رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    إغلاق مطعم "عز المنوفي" بالمنصورة لمخالفات صحية وعدم وجود ترخيص    أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال اجتماعه لمتابعة خطط تطوير شبكات الاتصالات ودعم قطاع تكنولوجيا المعلومات    «تحالف الراغبين» يعلن استعداده لإرسال قوات ردع متعددة الجنسيات إلى أوكرانيا    بأكثر من 5 درجات ريختر.. زلزال يضرب الجزائر وتونس    بين السَّماء والأرض.. زائر ليلي يُروّع أهل تبسة الجزائرية على التوالي بين 2024 و2025    لاريجاني: إسرائيل طلبت وقف الحرب بعد فشلها أمام الصواريخ الإيرانية    بخطط للتخييم على حدود غزة.. كيف بدت تظاهرات اليوم في إسرائيل؟- صور    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    مصر تؤكد على ضرورة حشد الدعم الدولي لتنفيذ خطة إعادة إعمار غزة    رضا عبد العال: هذا اللاعب يمكنه تعويض زيزو بالزمالك    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يصمد وباريس يخطف النقاط الثلاث بهدف وحيد    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    احتفالًا باليونسكو.. الثقافة تكرم رموز السمسمية بالإسماعيلية (صور)    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    "بفستان جريء".. نادين الراسي تخطف الأنظار من أحدث جلسة تصوير    أبرزهم صبري فواز ومروان حامد.. نجوم الفن يتوافدون على عزاء تيمور تيمور    كان يغتسل من الجنابة ولا يعلم اشتراط نية الطهارة.. فما الحكم؟.. المفتي يوضح    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    في غياب الأهلي.. فتح باب حجز تذاكر الجولة الثالثة للدوري    عامل يدعى سرقة ابنه مبلغا ماليا للتوصل لمكان اختفائه بالحوامدية    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    الرمادى: محمد السيد من مصلحته التجديد للزمالك.. وفتوح لا يستحق البيع    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    «الأداء والعقود والصفقات».. اجتماع هام بين الخطيب وريبيرو في الأهلي (تفاصيل)    «الأغذية العالمي»: نصف مليون فلسطيني في غزة على حافة المجاعة    انطلاق دورة تدريبية لمديري المدارس بالإسماعيلية    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    4 أبراج «مرهقون في التعامل»: صارمون ينتظرون من الآخرين مقابل ويبحثون عن الكمال    قرار هام بشأن البلوجر «شاكر محظور دلوقتي» في اتهامه بقضية غسل الأموال    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    وزارة الأوقاف تنفي شائعات بدء التقدم لمسابقة العمال والمؤذنين    حماية المستهلك عن البيع الإلكتروني: تعديل قانوني مرتقب يُشارك شركة الشحن مسئولية الغش التجاري    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    رغم وفاته منذ 3 سنوات.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    قلق بشأن الأوضاع المادية.. توقعات برج الجدي اليوم 18 أغسطس    وائل القباني عن انتقاده ل الزمالك: «ماليش أغراض شخصية»    فاجعة وفاة تيمور تيمور.. 10 إجراءات بسيطة قد تنقذ حياتك من الغرق    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 18 أغسطس بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    أمينة الفتوى توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    وزير قطاع الأعمال يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية    جراحة دقيقة تنقذ أنف طفلة من تشوه دائم ب"قها التخصصي"    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    الرئيس.. من «جمهورية الخوف» إلى «وطن الاستقرار»    صور | «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف بالأردن في مجالات الزراعة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    حلاوة المولد، طريقة عمل السمسمية في البيت بمكونات بسيطة    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رجيم صحي سريع لإنقاص الوزن 10 كيلو في شهر بدون حرمان    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربيعة جلطي «تحلّق» فوق خراب العالم
نشر في نقطة ضوء يوم 29 - 08 - 2016

من الجزائر إلى دمشق ثم باريس فالقارة السادسة العائمة بين المجرّات بما تشكله من عالم «فانتاستيكي»، تتنقّل أحداث رواية «حنين بالنعناع» للروائية والشاعرة «ربيعة جلطي».
الضاوية، الراوية والبطلة، طالبة تعيش وتيرة الحروب من مكان إلى آخر، حاملةً سرها الموجع الكامن في الجناحين اللذين ينموان شيئًا فشيئًا ليترسخا أعلى ظهرها تمامًا كما تنبأت لها منذ الطفولة - هي حفيدة «سيدي الشريف» - جدتها «حنة نوحة» التي راحت تتحسسهما في كل مرة كانت تسدل القميص فوقهما فتخبئهما جيّدًا.
تستحضر جلطي في هذا البناء السردي كل ما أتيح لها من أدوات لتبني عالمًا يجمع بين الواقع والخيال العلمي ممتطيةً السريالية. إلا أنّها تعجز مرارًا عن صهر هذه العوامل في ما بينها إذ تبدو هجينة عن القالب السردي. ففي نهاية بعض الأجزاء وعقب أحداث نمطية جدًا كانت جلطي تختار تكرارًا أن تلصق قطعًا، تستحضر الجدة حنة نوحة والطوفان المُنتظر من دون أن يكون لذلك أي ارتباط أو انسجام مع ما سبقه من محتوى ليبدو حشوًا في غير مكانه. «بينما صوت أم ابتسام يبدو حاسمًا وهي تفصل في خطتها... صوت حنة نوحة يحذر من اقتراب الطوفان.!» (ص 54).
لذا كان من المُستحسَن إنهاء هذا الفصل عند النقطة التي تحدد وجهة سفر ابتسام، وهذه الملاحظة سوف تنسحب على امتداد فصول الرواية، إذ يتمّ إلصاق جزئية الجدة والطوفان في أمكنة متعددة وكأن الروائية تعمل على حشر هذه الفكرة ولا تكتفي بترسيخها في ذهن القارئ كما فعلت في الصفحات الأولى من الرواية.
تذهب الضاوية لمتابعة تعليمها في دمشق حيث تقرّر التعرّف أكثر إلى جسدها من خلال الرقص (الباليه والفالس) لتتمكن من ترويضه وتطويعه: «أنا الضاوية لدي قناعة فلأننا ولدنا ناطقين ولم نولد متكلمين فإن اللغة للشفاه مثل الرقص للجسد وعليّ أن أتعلم لغته» (ص 25 - 26).
تنتقل الضاوية لتحدثنا عن مكوثها في منزل صديقتها ابتسام عندما استعرت نيران الحرب في دمشق، بحيث لم يُسمح للبطلة الضاوية بالبقاء في غرفتها في الحي الجامعي في مثل هذه الظروف.
تعجز الكاتبة في الجزئيتين المذكورتين أعلاه عن صهر المحتوى في قالب متجانس، إذ نشعر أننا أمام شخصيتين مختلفتين تمامًا: الضاوية، تلميذة الرقص الشغوفة، والضاوية الطالبة المقيمة في منزل صديقتها برتابة أوقاتها.
تقرر الضاوية العودة إلى وهران حيث تتعرَّف إلى أم الخير، تاجرة الشنطة لتختبر معها تجربة تمرير الحقائب. فور وصولها إلى وهران شعرت الضاوية بتغيّرات كثيرة وبأنّ أحلامها وتطلّعاتها لم تعد هي نفسها، بعدما أصبحت أسيرة جناحيها. «كل شيء تغير. حتى حلمي بالذهاب إلى نيويورك لإشباع نهمي البصري وإلى هارفارد لإشباع نهمي المعرفي تقلصا ثم تبددا»، (ص 89).
في الطائرة، متّجهة إلى باريس، تتعرَّف الضاوية إلى ابراهيم ويتبادلان الإعجاب لتنشأ بينهما بعد ذلك قصة حب خاصة عندما تعرف الضاوية أنّه من المجنّحين وأنّه أيضًا يقصد جمهرة المجنّحين التي تضمّ باحثين، علماء، فنانين، أدباء، وغير ذلك؛ وهم القادرون على الاتصال بالكوكب السادس ومعرفة تفاصيل الطوفان المرتقب.
في خضمّ الحديث عن جمهرة المجنّحين تتناول الروائية مواضيع أخرى تصنع من خلالها تيمات إضافية للإقامة الباريسية، مثل نزهة، الكاتبة ومقدمة البرامج السابقة وما تقدمه من مساعدة للنساء اللواتي يعانين قسوة الغربة والتشرد. ونلتقي ابتسام من جديد في الفصول الباريسية ونتعرّف إلى صافو وريحانة في شقة نزهة التي باتت أشبه بمنزل لهن.
وتتوقف الضاوية عند الخوف الذي يعتريها خلال وجودها في باريس، على رغم تصالحها مع جناحيها فور انضمامها إلى جمهرة المجنّحين، إذ باتت تعرف ما ينتظرها وما هي مهمتها والرسالة التي ستؤديها كمجنَّحة.
«من حذر... أعلو أكثر كي لا يراني أعداء الحرية والتحليق... من يدري، فالبنادق في كل مكان...»، ص 169.
إذًا هم المجنّحون ينفردون بمعرفة مجيء الطوفان الذي يؤدي إلى خراب دورة الأرض ويابسته وبالتالي يجدون أنفسهم أمام مهمة إنقاذ الآخرين الذين لا يعرفون ما ينتظرهم.
يتبادر إلى ذهنك نوع من التساؤل في بداية الرواية إن كان الجناحان هنا يرمزان الى التحليق أم أنهما يكبّلان حركة الضاوية ويجعلانها أسيرة جسدها المختلف في تكوينه عن الآخرين. يخيّم في البدء الحزن على مصير الفتاة التي تخبئ تحت قميصها سرها، سرًا جعلها تمارس الكثير من التحفظات في حياتها ويومياتها، ليصبح الجناحان صلة الوصل مع عالمها الحقيقي، مع حبيبها ابراهيم المجنّح مثلها، ومع المجنّحين من نخبة الأدباء والعلماء والفنانين والمبدعين في مجالات شتّى. هذا التضاد في تصوير انفعالات الضاوية تجاه جناحيها يشكّل نواة تبني عليها الروائية خطّ سير أحداث الرواية، من دمشق، من العالم العربي المحموم بالحرب، والذي تعاني فيه المرأة ما تعانيه وصولًا إلى فرنسا حيث يلاحقها المسلحون بأسلحتهم وتخلفهم وترّهاتهم. لذا فمن البديهي اعتبار رواية جلطي منبرًا يطرح هموم المرأة وحاجتها إلى من ينصت إليها وإلىلأوجاعها حيث تطرح التساؤل الأبرز: «من ينصت لمن في هذا العالم المليء بالضجيج؟» (ص139 - 140)، حين كانت «الضاوية» تستمع إلى قصة ابتسام وما حصل لها في باريس فيما يشاركهما إبراهيم ذلك عبر اتصاله بالضاوية، من خلال أجنحتهما وآلية التواصل التي تتيحها في ما بينهما ومع المجنّحين في الكوكب السادس والكواكب والأرجاء الأخرى.
وتبدو هنا عملية إشراك إبراهيم في المشهد موفقة بحيث تأتي متجانسة مع مضمون هذا الفصل من الرواية بعدما صار القارئ على بيّنة بآلية اتصال المجنّحين في ما بينهم، إذ استطاعت الكاتبة أن تبرر حضور إبراهيم وتستخدمه كعنصر بارز في تعزيز فكرة روايتها ومماهاة أجزائها المختلفة.
صافو هي المرأة صاحبة أقدم مهنة في التاريخ تحطّ رحالها في شقة نزهة متذمّرة من الإجراءات التي يتّخذها المسلحون في الشوارع، وتنبش أكثر من روحها، فتروي للضاوية كيف أعدم المسلحون حبيبها، أما نزهة فبعد ما تعرضت له من مضايقات بسبب كتاباتها وما تلقته من تهديدات باتت تقيم في نورمينديا، تكتب وتترجم.
أما المسلحون فبقوا في المدينة، وكأنّ هذه هي الرسالة التي تريد الكاتبة أن توصلها إلى قرائها: «فجأة سمع طلق رصاص في الشارع... إنها الجماعات المسلحة. إنهم يهددون الناس...» (ص 211).
وهذا ما ذهب بعضهم إلى اعتباره توقعًا لأحداث باريس الأخيرة كون الرواية قد صدرت في عام 2015.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.