في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن إخضاع المؤسسة العسكرية الأمريكية، للبيت الأبيض وتوظيفها لخدمة أجندات سياسية، أثار قرار وزير الدفاع بيت هيجسيث الأخير بإقالة نحو 20% من القيادات العسكرية موجة من الجدل داخل أروقة الكونجرس الأمريكي. القرار، الذي وصفه بعض النواب بأنه "مشحون بأهداف سياسية"، يُعيد إلى الواجهة النقاش المحتدم حول مدى استقلالية الجيش في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط اتهامات بأن الإدارة الحالية تسعى لإحكام قبضتها على المؤسسات المستقلة، وعلى رأسها وزارة الدفاع "البنتاجون". هل تسعى إدارة ترامب لإعادة هيكلة البنتاجون أم فرض الولاء؟ يقول عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي والمحلل السياسي، مهدي عفيفي، إن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أعلن، خلال استبيان في الكونجرس، عن خطة لإقالة ما لا يقل عن 20% من قادة الحرس الوطني و10% من قيادات باقي أفرع الجيش، مبررًا هذه الخطوة بأن عدد القيادات بات مفرطًا، وأن هناك إمكانية لدمج قيادات بعض المناطق المتقاربة جغرافيًا، مثل قيادة أوروبا وشمال أفريقيا. ويؤكد الدكتور مهدي عفيفي، خلال حديثه ل"مصراوي"، أن هذا القرار لاقى معارضة من بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، الذين رأوا أن بعض هذه الإقالات جاءت بناءًا على أغراض "سياسية" في محاولة من البيت الأبيض لكسب ولاء الجيش، لكن هذا غير متعارف عليه وغير مقبول في النظام الأمريكي. ويشير إلى أن السبب الآخر لمعارضة القرار، يعود إلى الخبرة الطويلة التي تتمتع بها قيادات الجيش في إدارة المناطق المختلفة حول العالم؛ الأمر الذي يمكنه التقليل من كفاءة الجيش الأمريكي العامل في مناطق مختلفة حول العالم. ويذكر عفيفي، أن وزير الدفاع الحالي بيت هيجسيث، يُعرف بوجود خلافات واعتراضات مع عدد من قيادات الجيش، الذين يتمتع كثير منهم بخبرة وأقدمية تفوقه، وهو ما يُعد أحد الأسباب وراء اعتراض بعض أعضاء الكونجرس على قراراته الأخيرة. ويعتقد عضو الحزب الديمقراطي، أنه على الرغم من الانتقادات داخل الكونجرس الأمريكي، إلا أن هذا القرار سيمر كما مرت العديد من القرارات السابقة، ويرجع ذلك إلى سيطرة الحزب الجمهوري على عضوية الكونجرس. وأكد أن هناك محاولات لتسييس المؤسسة العسكرية، تمثلت في تخفيض عدد أفراد الجيش، فضلًا عن تغيير بعض المواقع كما تم عزل جو كاسبر، كبير موظفى وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث، ليكون خامس مسؤول بوزارة الدفاع "البنتاجون" يغادر منصبه في إدارة الرئيس دونالد ترامب. تسريبات "سيجنال" وأزمة الثقة وتابع عفيفي: كما لعبت فضيحة تطبيق "سيجنال" دورًا في هذا القرار؛ إذ نتج عن هذه الحادثة التي تكررت مرتين: الأولى خلال انضمام رئيس تحرير صحيفة "ذا أتلانتيك" جيفري جولدبردج، عن طريق الخطأ إلى محادثة سرية في مارس الماضي، تضم مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ونائب الرئيس جيه دي فانس، وكان كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية يناقشون خلالها خططًا عسكرية سرية للهجوم على جماعة الحوثي في اليمن. والثانية في أبريل الماضي، إذ أثار وزير الدفاع الأمريكي الجدل، بعدما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلًا عن مصادر مطلعة، أن هيجسيث، قام بمشاركة معلومات عسكرية حساسة تتعلق بالغارات الجوية في اليمن عبر مجموعة دردشة على تطبيق "سيجنال". وتضمنت الرسائل التي نشرها هيجسيث جداول زمنية دقيقة للغارات التي تستهدف مواقع تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن. وقالت المصادر، إن المجموعة التي شارك فيها وزير الدفاع تلك التفاصيل كانت تضم زوجته وشقيقه ومحاميه، إلى جانب نحو 10 أشخاص آخرين من الدائرة الشخصية والمهنية الخاصة به. وجراء الحادثتان، نشأت تخوفات لدى الإدارة الأمريكية دفعتها إلى البحث عن "أهل الثقة" حول وزير الدفاع، وفي نفس الوقت إيجاد بعض القيادات الموالية للرئيس دونالد ترامب، كما أعلن الأخير أنه نصح موظفيه بعدم استخدام تطبيق "سيجنال" بعد أزمة التسريبات. ويعتقد المحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي، أنه على الرغم من المحاولات المتكررة لجعل المؤسسة العسكرية موالية للمؤسسة السياسية، فإنها لن تنجح، إذ يتمتع الجيش الأمريكي باستقلالية عن باقي المؤسسات. وأشار إلى أن الأمر لم يقتصر على المؤسسة العسكرية، بل حاولت الإدارة الأمريكية فعل ذات الشيء تجاه القضاء والمحكمة الدستورية العليا. ففي ولاية دونالد ترامب الأولى، رشح 3 قضاة يحسبوا على اليمين وهذا الأمر غير موجود في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية الحديث. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن القضاء ظل يتمتع باستقلالية عن المؤسسة السياسية ولم تتأثر أحكامه بالرئيس الأمريكي. ويختتم الدكتور مهدي عفيفي حديثه قائلًا، إنه بالفعل هناك محاولات لتسييس مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات المستقلة مثل الجيش والقضاء؛ إلا أنه مازال هناك رفض قوي داخل الكونجرس الأمريكي لمنع تسييس هذه المؤسسات. حياد الجيش الأمريكي تحت الاختبار في عهد ترامب وتتفق مع عضو الحزب الديمقراطي مهدي عفيفي، محامي الأمن القومي الأمريكي وعضو مجلس إدارة مركز واشنطن الخارجي لحرب المعلومات، إيرينا تسوكرمان، في أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعمل على تسييس مؤسسات الدولة المستقلة وإكسابها ولاء المؤسسة السياسية. وتقول تسوكرمان، خلال حديثها ل"مصراوي"، إنه لطالما احتفظت المؤسسة العسكرية الأمريكية بمكانة خاصة في الحياة السياسية الأمريكية، تقوم على مبدأ الحياد والانضباط بعيداً عن التجاذبات الحزبية، إلا أن فترة حكم دونالد ترامب أعادت طرح هذا التوازن التاريخي إلى الواجهة، مع قرارات أثارت الجدل بشأن استقلالية وزارة الدفاع "البنتاجون" واحترام الأعراف الديمقراطية. وتشير إلى أنه منذ تولي ترامب رئاسة الولاياتالمتحدة في يناير الماضي، شغلت قراراته المتعلقة بوزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية حيّزًا كبيرًا من الجدل السياسي والإعلامي. فقد اتُّهمت إدارته مرارًا بمحاولة استمالة الجيش وتوظيفه سياسيًا لخدمة أجندات انتخابية وشعبوية. وتذكر الدكتورة إيرينا تسوكرمان، أن القرارات انتقلت من تعيينات مثيرة للجدل في المناصب العليا داخل البنتاجون، إلى استخدام رموز عسكرية في مناسبات حزبية، مروراً بمحاولات إشراك الجيش في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية. إصلاحات شكلية أم ولاء سياسي؟ وتوضح تسوكرمان، أن تفكيك مؤسسات الدفاع في عهد ترامب كان يستهدف ما يُعرف ب"الدولة العميقة"، وهي في الأصل شبكة بيروقراطية غير خاضعة للرقابة، لكن في منظور ترامب، أصبح المصطلح يُستخدم لإدانة أي مؤسسة لا تنفذ توجيهاته السياسية بالكامل، خاصة تلك التي عارضت سياساته مثل الانسحاب من أفغانستان أو انتقاد حلف شمال الأطلسي "الناتو". وتقول محامي الأمن القومي الأمريكي إيرينا تسوكرمان، إن القرارات التي أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب اتخاذها بهدف تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، لم تكن في حقيقتها إلا محاولة لإحكام السيطرة على مؤسسة- يعتبرها مؤيدو ترامب المتشددون فاسدة ومعادية لأجندتهم-، من خلال إقالات للقيادات المدنية واختبارات ولاء خفية. وتعتقد تسوكرمان، أن هذه القرارات تهدف لإعادة توجيه مؤسسة ضخمة ومتجذرة مثل وزارة الدفاع، تُعتبر الطاعة السياسية أمرًا أساسيًا. ومن لا ينخرط في رؤية الرئيس، سواء بدافع المبادئ أو الجمود البيروقراطي، يُنظر إليه ليس كمخالف، بل كعقبة يجب إزاحتها. وتتابع، إن هدف ترامب لم يكن مجرد استعراض سياسي، بل إعادة تشكيل استراتيجية الدفاع بتحويل التحالفات إلى اتفاقات خدمية، وتقليص البيروقراطية لصالح فرق سريعة التنفيذ يقودها موالون ينفذون الأوامر بدقة دون نقاش. وحذرت الدكتورة إيرينا تسوكرمان، من أن تسييس الجيش يهدد بتقويض المعنويات الداخلية، وإضعاف الثقة بين القيادات المدنية والعسكرية، ويُفقد الولاياتالمتحدة مصداقيتها الدولية، حتى لو بدا ذلك مجرد انطباع.