تستضيف دار الأوبرا السلطانية مسقط الأوبرا الدرامية “لوهنغرين” للمؤلف الموسيقي الألماني الشهير ريتشارد فاغنر، من إنتاج مهرجان ريتشارد فاغنر في فيلس بالنمسا الذي يعنى بتقديم أعمال فاغنر ويحتفي بها سنويا. تقدم العمل الأوركسترا السلوفاكية الفيلهارمونية بمشاركة الجوقة السلوفاكية الفيلهارمونية .. يشارك في بطولة العمل التينور الآيسلندي يون كيتلسون، والميزوسوبرانو الألمانية ليوبا براون ويقود الأوركسترا في العرض القائد الموسيقي النمساوي رالف فايكيرت. ولم تعرف الأوبرا في تاريخها مؤلفا ترك بصمة وأثارت حياته وأعماله جدلا كريتشارد فاغنر (1813-1881)؛ فقد كان مفهوم “العمل الفني المتكامل” الذي أدخله فاغنر إلى عالم الأوبرا مفهوما ثوريا بالفعل، وسعى إلى إعادة الأوبرا إلى هدفها الأسمى كمصدر للإلهام الفنّي في أسمى مراتبه. وتعيّن على فاغنر لتحقيق ذلك أن يعيد ابتكار المفاهيم من جميع أسسها وهو ما أمل أن يحققه في مسرح خاص صممه ووضع رؤيته بنفسه في مدينة بايروث؛ فقد عمل على رفع شأن الأوبرا كما كان أثر بيتهوفن على السيمفونية، فنجح بذلك في تحويلها إلى نوعٍ جديد يدعى “الموسيقى الدرامية”. حبكة أوبرا “لوهنغرين” لريتشارد فاغنر مستوحاة من قصة رومانسية من التراث الأدبي الألماني في العصور الوسطى، لهذا تم ربطها بجوهر القصة الرومانسية التي تدور حول فارس البجع. وحققت الأوبرا النجاح بعد تقديم عرضها الأول في عام 1850، وأصبح الملك لودفيغ الثاني ملك بافاريا راعي فاغنر الذي أتاح له فرصة تأليف أوبرا “خاتم النيبلونج”، وبناء مسرح لعرضها، وتقديمها بالفعل، وربما تكون أشهر مقطوعة في الموسيقى هي جوقة الزفاف، المعروفة اليوم باسم مقطوعة “ها قد أتت العروس”. وتدور أحداث أوبرا “لوهنغرين” في العصور الوسطى حول بطل غامض يصل على متن قارب تقوده بجعة، لحماية آنسة متهمة خطأ بارتكابها جريمة قتل، وشرطه الوحيد لتنفيذ مهمته ألا يسأله أحد عن اسمه. وتعتبر مقدّمة الفصل الثالث إحدى أشهر المقطوعات الأوبرالية وباتت معزوفة تؤدى في الحفلات الموسيقية بشكل مستقل حيث ترتفع الستارة كاشفة عن “مارش” الزفاف الشهير “ها قد أتت العروس”، وتسير شخصية إلسا برفقة النساء ولوهنغرين برفقة الملك والنبلاء. ويا لسخرية القدر؛ لقد غدت هذه المعزوفة المؤلفة لزواج محكوم عليه بالفشل اللحن الأكثر شيوعا في الأعراس في مختلف أنحاء العالم. وأنتج فاغنر أكثر من مئة عمل كانت الأعمال الأوبرالية أشهرها. وبخلاف مؤلفي الأوبرا الآخرين، كان يؤلف أيضا أشعارا وحوارات أعماله. وتنال مؤلفاته الإعجاب والتقدير لتركيبتها الغنية وتناغمها وتناسقها التام والاستخدام الممتاز للنغمات المتكررة. وتركت إبداعاته في مجال الموسيقى أثرا كبيرا كالتحولات الدرامية في مراكز النغمات وأثرت على تطور الموسيقى الكلاسيكية. وقدم أسلوب فاغنر الموسيقي لاحقا أفكارا حول التناغم والعملية النغمية (الموتيفات المتكرّرة) والبنية الأوبرالية. وتعدى تأثيره الفني التأليف ليصل إلى قيادة الفرق الموسيقية والفلسفة والأدب والفنون البصرية والمسرح، وكان كاتبا بارعا وألف كتبا وقصائد وعدة مقالات. وتناولت كتاباته مواضيع مختلفة منها السيرة الذاتية والسياسة والفلسفة والتحليلات المفصلة لأعماله الأوبرالية. وتأثر بأعماله العديد من أعلام الأدب والثقافة كبودلير ومالارميه وديفيد لورنس ورينوار وتوماس مان ومارسيل بروست وجيمس جويس وتوماس إليوت. ساهم فاغنر في وضع قواعد وممارسات لقيادة الفرق الموسيقية عبر مقالات كتبها عام 1869 بعنوان “حول قيادة الفرقة” التي اعتبر فيها أن قيادة الفرقة الموسيقية هي طريقة للتجديد في الأداء وليس مجرد وسيلة لضمان التفوق في التطبيق. ولعل ما يدعو إلى الاندهاش أن موسيقى فاغنر قد برهنت على أنها ما زالت ملائمة للثقافة الشعبية في عالمنا المعاصر، فمفهومه للموتيفات المتكررة والتعابير المدمجة في دراما الموسيقى دخل في أفلام معروفة منها “القيامة الآن” لفرانسيس فورد كوبولا الذي استخدم فيه نسخة قوية من “مسيرة الفالكيريات”.