جامعة الفيوم تكرم لمياء كساب لبلوغها السن القانونية    محافظ المنوفية يترأس اللجنة العليا للقيادات لاختيار مدير عام التعليم الفني    متاح الآن.. جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 بالمنيا (متى تبدأ؟)    احتفالا بذكرى مجمع نيقية.. اجتماع ممثلي الكنائس الأرثوذكسية    ارتفاع طفيف في سعر جرام الذهب بالأسواق خلال تعاملات اليوم الأحد    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المنظومة الجمركية وإجراءات التسجيل المسبق للشحنات    محافظ المنوفية يتفقد أعمال تطوير ورفع كفاءة كورنيش شبين الكوم    مبادرات شاملة لدعم الأسر الأولى بالرعاية بمركز الخارجة في الوادي الجديد.. صور    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: مصر تحقق طفرة غير مسبوقة بسرعة الإنترنت    زيلينسكي: مستعدون لإجراء محادثات "بأي شكل" للحصول على نتائج حقيقية لإنهاء الحرب    وزير الدفاع الباكستاني: قرارات مجلس الأمن تمنح شعب كشمير حق تقرير المصير    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    قرار عاجل من الزمالك ضد عبد الله السعيد بعد تغيبه عن معسكر الإسماعيلية    تشكيل نيوكاسل.. ويلسون يعوض غياب إيزاك أمام أرسنال    "جلسة جديدة".. بايرن ميونخ يكشف تطورات المفاوضات مع ساني    قد يكون منافس الأهلي.. ماركا: عرض برازيلي لضم رونالدو للمشاركة في مونديال الأندية    تجديد حبس سائق المقطورة المتهم بدهس بطل كمال الأجسام في التجمع الخامس    إغلاق ميناء الغردقة البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    وزير الثقافة يشارك في مراسم تنصيب بابا الفاتيكان وسط حضور دولي رفيع    شينخوا: معرض الآثار المصرية فى شنغهاى يصبح الأكثر زيارة فى العالم    نادية الجندي لعادل إمام: وحشتنى زي ما وحشت جمهورك    هل تزوج عبدالحليم من سعاد حسني؟.. وثيقة تشعل الجدل وأسرة العندليب تحسم الأمر    لطيفة تستفتي جمهورها لاختيار اسم ألبوم صيف 2025: «تفتكروا نسميه إيه؟»    رئيس الهيئة القومية لجودة التعليم: الفنون قوة مصر الناعمة في كل العصور    اقرأ وتدبر    شراء الذهب بالتقسيط    رئيس جامعة طنطا يتفقد سير الأعمال الإنشائية في مستشفى الطوارئ الجديد    بدء التصويت في الانتخابات التشريعية بالبرتغال    بداية من اليوم.. السكة الحديد تتيح حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2025    علاء عبدالعال يوضح مصيره مع الجونة    تواضع رغم النجاح| 4 أبراج لا تغريها الأضواء وتسعى للإنجاز بصمت    توريد 200 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    فصل التيار الكهربائي عن 5 مناطق بالعريش غدًا.. تعرف عليها    ما العيوب التي تمنع صحة الأضحية؟ الأزهر للفتوى يجيب    الحج رحلة قلبية وتزكية روحانية    حكم قراءة الفاتحة وأول البقرة بعد ختم القرآن؟.. علي جمعة يوضح    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    هل الكركم ضار بالكلى؟    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    الشيوخ يحيل تقارير اللجان النوعية إلى الحكومة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    "الإغاثة الطبية في غزة": مليون مواطن يواجهون الجوع وتكدس بشري في الشوارع    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    السلطات السعودية تحذر الحجاج من ظاهرة منتشرة تعيق حركة الطائفين والمصلين    التريلا دخلت في الميكروباص.. إصابة 13 شخصًا في حادث تصادم بالمنوفية    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    النائب عبد السلام الجبلى يطالب بزيادة حجم الاستثمارات الزراعية فى خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الجديد    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال ناجي روائي في أزمة السياسة الضبابية
نشر في نقطة ضوء يوم 02 - 11 - 2010

يقتحم جمال ناجي في «عندما تشيخ الذئاب» (الدار العربية للعلوم – ناشرون) عالماً فيه الكثير من التركيب والخيال والمزج بين المعقول وغير المعقول، الشعوذة والمطبخ السياسي الذي يصنع مسؤولين ومتنفذين، رجال اقتصاد وأفاقين طامحين للإمساك بمفاصل السلطة. ونحن نقع في الرواية على مرحلة مفصلية من تاريخ المدينة التي تدخل زمن الديموقراطية وتتحول فيها المعارضة إلى جزء من السلطة التي كانت تناصبها العداء وتقوم بالتنظير لضرورة تغييرها.
قد تكون هذه هي الأطروحة المركزية في رواية جمال ناجي الأخيرة، على رغم اندراجها في ثنايا الأحداث المتشابكة وبابل الأصوات الكثيرة المقيمة في شرانقها الذاتية لا تغادرها إلا عند اكتشافها نهاية رحلتها في عالم الطموح وصراع المصالح والنفوذ. فالشخصيات التي تروي من وجهة نظرها الذاتية، وبصورة متتابعة، غير منظمة، ما يحدث لها وللآخرين، تضيف كل مرة خيطاً جديداً إلى النسيج الكلي للعمل الروائي.
إننا بازاء ما يمكن تسميته البنية الشبكية للسرد الروائي. هناك شخصيات مركزية في العمل تحكي حكاياتها مع الآخرين كاشفة لنا رغائبها وما تطمح إليه. ولكن الروائي لا يعطي سلطة السرد بصورة متكافئة للشخصيات، التي تتخذ صيغة الراوي المشارك. إن مخططه السردي هو تنمية معرفتنا كقراء بما يعتمل داخل الشخصيات، وما تؤول إليه في النهاية.
هناك ست شخصيات تشارك في السرد: سندس، الشيخ عبدالحميد الجنزير، رباح الوجيه، جبران، بكر الطايل، العقيد رشيد حميدات. وهي باستثناء الشخصية الأخيرة، التي تروي مرة واحدة لتكشف عن الحملة التي تقوم بها الشرطة للقبض على عزمي رباح الوجيه، تتولى السرد أكثر من مرة. ويستطيع القارئ أن يكوّن وجهة نظر عن الملامح النفسية، والمنزلة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والأيديولوجية التي تتبناها الشخصيات، وربما البنية الجسمانية لها؛ باستثناء شخصية رجل الشرطة الذي لا نعرف عنه شيئاً سوى أنه كان مكلفاً مداهمة منزل عزمي ومحاولة القبض عليه.
ما يهمنا في هذا السياق من العلاقة بين الرواة والمادة السردية التي يوفرونها هو التدرج والتسلسل في الكشف عن أعماق الشخصيات، وما يدور حولها من أحداث، وما يعصف بها من تحولات.
إن سندس، الفتاة الفقيرة الخارقة الجمال والطامحة لتحقيق رغبات جسدها وإرواء شهوتها وتحقيق توازن نفسي عبر التعلق بعزمي ابن زوجها الأول، تنير لنا جوانب من حياتها وحياة عزمي وما يفترض أن يكون علاقة زنا محارم بينهما (على رغم أن الرواية تصر على أن عزمي ليس ابن رباح الوجيه لأن الأخير عقيم لا ينجب بسبب إصابته بمرض النكاف في الصغر). كما يجلو لنا الشيخ الجنزير سمات شخصيته المركبة، التي تجمع بين طبيعة رجل الدين الذي يدير جمعيات خيرية إسلامية وشخصية الرجل المشعوذ الذي يداوي مراجعيه، وخصوصاً النساء منهم، بالأعشاب والخلطات الغريبة، ويجمع في علاقاته بين طلبة، يأخذون على يديه الدروس الدينية، ورجال سياسة، من وزراء ونواب برلمان، ورجال اقتصاد وشخصيات نافذة، ما يجعله قادراً على صنع السلطة والتلاعب بها، على رغم كونه لاعباً على الحبال، مترجحاً بين رجل الدين والمشعوذ والشخص النافذ الذي يمتلك ملامح راسبوتينية. ولنلاحظ هنا أن الكاتب سماه في عناوين الفصول الأولى، التي قام بروايتها، «الشيخ عبدالحميد الجنزير»، لكنه عندما عراه وكشف لنا أسراره ورغباته وشهوته للسلطة ورغبته، التي لم يستطع التخلص منها، في جسد سندس، أطلق عليه اسم «الجنزير» من دون أن يضيف إليه لقب الشيخ.
الشخصيات الرئيسة الثلاث الأخرى، وهي جبران وبكر الطايل ورباح الوجيه، تضطلع بتقديم زوايا نظر جانبية لأحداث الرواية ومسارها. صحيح أننا لا ننكر مركزيتها، فجبران هو ممثل لنموذج اليسار الذي تخلى عن تاريخه النضالي وانخرط في السلطة لانتهازيته وانهيار مشروعه السياسي الاجتماعي، وتخليه عن حذوره الشعبية، ورباح الوجيه هو نموذج يمثل الطبقات الشعبية المسحوقة التي تحاول اختطاف المتع الممكنة، ما أمكنها ذلك، فيما يمثل بكر الطايل نموذج الفقير ابن البيئة الشعبية المسحوقة الذي يلجأ إلى الدين المتطرف لكي يشن حربه على المجتمع والسلطة والفاسدين في ذلك المجتمع وتلك السلطة، متخذاً من القتل وسيلة لتصحيح ما يراه مخالفاً للدين من وجهة نظره! لكن هذه الشخصيات لا تكشف لنا عن أعماقها الحقيقية. إنها مترددة، غير قادرة على توضيح قسماتها الجسمانية والنفسية، وتجلية رغباتها. كما أن أولئك الرواة المشاركين يبدون وسائل بيد الكاتب لتمثيل نماذج وأنماط من الشخصيات التي يرغب الكاتب في تمثيلها في عمله الروائي.
اللافت في «عندما تشيخ الذئاب» هو أن الشخصية المركزية في الرواية لا تروي، ولا نعرف بماذا تفكر وكيف تعيش، سوى من خلال ما يرويه الآخرون عنها. هناك بالطبع شخصيات ثانوية لا تضطلع بالسرد، مثل فاطمة والدة سندس، وجليلة والدة عزمي رباح الوجيه، وصبري أبو حصة زوج سندس بعد طلاقها من رباح الوجيه، ورابعة زوجة جبران، وفاتن الريشة زوجة عزمي التي نعرف عن زواجها بعزمي وإنجابها منه في الفصول الأخيرة من الرواية. لكن كل هذه الشخصيات هي جزء من عملية تأثيث العمل الروائي وإمداده بالمكونات الضرورية لجعل الرواية شبيهة بالحياة. إن ذلك هو ديدن الرواية التي تنتمي إلى ما يسمى الكتابة الواقعية.
ومن الواضح، أن رواية «عندما تشيخ الذئاب»، على رغم تبنيها رواية الأصوات بتوزيع الكلام على المتكلمين، ومحاولة تجنبها صيغة الراوي العليم، لا تنجو من عين الراوي العليم، الذي يعرف ظاهر الشخصيات وباطنها، ما وقع لها وما سيقع، ما تعرفه الشخصيات وما لا تعرفه. إننا نعثر على هذا الانزياح عن صيغة رواية الأصوات في سرد الكثير من الشخصيات، ما أخل بالغاية التي سعت إليها الرواية، وهي إلقاء ضوء كاشف على شخصية عزمي الوجيه، الشاب الخارق الذكاء، الطموح للعب دور اقتصادي واجتماعي، المتناقض الذي تسحقه شهواته وطموحه للنقاء والطهرانية في الآن نفسه، وأخيراً الغامض الذي لا نعلم إن كان ابناً للشيخ الجنزير أو لشخص آخر تعرفه رابعة زوجة خاله جبران، خصوصاً أن انجذاب الجنزير نحوه وضعفه أمامه، ومنافسته له على سندس (ما يعيدنا ثانية إلى شبهة زنا المحارم)، والمواجهة الأخيرة بينهما في خيمة قريبة من الكعبة، تشير في مجموعها إلى مركب قتل الأب وعقدة أوديب معكوسة، في سياق من تضارب المصالح والتقاتل على النفوذ والسلطة والمال والجنس.
انطلاقاً من التساؤلات السابقة، حول العلاقة الفعلية بين عزمي الوجيه والشيخ عبدالحميد الجنزير، فإن رواية «عندما تشيخ الذئاب» في إطار سعيها لكتابة تاريخ التحولات السياسية الأردنية في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، تشيد نصاً يتراصف فيه السرد الواقعي، والوصف اليومي، والاستبطان وسرد الأعماق، والعجائبي، خصوصاً في ما يحكيه العقيد رشيد حميدات عن الضباب الكثيف، الذي لف المكان عندما حاول رجال الشرطة القبض على عزمي ففشلوا وأفلت عزمي ذاهباً في رحلته الأخيرة إلى مكة ليستجوب الجنزير عمن يكون أبوه الحقيقي. فهل يمثل عزمي شخصية حقيقية، أم رمزاً لنموذج إنساني مشوه أو شريحة طموحة فاسدة ولدت في زمن صراع المصالح وانهيار القيم والأيديولوجيات؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.