حسين أبو حجاج يعلق على واقعة محافظ المنيا ومدير المدرسة: «الدنيا بخير»    الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية تشارك في بطولة العلمين للجامعات    محافظ الفيوم: النزول بالحد الأدنى للقبول بالتعليم الثانوي إلى 221 درجة    الفجر في القاهرة 4.46.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة بالمحافظات غداً الثلاثاء 12 أغسطس 2025    ضوابط صرف الكتب المدرسية للمدارس الخاصة والدولية للعام الدراسي 2025-2026    طلعت مصطفى تسجل أداءً ماليًا تاريخيًا في النصف الأول من 2025 بمبيعات 211 مليار جنيه وأرباح قياسية    إصدار 1188 ترخيص إعلان.. والمرور على 1630 محلا ضمن حملات إزالة الإعلانات العشوائية بالمنيا    الحجز متاح الآن.. شروط التقديم على شقق سكن لكل المصريين 7    رجل السياحة الأول في مصر.. هشام طلعت مصطفى يواصل التألق في قائمة فوربس    لأول مرة من أسبوع.. هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بختام التعاملات اليوم    محافظ الإسكندرية يتفقد بدء تنفيذ مشروع توسعة طريق الحرية    رئيس الوزراء البولندي يعلن تخوفاته من لقاء بوتين وترامب بشأن الحرب مع أوكرانيا    حزب الله: لن تستطيع الحكومة اللبنانية نزع سلاحنا    «تضم 27 لاعبًا».. مسار يعلن قائمة الفريق استعدادًا ل دوري المحترفين    فيبا تضع مباراتي مصر ضمن أبرز 10 مواجهات في مجموعات الأفروباسكت    تعرف علي موعد مباراة منتخب مصر وبوركينا فاسو فى تصفيات كأس العالم 2026    الشربيني رئيساً لبعثة الشباب إلى المغرب    مصرع شخص في تصادم على الطريق الزراعي بطوخ    إحباط تهريب 32 طن بنزين وسولار بمحطات تموين بالإسكندرية (صور)    لحمايتهم من ارتفاع درجات الحرارة.. وقف عمل عمال النظافة خلال ساعات الذروة في المنيا    جدل بعد مشاركة محمد رمضان في حفل نظّمته لارا ترامب.. دعوة خاصة أم تذكرة مدفوعة؟    ذكرى رحيل نور الشريف.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته وموقف عائلته من السيرة الذاتية    12 Angry Men وثيقة فنية دائمة الصلاحية |فضح الحياة .. لا تمثيلها!    هل يُسبب الشاي أعراض القولون العصبي؟    نجم الدوري الألماني يختار النصر السعودي.. رفض كل العروض من أجل كريستيانو رونالدو    "هل الخطيب رفض طلبه؟".. شوبير يفجر مفاجأة بعد مكالمة وسام أبو علي    15 صورة وأبرز المعلومات عن مشروع مروان عطية الجديد    حريق ضخم فى "آرثرز سيت" يُغرق إدنبرة بالدخان ويُجبر الزوار على الفرار    وزير الزراعة و3 محافظين يفتتحون مؤتمرا علميا لاستعراض أحدث تقنيات المكافحة الحيوية للآفات.. استراتيجية لتطوير برامج المكافحة المتكاملة.. وتحفيز القطاع الخاص على الإستثمار في التقنيات الخضراء    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    جريمة أخلاقية بطلها مدرس.. ماذا حدث في مدرسة الطالبية؟    سحب 950 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    وزير الري يؤكد أهمية أعمال صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    هآرتس: نتنياهو يواجه صعوبات في تسويق خطة احتلال غزة    رغم رفض نقابات الطيران.. خطوط بروكسل الجوية تُعيد تشغيل رحلاتها إلى تل أبيب    فتوح أحمد: الإعلام الرياضي ومَن يبثون الفتن هاخدهم معسكر بسوهاج 15 يومًا- فيديو وصور    بفستان جريء.. نوال الزغبي تخطف الأنظار بإطلالتها والجمهور يعلق (صور)    "رٌقي وجاذبية".. ناقد موضة يكشف أجمل فساتين النجمات في حفلات صيف 2025    خالد الجندي: كل حرف في القرآن يحمل دلالة ومعنى ويجب التأدب بأدب القرآن    أمين الفتوى يحذر التجار من هذه التصرفات في البيع والشراء    ما يقال عند المرور على مقابر المسلمين.. المفتي يوضح    فريق مصري في طريقه.. الاتحاد الليبي يتأهل للكونفدرالية بمشاركة كهربا    «عبدالغفار»: «100 يوم صحة» قدّمت 40 مليون خدمة مجانية خلال 26 يومًا    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    ضبط 8 أطنان خامات أعلاف مجهولة المصدر بالشرقية    ترامب يطالب بالتحرك الفوري لإبعاد المشردين عن العاصمة واشنطن    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    الشاطر يكتسح شباك التذاكر.. وأمير كرارة: من أحب التجارب لقلبي    بعد مصرع شخصين وإصابة 7 آخرين .. التحفظ على كاميرات المراقبة فى حادث الشاطبى بالإسكندرية    الرعاية الصحية: إنقاذ مريضة من فقدان البصر بمستشفى الرمد التخصصي ببورسعيد    «لمحبي الصيف».. اعرف الأبراج التي تفضل الارتباط العاطفي في أغسطس    ضبط عاطل بالجيزة لتصنيع الأسلحة البيضاء والإتجار بها دون ترخيص    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    لليوم ال 11.. «التموين» تواصل صرف مقررات أغسطس    طب قصر العيني تطلق أول دورية أكاديمية متخصصة في مجالي طب الطوارئ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في البدء كانت القراءة
نشر في نقطة ضوء يوم 13 - 04 - 2017

قد يبدو هذا العنوان في ظاهره ردا أو سجالا مع كتاب جين فرانسوا بيلتر في البدء كانت الكتابة، فالقراءة هي أيضا كتابة لكن من خلال التفاعل لا الانفعال فقط، وما صدر من كتب عن القراءة، سواء من حيث تاريخها أو يومياتها ككتابي البرتو مانغويل، أو من حيث جدليتها بين المرسل والمرسل إليه ككتاب «القارئ» لفرجينيا وولف العادي، وكتاب دانيال بناك «متعة القراءة»، فإن نقطة التقاطع في هذه المطارحات هي أن القراءة تتجاوز الضرورة إلى شرط الوجود، فهي كما وصفها جورج ستاينر تغيّرنا، بل تحررنا من سجن الذات، ومن يكتبون أكثر مما يقرأون يشبهون الماعز الذي ينقطع عن الرضاعة ويبلغ سن الفطام كي يتفرغ لإفراز الحليب.
وفي كتابيه «تاريخ القراءة» و»يوميات القراءة» يقدم البرتو مانغويل بانوراما تشمل مختلف أبعاد هذا النشاط الذهني، بحيث تصبح المقولة اليسوعية في البدء كانت الكلمة قابلة للتأويل، فالكلمة تقرأ وتكتب أيضا، وفي الحالتين هي الامتياز الآدمي الذي جعل للبشر دون سواهم من الكائنات تاريخا مدونا، لكن ما الذي يعنيه ستاينر بقوله إن القراءة تغيّرنا؟ هذا السؤال طالما الحّ عليّ وأنا أرى أناسا يقرأون كثيرا لكن ما يقرأونه ينزلق عن العينين ولا يصل إلى تلك البؤرة التي تخلق تفاعلا بين القارئ والمقروء، لهذا فالمثقف ليس نتاج قراءته فقط، بل هو الفائض عن هذه القراءات بفصل الجدلية بين المرسل والمرسل إليه.
وحين أصدرت كتابا بعنوان «تجارب في القراءة» قبل عدة عقود كان الفضل في ذلك لعامل من أوروبا الشرقية، قال في مقابلة إذاعية إنه يحزر قيمة النص الذي يقرأه بقدر ما يحدث فيه من تغيير، لهذا فهو قبل قراءة روائي أو شاعر معين ليس هو ذاته بعد تلك القراءة، ولكي لا تصبح القراءة استقبالا سلبيا أو علاقة استهلاكية، فإن القارئ الحصيف يجد نفسه شريكا في الكتاب الذي يقرأه، ولا يعود محايدا كصفحة بيضاء، فثمة روائح وصفات ومناخات ما أن يرد ذكرها في كتاب حتى تطفو على سطح الذاكرة مواقف حجبها النسيان، ويقول هنري ميلر الذي بدأ الكتابة في السابعة والثلاثين من العمر، إنه لو قرأ رامبو مبكرا لما كتب حرفا واحدا، لأنه شعر بأن كاتبا أو شاعرا آخر قال أقواله، بل استبقه إلى التعبير عن شجونه، وهو يذكرنا بالعبارة الشهيرة لدانتوس الذي قال سحقا لمن سبقوني فقد قالوا كل ما يمكن أن أقوله، وهو المعنى الذي عبّر عنه عنترة في مطلع معلقته حين قال : هل غادر الشعراء من متردم.
لكن هناك على الدوام ما يمكن قوله، والموضوعات أو الثيمات الكبرى والخالدة في تاريخ الأدب لا يصعب حصرها، كالموت والزمان والحب والحزن والفرح، لكن لكل موت مذاقه، كما لو أنه الموت الأول، ولكل حب أيضا شجنه، كما لو أنه الحب الأول، وتشابه الدموع لا يعني تشابه الأحزان كما أن تشابه الابتسامات لا يعني تشابه مناسباتها، فقد تكون من القلب وقد تكون للسخرية وقد تكون دبلوماسية أو صفراء.
ومن خلال تجارب شخصية في القراءة وجدت بمرور الوقت أن القارئ يصبح شريكا ليس فقط في الكتابة، بل في النصوص أيضا، ومن هذا المنطلق أحسست بأني نزيل تاسع في بنسيون ميرامار عندما قرأت رواية نجيب محفوظ «ميرامار»، وحاولت الإمساك بذراع زوربا في رقصته السوداء وشاركت همنغواي في غرفة المستشفى وهو يؤجل موت كاترين ما استطاع، وبكيت مع ماركيز على بطله الذي كان لا بد أن يموت، وماركيز نفسه قال إنه ارتمى على سريره أكثر من ساعة وهو يبكي على فراق بطله الذي ودعه رغما عنه، وحين قرأت «رباعية الإسكندرية» لأول مرة، لم أستطع مواصلة القراءة في القاهرة، ذهبت على الفور إلى الإسكندرية، وبالتحديد إلى مدخل فندق سيسل لأرى المرآة الكبيرة ذات الإطار الفضي وأصغي مع داريل إلى الصمت العميق المنبعث من رجلين طاعنين في السن وهما يلعبان الشطرنج، وتذكرت تحت الإضاءة الشاحبة لمدخل الفندق ما قالته جوستين وهو ليس هناك ما يكفي من الإضاءة عندما نريد أن نرى اي شيء بفضول وشغف.
وهنا أتذكر ما قاله ستاينر وهو إن في القراءة الجيدة مخاطر كبرى، ويتساءل هل يمكن أن يقرأ المرء «أنا كارنينا» لتولستوي أو «البحث عن الزمن الضائع» لبروست دون يدرك ضعفا جديدا، أو انبعاثا جديدا في لب مشاعره الجنسية، وهل يمكن لأي أحد أن يقرأ «المسخ» لكافكا ثم يستطيع النظر إلى المرآة دون أن يجفل؟
إن القراءة شأن مفاهيم كثيرة أصابها الانزياح وفقدت دلالاتها وأصبحت في حاجة إلى إعادة تعريف، فما يستحق القراءة ليس الكتاب فقط، بل الطبيعة ذاتها فالبحر كتاب أزرق، وله انفعالاته ومدّه وجزره وكائناته وحروبه التي يغطيها سطح هادئ وخادع وكذلك الغابة والسماء بكل ما تعج به من نجوم وغيوم وآفاق وطيور. وربما لهذا السبب قال شكسبير موعظته الشهيرة وهي قراءة الطبعة باعتبارها خير معلم ومؤلف، وفي لغتنا العربية ثمة تفريق حاسم بين القراءة والاستقراء، فالقراءة قد تكون أفقية، وبالعينين فقط لكن الاستقراء يثقب السطح وينفذ إلى العمق، وأحيانا يتحول إلى سجال فاعل وخلاق بين القارئ والمقروء أو بمعنى أدق المُستقرأ.
إن ما نخسره في غياب القراءة لا يمكن إحصاؤه، لأن اتساع الرؤية يقترن على الفور بضيق العبارة كما قال النفّرى، فهل نعيد بعد ذلك كله تعريف الأمية؟ التي غادرت موقعها في المعاجم لتشمل أكاديميين وكتابا وشعراء صدقوا أن الماعز يرضع لبعض الوقت ثم يتفرع لإفراز الحليب والإرضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.