يتناول هذا الكتاب "الصراع الطبقي في أفريقيا.. المقاومة والصراع" دور عمال أفريقيا الحديث ويعالج ما غفل عنه طويلاً المؤرخون باختلاف مدارسهم من تركيز على التاريخ الاجتماعي - الاقتصادي - السياسي الشامل للعمال. والذين تحملوا مسئولية الإنتاج على مدار تاريخهم ونالوا الفتات من العائد، ويربط بشكل رائع بين كل من الحركة الاستعمارية ومقاومة المستعمر، خاصة فيما يتعلق باستمرار الحركة العمالية في مقاومة التوجهات التسلطية للنظم الحاكمة بعد الاستقلال. ولفت د. السيد علي أحمد فليفل الذي قدم للكتاب الصادر أخيرا عن دار العربي للنشر، أن الكتاب ينطلق من رؤية صحيحة وهي أن مقاومة المستغل المستعمر ليست مبرراً لاستمرار النظم الوطنية في الاستغلال، فالظلم هو الظلم مارسه حاكم أوروبي أم حاكم إفريقي. وصحيح أن العمال صبروا طويلاً على النظم الوطنية وقدروا طويلا الآباء المؤسسين للاستقلال وتلاميذهم، وكان من غير المنطقي أن يتم تنحية كل التطور المسجل في حقوق العمال مع حدوث هجمة الخصخصة في الدول الإفريقية حيث لم يتمكن العمال من الحفاظ على حقوقهم بل وزاد الأمر بحدوث الارتباط غير المقدس بين رأس المال الوطني ورأس المال الذي تمثله الشركات متعددة الجنسيات في عودة جديدة للاستعمار والإمبريالية وإن بنمط استعماري مختلف. بمعنى أصح أقل كلفة للمستعمر وأكثر إيلاما للعمال الأفارقة، وهو الأمر الذي كان محل نظر العديد من المفكرين والزعماء الأفارقة مثال فرانز فانون وكوامي نكروما. الكتاب الذي حرره ليو زيليج الباحث بمركز البحوث السوسيولوجية بجوهانسبرج والمحاضر بجامعة الشيخ أنتا ديوب بداكار، وصاحب مؤلفات مهمة عن الحركات الاحتجاجية في أفريقيا، وترجمه د. محمد عبدالكريم أحمد تتناول دراساته قصة نضال الطبقة العاملة الإفريقية ومقاومتها في أفريقيا، حييث رأى ليو زيليج أن أفكار الماركسية كانت ذائعة بشكل كبير قرابة أربعين عاماً في أفريقيا. وهيمنت على كل نقاش فكري جاد عن القارة وسكنت عقول الساعين إلى الاستقلال. وكان من المعتقد فيه عدم إمكانية التخلص من فقر القارة وتخلفها إلا بتطبيق الاشتراكية، أو بصورة أكثر تحديداً تطبيق النموذج السوفيتي للتنمية الاقتصادية ورأسمالية الدولة. وكان التسرع الذي أعلن به قادة حركات التحرر الوطني إيمانهم بالاشتراكية العلمية، أو الإشادة بفضائل الاشتراكية الإفريقية، أو رؤية مستقبل الماركسية في حكومتي الصين وكوبا الجديدتين، كافياً لإرباك أكثر الناس تعقلاً. وكان تكاثر الماركسية (الماركسيات) ليؤدي حتماً بماركس إلى أن يعلن مجددا "كل ما أعرفه هو أنني لست ماركسياً".على أية حال فإن تطبيق التحليل الماركسي على الحقائق الإفريقية في الفترات الأحدث أصبح نادراً، وكذلك الحال بالنسبة لادعاءات الحركات الشعبية أنها ماركسية أو حتى أنها متأثرة بهذا التقليد نظرياً أوعملياً. وأكد على صلة الماركسية بأفريقيا الحديثة، وأن النموذج السوفيتي للاشتراكية من أعلى "رأسمالية الدولة" ورأسمالية السوق الحرة، والتي استغلت مزاياها من قبل البنك الدولي ومعظم الحكومات، كانا مدمرين بنفس القدر لجموع سكان الدول الإفريقية. وفي كتاب سعى لاستخدام المنهج الماركسي الكلاسيكي لتحليل الاقتصاد السياسي الإفريقي فإنه لأمر جوهري تناول أصول "الماركسية" ومآلاتها والنظر في مدى إمكان تطويع الحقائق الحالية للتحليل الماركسي. لماذا كانت "الماركسية" مؤثرة للغاية في أفريقيا وما العوامل الدولية التي كانت تحجم انتشار هذه الأفكار؟ لماذا أصبحت "الماركسية" أقل تأثيرا؟ وما الذي يفسر على وجه الدقة تزايد وتيرة نضال الطبقة العاملة والمقاومة الشعبية؟ ومن ثم كان تخصيص الفصل الأول لكشف نقاط التحول الرئيسة حول القارة في الخمسين عاماً الأخيرة. وقد ميز ليو زيليج ثلاث فترات، الأولى في الفترة 1945-1970 عندما تحققت الموجة الأولى من الاستقلال في أفريقيا وتعزيز التنمية التي تقودها الدولة، وغالباً من قبل نظم حكم تدعي بأنها اشتراكية. والثانية الفترة 1970-1985 والتي شهدت موجة ثانية من النضال التحرري من قبل حركات راديكالية كانت حاسمة في مسألة الاستقلال وفي تدهور نموذج الدولة الرأسمالية للتنمية في نفس الوقت. والثالثة هي الفترة منذ عام 1985 والمرتبطة بالانهيار السريع للاتحاد السوفيتي (المصدر الرئيس للماركسية الإفريقية) وسيطرة الليبرالية الجديدة والعولمة التي جاءت بالتكيف الهيكلي وخصخصة الدولة في أفريقيا. وقد فشلت كل هذه المراحل، من التنمية بقيادة الدولة إلى الليبرالية الجديدة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في تحقيق التنمية الاقتصادية للغالبية العظمى من الأفارقة. وقال "في كل مرحلة من مراحل تطور الحركات الشعبية في أفريقيا، في الغالب بقيادة الطبقة العاملة في الحضر، فإنها حاربت بقوة ونجاح في الغالب ضد هذا التدمير. كما كانت الثلاثين عاماً الأخيرة، بجانب كونها سجلاً للتدمير الرأسمالي في أنحاء القارة، سجلا ًلافتاً للاحتجاج والثورة ضد الرأسمالية. إن عدم إدراك ذلك يعتبر عودة للفرضيات العنصرية عن القارة "الميئوس منها".وإن لم تكن هذه الثورات والحركات، في التحليل النهائي، قادرة على حل أزمة الرأسمالية الإفريقية، فإنه يجب ألا يتم تجاهلها؛ يجب أن نتعلم دروساً منها، وأن نحلل جوانب ضعفها، ونعتمد على نقاط قوتها، ونحتفي بانتصاراتها. ومن خلال فعل ذلك وحده يمكننا أن نضمن استمرار هذه الثورات وتقويتها مستقبلاً". اختار ليو زيليج دراسات الكتاب لتصب في دور الحركات العمالية الإفريقية، فشملت الدول المتعددة للقارة الأفريقية والتي يرجع اختيارها إلى ما لهذه الحركات من دور فاعل أكثر من غيرها، وذلك تأكيدا على أن المجتمعات الذي تنشط فيها الحركات العمالية يكون الإدراك التاريخي فيها عميقا. وتكون مدركات الصراع الطبقي بذلك واضحة على نحو يجعل الحراك التاريخي أنشط مما يجعل فعل القوى الاستعمارية "الرأسمالية أساساً" يواجه برد فعل عمالي "وطني أيضاً" في إطار هذا الإدراك الطبقي الذي بات يجعل قضية العمال هي قضية الوطن. المدى الزمني الذي يدرسه الكتاب يمتد منذ نشأة التكالب الاستعماري وحتى العولمة، يعني بامتداد من الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى بدايات الربع الأول من الألفية الجديدة، مرورا بالقرن العشرين، والذي شهد نجاحا منقطع النظير سواء للحركات العمالية في مواجهة القوى الرأسمالية المستغلة أو للحركات الوطنية الإفريقية التي كان العمال يشكلون القلب الفاعل فيها، بما في ذلك الوصول إلى النتائج الكبرى في التاريخ الإفريقي والمتمثلة في نيل الحركة الوطنية الاستقلال الوطني وتأسيس أول رابطة إفريقية جامعة (منظمة الوحدة الإفريقية) مرورا بخوض تجربة حربين عالميتين كانتا أشبه بالنار التي صهرت معادن الرجال من عمال أفريقيا الأحرار. وأكد الباحثان شينجا موشاندي شينجا وكينا مسيبنزي كينا إن الرأسمالية في أفريقيا مبنية على إرث مستمر للاسترقاق والاستعمار واستمرار سياسات التكيف الهيكلي المفروضة من مؤسسات مالية دولية في الثمانينيات والتسعينيات. ولفتا إلى إن التناقض المنطقي لأزمة الرأسمالية في أفريقيا يتمثل اليوم إجمالاً في وباء الإيدز الذي يكتسح القارة. وتكمن المشكلة (والحل على نحو محتمل) في تركز ملكية الموارد ونقص محاسبية جلاكسو سميث كلاين، وميرك، وفايزر، وإيلي ليلي، وهم الشركات الأربع الكبرى متعددة الجنسيات في قطاع الدواء. ولا يوقن هؤلاء الرأسماليون الاحتكاريون بالسوق الحر، والذي يرددون فضائله بخضوع تام. ونسياناً منهم أن الملايين يموتون في أفريقيا بسبب أمراض مثل الإسهال، والملاريا، والإيدز الذي يمكن تفاديه أو معالجته في الغرب. إن أدوية الفيروسات مثل AZT و3TC التي يمكنها أن تبقي على حياة 32 مليون شخص أو أكثر من رجال ونساء وأطفال مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في الدول النامية لن تصل لهم لأن الربح أهم من الناس في الرأسمالية. وإن لم يكن هناك ربح فما الجدوى من إرسال أدوية لناس يحتاجون لها لكنهم لا يمكنهم الدفع مقابلها؟ إن هذه الحقيقة لم تؤثر على من يحيطون منا بالعالم المشاركين في شبح بازغ يسكن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركات متعددة الجنسيات، والحكومات الوطنية وهو: معاداة الرأسمالية. وليس من قبيل المصادفة أن أكثر شعارات هذه الحركة الجديدة شعبية "عالمنا ليس للبيع" و"الناس قبل الربح". وقالا "إن الطبقات الحاكمة الإفريقية جزء إشكالي في هذه الكارثة؛ ليس أقلها تطبيقها لبرامج وإفادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مثل نظرائها الغربيين، من "العولمة" الرأسمالية." وكانت النتيجة، على سبيل المثال لا الحصر، أن شيلوبا (زامبيا)، ومانديلا ومبيكي (جنوب أفريقيا)، وموجابي (زيمبابوي)، ونوجوما (ناميبيا) والحكومات التي ادعت سابقًا أنها "اشتراكية" في موزمبيق وأنجولا قد تبنوا وطبقوا سياسات السوق الحر الاقتصادية، واقتصروا على الإشارة لشعار الاشتراكية للحصول على التأييد. وحتى أحزاب المعارضة التي ادعت أنها تمثل الفقراء لم تكن في الغالب أكثر من إحدى صور النخب المعاد تدويرها بدون قاعدة انتخابية جماهيرية، كما في حالة كينياونيجيريا. إن نوع الديمقراطية و"الحكم الرشيد" التي تطالب بها الطبقات الحاكمة الدولية والوطنية اكتسبت شكل كونها نخبوية ديمقراطية، حيث لم تعتبر الغالبية الفقيرة فاعلاً سياسياً وأصبحت حاجاتهم عازف كمان ثاني بعد ربح الشركات متعددة الجنسيات. وأشارا إلى إن هذا الشكل مما يطلق عليه الديمقراطية الليبرالية لا يتطلب مشاركة نشيطة ولكن يتطلب "الاستقرار" والاحتواء السياسي للحرمان الاجتماعي. إن السلبية السياسية الجماهيرية، والتي يشار لها عامة ونمطياً على أنها "فتور"، تعتبر ملمحا أساسيًا للنظم الديمقراطية المستقرة. ولم يتم فحسب تهميش الفقراء واستبعادهم كمواطنين نشطاء، لكن تم استبعاد حاجاتهم من المناقشات. والأمر الأكثر منافاة للعقل أن الطبقات الحاكمة الدولية والوطنية والكثير من المبررين لهم في الجامعات ووسائل الإعلام تظاهروا أن الرأسمالية لم تُفشِل أفريقيا تاريخياً، وفاقموا من المشكلة بالإصرار على وجوب تجرع نفس الدواء. والكتاب جاء في ثمانية فصول درس الأول تجربة الماركسية في أفريقيا منذ الاستقلال، ودور النضال الطبقي في تشكيل التغير السياسي للقارة. وقدم ديفيد سيدون في الفصل الثاني رؤية تاريخية للطبقة العاملة الإفريقية وتطور الرأسمالية في القارة، وخاصة في دول هامة مثل مصر وجنوب أفريقيا. كما تناول الفصل الثالث الذي كتبته آن ألكسندر وديف رينتون دور النضال الشعبي والطبقة العاملة في مصر بالتركيز على ثلاث محطات مهمة، الثورة العرابية والتجربة الناصرية وما بعد الناصرية. أما جوسي فينيكا فاستعرض كيف ضربت الإضرابات العامة والاحتجاجات الجماهيرية نيجيريا من خلال عرض أشبه بالتأريخ للوقائع مع الإقلال المتعمد للتحليل. وينظر مايلز لارمر في أمر الحركة النقابية الزامبية وكيف أنها كونت وقادت الحركة من أجل ديمقراطية تعددية وانتصار فريدريك شيلوبا كرئيس للبلاد دون الاستجابة الواضحة لمطالب العمال الكلية. وتناول بيتر دوير في الفصل السادس التاريخ القريب لنضال العمال ضد الفصل العنصري ومآلات الحركة العمالية في جنوب أفريقيا بعد ماعرف بالتحول الديمقراطي. وفي الفصل السابع تناول مونيارادزي جويساي، وهو نقابي زيمبابوي بارز، التطورات الأخيرة في زيمبابوي. وختم الكتاب بفصل ختامي.