن “الخلاص”! كنتُ قد صرختُ، على لسان إحدى الشخصيات: “أين ال هُنا يا رجل حتّى أعرف أين ال هُناك؟” مفتتحاً ذاك الفصل.
أحببت توهانك فى تجليات وخصوصيات الذات الأنثوية فى الأسواق الشعبية وشعرت أنه صوتك الخاص، جزء من سيرتك الذاتية...صحيح؟
شكلت تلك المنطقة من عمّان جزءاً أساسياً وحميماً من فترة صِباي، وسط البلد القديمة، حيث الأسواق الشعبية الضاجّة بحيوية الحياة وتناقضاتها، والمفارقات المدهشة التى يبثها الناس المتجولون فى أرجاء المكان المكتظ بحشودهم. ولأنّها فترة الصِبا/ المراهقة، كما أشرت، فإنها ارتبطت بالتشوق إلى الأنثى/ المرأة، وإحالة كلّ ما يمكن للمراهق أن يتخيّله إلى النساء المتحركات فى قلب عمليات البيع والشراء، والتحديق فى أغراضهن من بضائع ذات صِلة بعوالمهن المتخيلة، المشتهاة، السحرية! ومن ثم إعادة تخليقها وفقاً للرغبات الدفينة!
نعم، إنها نُتَفٌ من مشاهد كنتُ رصدتها بوعى تلك الفترة، وبالتالى شظايا من سيرة تجوالى هناك، وإضافة ما أسعفتنى به المخيلة فى لحظات الكتابة.
شخصية خليل أيضاً من الشخصيات الثرية وفضيلته أن يلعب دور المرآة ليعكس ضوءاً أكبر على نوفة وابنها اليتيم.
هذا صحيح، إضافة إلى أنّ شخصية خليل مَثَلَّتْ شريحة واسعة من الفلسطينيين الذين وفدوا إلى عمّان من أرجاء “الضفة الغربية” التى كانت، وقتذاك، ضمن المملكة الأردنية الهاشمية. فهو بقدر ما كان مرآة عاكسة لنوفة والصبي/ اليتيم، عبر افتتانه بالأولى وحدبه على الثانى بوصفه صديق ابنه أكرم؛ فإنه شكّل ملامح رجال طبقته الاجتماعية، وخلفياتهم القِيَميَّة ذات الأصول الريفية، وطبيعة أحلامهم وطموحاتهم.. المعلنة والسِّريَّة فى آن.
وإذا كان لخليل من فضيلة أخرى، إضافة لِما أشرتِ إليه، فإنه مَثَّلَ أحد جسور العبور من مرحلة زمنية اتصفت بطابع سياسيّ انتقاليّ (وحدة الضفتين الشرقية والغربية للأردن)، إلى أخرى اتسمت بحراك نضاليّ مسلّح كان أن خسر فيها ابنه البكر (احتلال الضفة الغربية 1967، وولادة الكفاح الفلسطينى المسلّح، وحصار بيروت 1982 واحتلالها).
شخصية شكيب أفندى أيضاً من الشخصيات الحيوية التلقائية خفيفة الظل هل تعكس روحك وجانباً من شخصيتك أم هى مرآة لشخصيات عابرة فى المدينة؟
شكيب أفندى شخصية تم تخليقها من شخصيتين عرفتهما حقاً، فترة صِباي، وكانتا قريبتين من أبي. ولعلّى قمتُ برسمها آخذاً بالاعتبار عدة ركائز، أو إلماحات بالأحرى، هي: حكمة عجائز ذاك الجيل المتحصلّة عن تجارب تبدو “غريبة”، إذا ما سُرِدَت الآن! تجارب أشبه ب”مغامرات” المتسكعين غير الآبهين بالحدود الفاصلة، والواهبين أنفسهم لحياة قد تأخذ بمصائرهم إلى التهلكة! وكذلك: الحياة “القاحلة” التى يعيشونها فى أواخر أعمارهم، عُزّاب بلا زوجة أو أبناء، وحيدون، يقتاتون على “فتات” الماضى وأيامها الجميلة.
أما عن الشَبَه بين روحى وشخصيتى وما يتوافر لدى شكيب أفندي؛ فلن أقول جديداً إذا ما أخبرتكِ إنى أرى فى الشيخوخة (خلافاً لمعظم الناس) نوعاً من الدفء والحميمية، وليس مجرد ترهل وعجز وموت زاحف. فالشيخوخة، إنْ نظرنا إليها من زاوية مغايرة، ليست “أرذل العُمْر”.. طبعاً هذا يعتمد على شخصيات بعينها. فهى قابلة لأن نراها “وَهَج العُمْر ومنارته العالية.”
فى الفصل الثامن بورتريه لنيقولاس خريستوس فنان الأيقونات المسيحى اليوناني، يقع فى حب نوفة. تأتى رغبة نيقولاس فى أن تكون نوفة شبيهة العذراء ليؤكد على حدس القارئ عن تماس شخصية نوفة مع العذراء فى الفصول السابقة...فهل قصدت أن تطرح رؤية مغايرة عن تسامح الأديان، “فالحب فوق أى ديانة” كما يقول نيقولاس؟
هكذا أراد نيكولاس أن يرى نوفة! أشبه بمريم العذراء، بوصفها أيقونة قَداسة من جهة، وبورتريه جَمالى “للمرأة المستحيلة” من جهة أخرى. مستحيلة كونها تجافى كلّ المواضعات الاجتماعية الكفيلة بأن تكون “مؤهلة” أو “مناسبة” لرجلٍ يملك مكانةً يحترمها المجتمع!. فالمرأة الأُميّة مجهولة النَسَب، الزوجة مجهولة الزوج، الأم التى تخدم كعاملة نظافة فى المستشفى، وتعين النساء على العناية بشعرهنّ وتصفيفه، قليلة الكلام، لا من جَمالٍ فيها بل “فِتنة ما” أشبه بالسحر الخافت!
مجموع هذه الصفات جعلَ منها نيكولاس الفنّان اليوناني، المسيحي، الأقرب إلى راهب يحترف رسم الأيقونات، نقيضاً لظاهرها، رائياً فيها جمالاً آسراً لم يره سواه! وربما لأنه “مغاير ومختلف” فى كلّ شيء يخصّه، متمرداً على العسف والديكتاتورية فى بلده، فلقد شكلت نوفة المسلمة وجهاً آخر لشخصيته هو: وجهاً مُكْمِلاً: وجهاً يزيح التناقض المصنوع بين البَشَر ويلغيه: وجهاً يكشف زيف الأغطية السميكة الثقيلة التى “تخنق حقائق الجوهر” فى الإنسان.
ولأنّ هذه الحالة الجامعة لكليهما، حالةٌ يمكن اعتبارها “خارج السياقات”؛ فإنّ مصيرهما – أو أحدهما- (نوفة) كان لا بد من أن يذهب فى المجهول! وهذا كلّه إنما يشير إلى تأكيد رؤية المسيح للإنسان فى العالم من جهة، ورؤيتى أنا للمسيح نفسه وقد تماهى نيكولاس معه. أو كأنما هى قصة المسيح مع مريم المجدليّة، التى تتكثّف في: “مَن كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بِحَجَر!” وقد تحوّلَت هنا إلى: “مَن كان منكم خالص الصفاء والنقاء، فليرمِ نوفة بِحَجَر!”.
تحمل نهاية الرواية اغتراباً جديداً حيث اليتيم، الكاتب والبحار، يغيب فى رحلة جديدة ويرافق امرأة لا يعرفها ليكرر مرة أخرى صورة قريبة الشبه من زواج أمه من رجل لم تعرفه.
كأنّ الحياة برمتها رحلة عبور فى أفعالٍ لا تحتاج للكلام. لكننى أرى فى الكلام، كما فى الكتابة ذاتها، محاولة إنسانية خالدة لتقريب العالم منا (بأفعالنا فيه وأفعاله فينا) وذلك من أجل فهمه..ومن أجل فهمنا نحن أيضاً. ولن نحظى بفوزٍ كامل، أبداً.
إذن: فلنمارسْ قليلَ الكلام، أو الصمت، حين ننجز أفعالنا، ولنتركْ للكتابة مجالها فى تفسيرنا النسبى فى ما بعد- وإنْ كان تفسيراً مخاتلاً أشبه بالمرايا المغبشة! ونغترب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.