في كتابه "تاريخ علم المصريات"، يلقي مؤلف الكتاب د. وائل إبراهيم الدسوقي، الضوء على هذا العلم الذي ظل لفترة طويلة حكرا على دارسي ومؤرخي التاريخ القديم المتخصصين في منطقة واحدة من العالم هي مصر، وحضارة إنسانية فريدة هي الحضارة الفرعونية. ويهدف المؤلف كما يوضح في ثنايا مقدمة كتابه إلى تعريف القارئ العادي غير المتخصص في التاريخ المصري القديم بعلم المصريات وكيفية نشأة هذا العلم وتطوره، بما يعطي الفرصة للقارئ الذي يريد التعمق في الاستزادة من القراءات حول هذا العلم. يقع الكتاب في مقدمة وستة فصول، بالإضافة إلى ملحق بالصور والأشكال، وملحق بالمراجع، وتقديم خاص بقلم د. أحمد زكريا الشلق، أستاذ التاريخ المصري. يشير المؤلف إلى وجود انقسام بين المؤرخين والباحثين في علم المصريات حول التاريخ الحقيقي لبدايات هذا العلم، ففي حين يعتبر فريق من الباحثين أن هذه البداية كانت مع وفود رحالة غربيين قاموا بجولات بين آثار مصر والشرق، وكتبوا عن هذه الرحلات، فإن فريقا آخر يعتبر أن البداية الحقيقية لظهور علم المصريات هو ما حدث من جانب البعثة العلمية المصاحبة للحملة الفرنسية على مصر في سنة 1798، عندما قامت العلماء المصاحبون لنابليون بونابرت في حملته العسكرية على مصر والشام بأول جهد علمي منظم لفك طلاسم الحضارة الفرعونية القديمة، بعد أن انبهر هؤلاء العلماء بآثار ومعابد الفراعنة القديمة، والمشهد الشامخ لأهرامات الجيزة وتمثال أبي الهول. ويقول المؤلف: إن هذا الجهد العلمي المنظم من جانب علماء الحملة الفرنسية أظهر التأسيس المعرفي بطريقة علمية لنشأة علم المصريات، وبعد أن جمع علماء الحملة الفرنسية ما توصلوا له من معرفة حول الحضارة الفرعونية القديمة بشكل علمي فيما عرف بالمجمع العلمي المصري. شامبليون وروسيني ويعتبر المؤلف في كتابه أن هناك بداية أخرى هامة يمكن التعويل عليها في تحديد تاريخ لبداية علم المصريات، وهي الفترة التي بدأت في عام 1828 وهو العام الذي شهد قدوم بعثة شامبليون وروسيني لمصر، واستمرت هذه البعثة في عملها حتى عام 1829، ضمن ما عرف في النصف الأول من القرن التاسع عشر بالبعثات العلمية العظمى. كما يشير إلى فترة تاريخية أخرى تمثل مرحلة مهمة في تاريخ علم المصريات، وهي الفترة بين عامي 1842 – 1845، وشهدت هذه الفترة قدوم بعثة لبسيوس التي جابت مصر وصورت آثارها الفرعونية بما في ذلك المقابر والمعابد والتماثيل. لكن المؤلف يشير في الوقت نفسه إلى أن هذه الفترة التي شهدت قدوم البعثات العلمية لدراسة آثار مصر وتاريخها، شهدت أيضا قدوم عدد من الرحالة والمغامرين، وحتى لصوص الآثار الذين تسابقوا في سرقة الآثار المصرية وتهريبها للخارج، في ظل غياب أي قانون منظم لتداول الآثار المصرية القديمة في هذه الفترة، مما دفع بالسلطات المصرية إلى إنشاء مصلحة الآثار المصرية ووضع قواعد لتنظيم العمل في مجال الآثار، ثم تأسيس المتحف المصري بمعاونة علماء أحبوا التاريخ والآثار المصرية القديمة مثل مارييت وماسبيروا وبروجش. حجر رشيد كما يشير المؤلف إلى خطوة علمية هامة ساهمت في التأسيس لعلم المصريات، وهي الخطوة التي جاءت بعد أن نجح شامبليون في فك رموز حجر رشيد، حيث شهدت أوساط علمية مهتمة بعلم المصريات في الغرب جهودا منظمة لفهم اللغة المصرية القديمة، وتوصلت هذه الجهود لنتائج ممتازة تعد أكثر دقة مما توصل له شامبليون، وتمكن العلماء المشاركون في هذه الجهود من فك رموز الخط الديموطيقي، ومعرفة رموك الخط الهيراطيقي. وعلى الرغم من أن المؤلف يؤكد حقيقة مفادها أن علم المصريات تأسس تحت دافع من عشق العالم للحضارة المصرية القديمة، إلا أن المؤلف يؤكد في هذا الصدد أيضا أن هذا العشق لم يكن كافيا لتأسيس علم كامل قائم بأدواته إلا من خلال جهد علمي منظم. ويشير في هذا الصدد إلى أن علم المصريات لا يقتصر على الفترة التاريخية التي تدور حول فترات حكم الأسر المصرية الفرعونية وحقبة التاريخ الفرعوني فحسب، بل تمتد حتى تشمل المراحل الزمنية القريبة من هذه الفترة، كما لا تقتصر فروع علم المصريات على دراسة الآثار والمعابد المصرية القديمة فقط، كما تشمل فروع هذا العلم أيضا دراسة جغرافية مصر الطبيعية والبشرية وخصائص الشعب المصري. وتنقسم مجالات دراسة علم المصريات إلى: المرتبة الأولى: دراسات الحضارة المصرية القديمة، وهي الفترة التي تتراوح ما بين عام 3200 ق.م، وحتى الفترة التي شهدت غزو الإسكندر المقدوني لمصر، حيث تمثل هذه الفترة وحدة شديدة الترابط في أيديولوجيتها ومظاهرها المادية. المرتبة الثانية: وهي تشمل دراسات حقبة ما قبل التاريخ المصري، وهي الفترة التي سبقت قيام الأسرات المصرية القديمة. المرتبة الثالثة: وهي الدراسات التي تشمل حقبة العصر اليوناني والروماني. المرتبة الرابعة: وهي الدراسات التي تشمل الحضارتين القبطية والإسلامية. المرتبة الخامسة: وتتضمن هذه المرتبة الدراسات الخاصة بدراسة الإثنوجرافيا، وهو علم يتعلق بخصائص الإنسان وعاداته وتقاليده في المجتمع على مدار التاريخ. المرتبة السادسة: وتشمل هذه المرتبة دراسات الجغرافيا الطبيعية والبشرية لمصر، لما تمثله هذه الدراسات من أهمية في دراسة اقتصاد البلاد، وما تمر به من تغيرات مناخية قد تدفع الناس في فترات تاريخية معينة للهجرة أو التوافق مع هذه التغيرات بصورة من الصور التي تؤثر على المظاهر الحضارية والثقافية والاجتماعية في المجتمع الذي تتم دراسته. يذكر أن كتاب "تاريخ علم المصريات" للدكتور وائل إبراهيم الدسوقي، تقديم: د. أحمد زكريا الشلق، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو275 صفحة من القطع الكبير.