"إكسترا نيوز" من السويس: الكتلة التصويتية بالدائرة تقترب من 508 آلاف    الدفاع المدني في غزة: انهيار 17 مبنى سكنيا منذ بدء المنخفضات الجوية    تفاصيل صادمة حول وفاة الفنانة نيفين مندور بسبب حريق منزلها    مشاهد عائلية لافتة في لجان المطرية بجولة الإعادة لانتخابات النواب    السيدات وكبار السن يزينون صفوف الناخبين في جولة الإعادة بالبساتين    «أندرية زكي»: خطاب الكراهية يهدد السلم المجتمعي ويتطلب مواجهة شاملة    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    تعرف على خدمات إجراءات النقل السياحي المتاحة إلكترونيًا    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري والتخصيم والتمويل العقاري وإدارة الصناديق    دعمًا لقضايا المرأة.. محافظ قنا يقود دراجة مع الفتيات في ماراثون رياضي    شوبير: بلعمري قريب من الأهلي.. وتوروب يضع حامد حمدان ضمن أولوياته    كأس العرب - مؤتمر كوزمين: لاعبو الإمارات قدموا تضحيات كبيرة.. واللعب أمام 60 ألف متفرج مختلف    اتجاه في الزمالك لتسويق أحمد حمدي في يناير    المحمدي: تعرضت للظلم في الزمالك.. وهذا هدفنا الموسم الحالي    إقبال الناخبين على مدرسة النهضة بالشرابية بأول أيام إعادة انتخابات النواب    ضبط قائد سيارة سار عكس الاتجاه بالشرقية بعد تداول فيديو على مواقع التواصل    درجة الحرارة 1.. غيوم وأمطار غزيرة على مدينة سانت كاترين    محافظ قنا يوجه بحملات على مجمعات المواقف للتأكد من السلامة الفنية للسيارات    خروج عربات قطار عن القضبان بالمنوفية | صور    أول تعليق من تامر حسني بعد حفله الأول عقب أزمته الصحية (صور)    عسل السنيورة رواية قماشة متميزة للدراما    حقيقة إصابة محيي إسماعيل بالغيبوبة    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    «الرعاية الصحية» تعلن تفعيل حزمة من الخدمات الطبية المستحدثة بالأقصر    محافظ أسوان يشيد بنجاح جراحة دقيقة للعمود الفقرى في مستشفى دراو المركزي    رويترز: ضغوط أمريكية على باكستان للمساهمة في قوة الاستقرار الدولية بغزة    عاجل- الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 11 خرقًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة    قاضى قضاة فلسطين: الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية ممتد وتاريخى    عرض مسرحي في الأوبرا يتتبع روايات «باكثير» احتفالا بمرور 115 عاما على ميلاده    متحدث وزارة الأوقاف يكشف حقيقة سحب أرض الزمالك في المهندسين    "متبقيات المبيدات" يستقبل وفدا صينيا رفيع المستوى لتعزيز جهود فتح الأسواق العالمية    توقيع مذكرة تفاهم بين صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ والمركز القومي للبحوث لدعم الابتكار وريادة الأعمال    بعد إدراج الكشري على قائمة اليونسكو.. رحلة في جذور الأكلات الشعبية المصرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17-12-2025 في محافظة الأقصر    الأربعاء.. 18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    59 تهمة بينها 15 قتل.. تفاصيل التهم الموجهة لمنفذ هجوم سيدنى الإرهابى    إصابة 4 أشخاص إثر حادث إنقلاب سيارة بصحراوى أسيوط    تزايد اقبال المواطنين بلجان انتخابات الإعادة لمجلس النواب بالغربية    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    مصر تواجه تغير المناخ بمشروع الإسكان الأخضر.. تنفيذ 68 ألف وحدة سكنية بتكلفة تتخطى ال 52 مليار جنيه..أكتوبر الجديدة وأسوان والعبور الجديدة والعاشر من رمضان أبرز المدن..المشروع يستهدف ترشيد استهلاك الطاقة.. صور    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    رسل الموت تنزل فى سراييفو    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    من سندرلاند إلى ليفربول.. خريطة غيابات الدوري الإنجليزي في كان 2025    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاربعاء 17-12-2025 في محافظة قنا    السجن 5 سنوات لعامل بتهمة إشعال النيران بسيارة مياه معدنية فى قنا    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحوّلات مصر في ذاكرة محسن عبد العزيز الروائية
نشر في نقطة ضوء يوم 05 - 12 - 2016

في رواية «شيطان صغير عابر» (المحروسة) للمصري محسن عبدالعزيز، نقابل بطلاً بذاكرةٍ لا تسعفه في استحضار وجه أمه التي غيَّبها الموت وهو صغير، غير أنّها تستدعي في المقابل تفاصيل دقيقة عن شخصيات ومواقف ومشاهد من زمن بعيد. تجتمع هذه التفاصيل لتصنع في مجملها صورة عن قرية مصرية، قبل عقود خلت، تشكل السياق العام للنص.
تنقسم الرواية إلى ستة فصول، تندرج تحت كل واحد منها عناوين فرعية، تحيل إلى أماكن ومواقف وشخصيات وحالات إنسانية، ينتظم بعضها في وحدة عضوية، باحثة عن همزة وصل مع بقية الفصول. وتستدعي ذلك كله ذاكرة راوٍ عليم، تحاول تجاوز العفوية بشيء من التدبير في صنع صلات بين هذه الأشتات التي ترسم في خاتمة المطاف ملامح بناء روائي مختلف.
حكايات
هذه الرواية هي الأولى لصاحبها بعد مجموعتين قصصيتين وكتابين في السياسة، تتوالى فيها مقاطع محبوكة بعناية، كل منها يصلح، في ذاته، قصة قصيرة، حيث اللغة المكثفة والنهاية التي تنطوي على مفارقة، واكتمال الحدث. لكنّ هذه القصص تشكل مشاهد وسير شخصيات، يربط بينها خيط روائي يجمعها في وحدة نصية، أو نص واحد، متكئاً على وحدة المكان والراوي والطقوس الريفية، وتتابع الزمن لدى البطل من الطفولة الغضة إلى الشباب اليافع.
هنا، تتناسل الحكايات والشخصيات والمناسبات والأماكن، فتنتقل من الحقل إلى المدرسة، ومن الجامع إلى البيوت، ومن الأفراح والموالد إلى الجنائز والمآتم، ومن المؤسسات المحلية إلى ملاعب كرة القدم البسيطة. وتطل علينا وجوه أطفالٍ صغار، وفتيان مفعمين بالحيوية والأمل، وعجائز حزينات، وفتيات قادرات على الغواية، وألوان من اللعب والمذاكرة والغزل والكدح، وأنواع من البشر المختلفين في السنّ والرؤى والدين والفكر والشريحة الاجتماعية والخلفية التعليمية والمهنية، وفي دور الأسرة الصغيرة والعائلة الممتدة وقوافل الدعوة الدينية والأندية الرياضية. وفي هذا كله، نرى ما كانت عليه القرية المصرية في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، وما آلت إليه، بعدما زحفت إليها قشور التمدين الظاهري، وطاولتها يد العولمة، وضربها التزمّت العقائدي، الذي أوجد خلافاً بين المسلمين، واحتقاناً مع المسيحيين.
هذه العوامل تجعل من صورة القرية في هذه الرواية مختلفة عن إطارها التقليدي عن القرية المصرية، التي اعتادت أن تجعل منها وحدة مصغرة للدولة، وتسقط عليها كل ما يجري فيها من تسلط وفساد وتمرد. الكاتب هنا لا يعنيه هذا، وإن كانت أطلَّت من بين السطور أنماط من الصراع الاجتماعي والتنافس في التفوق الدراسي، والرغبة في السفر إلى الخارج بحثاً عن الثراء السريع، أو الحصول على فرصة عمل في الداخل بغية التقاط الرزق والتحقق، وكذلك التفاوت في الرؤى الدينية بين أزهريين أو منتسبين إلى وزارة الأوقاف وأتباع الطرق الصوفية، وبين من ينتمون إلى السلفية الدعوية والجماعات المتشددة، وتزاحم بعضهم على توظيف الدين من أجل كسب المكانة والهيبة والمشروعية الأخلاقية. ولم تقف الرواية بنا عند ما كابده طفل يتيم من زوجة أبيه، ولا كل حالات التمرد الذي كان يمثل القيمة الكبرى لديه، ثم علاقته في الطفولة والمراهقة والشباب بأقرانه في القرية، بل نقلتنا مع بطلها وراويها إلى المدينة، حيث تبدأ معاناة جديدة في البحث عن سكن وعمل وصحبة وفرصة في النجاح. وهكذا نشأت حالة من الاغتراب الشديد يعبر عنها الراوي قائلاً: «في القاهرة العاصمة القاصمة ستجد ناساً يتكلمون لغة أخرى، ويلبسون ملابس أخرى، أنت تشبههم فقط، بأن لك عينين ولساناً وشفتين، وتمشي على ساقين. وتجري أحياناً خلف الأتوبيس المزدحم، لكنك أبداً لست مثلهم، ولن تكون. فالمسافة بينك وبينهم أبعد من حدود صعيدك بكثير، ورغم ذلك جئت تحمل حزناً طاغياً، تنظر إلى العمارات والسيارات وزحام الشوارع، ولا تفقه شيئاً يا غريب».
عالم آخر
تنقلنا الرواية، في المدينة، إلى رحاب عالم آخر، متوسلة بالتحاق بطلها، بعدما أنهى دراسته الجامعية، بالعمل في صحيفة كبرى، فيتعرف الى صحافيين دفعهم قربهم من السلطة إلى الصفوف الأمامية، ومنهم واحدٌ، «كان إذا يطلع علينا نرتعد، ويروح الكلام في بئر الخوف العميقة. وحده كان قادراً أن يجعل الواحد، أي واحد، في سابع أرض أو سابع سماء».
تجود الرواية بلغة شعرية، إذ يصلح بعض مقاطعها أن يكون قصائد نثر، مثل تلك التي يتحدث فيها البطل عن جدته، التي حلَّت لسنوات محل أمه بعد رحيلها عن الدنيا، «تلك التي ظلَّلتنا تحت جناحيها، وحمتنا من الجوارح. طاقة النور التي طلعت من سماء الله ولم تنطفئ. فيا من تعرفون قبر جدتي، احملوا إليها دموعي الغزيرة في بلدتها البعيدة. فأنا لم أعرف كيف أبكيها بما يليق بسيدة جليلة المقام. ولا أعرف أين يوجد قبرها في مكان غير قلبي».
وتمتد هذه الشاعرية إلى تلك الصبغة الرومنطيقية الخالصة التي يضفيها الراوي على القرية. وفي حالات الفقر واليتم والغربة والإخفاق في تجربة الحب الأول، فإنه سرعان ما يستدعيها بعد أن تتقادم بعيداً، ليتصالح معها، وليصنع منها أسباباً جديدة للبهجة الغارقة في الحنين. وربما هذا الذي جعله يعود في المشهد الأخير من الرواية إلى القرية مرة أخرى، بعد مكابدته في المدينة، ليراها هذه المرة في شكل جديد بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) مباشرة، ثم انتفاضها ضد حكم «الإخوان». يحاول أن يعيد إليها شيئاً من الفرح، حين يتضاحك الرفاق على قيادة إخوانية محلية هربت إلى نيجيريا، تُدعى الشيخ مختار، «ها نحن الآن نضحك. لكن أين أنت يا شيخ مختار؟ أم أن الموضوع هذه المرة أكبر من خيالك، وأكبر من احتمالك ومن ضحكنا»؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.