"أرواح لا تنام" رواية للأردني البلغاري خيري حمدان صدرت قبل سنوات في نسخة بلغارية بعنوان "أوروبي في الوقت الضائع"، وقام المؤلف بإعادة كتابتها باللغة العربية ونشرها مؤخرا بعد أن حققت شهرة وقراءة ومتابعة في بلغاريا، كون الرواية ترصد مرحلة مهمة من التحولات الاقتصادية والسياسية وآثارها على المجتمع في اوروبا الشرقية. والنسخة البلغارية من الرواية مهداة لروح شاعر بلغاري هو ديمو ايفانوف، كان مُلاحقا من قبل أجهزة الأمن الاشتراكية السابقة، وقد ترك وصيته عند المؤلف ومات وحيدا في نيوزلندا، فما كان من الروائي إلا أن كتب حياته في هذه الرواية. تتحرك أحداث الرواية في مدينة صوفيا في بلغاريا حيث تتناول حياة النسخة العربية من الرواية إحدى الشخصيات العربية التي تعيش في أوروبا بحيث تلتقي فيها تناقضات وطموحات تلك الشخصية النموذج وما تواجهه من مفارقات تثير الدهشة خلال عيشها وتنقلها في المدن الأوروبية، وتتشابك الأحداث اليومية للشخصيات مع المكان المتعدد في الرواية بما ينطوي عليه هذا التداخل والتشابك بين الإنسان والمكان من تحولات إنسانية تحمل أبعادا اجتماعية ونفسية في سياق سردي. وهكذا تخطى الروائي المنظور الضيق للمكان وانطلق إلى العام لقراءة وطرح الهمّ الإنسانيّ، بغض النظر عن كون البطل في النسخة البلغارية بلغاريا وفي النسخة العربية عربيا فالهم الإنساني لا يفرق بين الجنسيات ولا المكان ولا العرق أو الدين والهم الإنساني عند المؤلف واحد سواء كانت قراءة العمل تمت في برلين أو باريس أو موسكو أو عمّان وسواء كان البطل اوروبيا أو عربيا فالمحور الذي جاءت به النسختان هو هم الإنسان ضمن أطر العولمة وقد طغى هذا الهم على التناول الروائي عند خيري حمدان. هذه النزعة الإنسانية الطاغية على العمل، شغلت الهم الروائي عند المؤلف فقد حاول أن يغوص في النفس البشرية التائهة من خلال شخصية البطل الفنان المصور والكاتب الذي يرى نفسه ضائعا في عالم لا محدود من حيث النزعات والأهواء والمتغيرات، فجاءت الرواية لتعتني بفلسفة الأنماط الإنسانية المختلفة في الميول والتوجهات والرغبات، فبطل الرواية يعيش توهانا نفسيا وغربة ذاتية تجعله يدور في فلك علاقات جنسية كثيرة، تبعده أو تنسيه ضياعه وعدم قدرته على الانصهار في المجتمع الذي يعيش فيه. وجاء توظيف الجنس في الرواية بعفوية وبأسلوب يتماشى مع النص ووظف بطريقة ذكية تخدم الحدث ولا تعد إقحاما عليه، فلم يأت متكلفا أو فائضا عن حاجة الحدث كما لم يأت من أجل الإثارة أو تسويق وترويج الرواية. فالجنس بدوره كان جزءا من إفرازات عالم مفتوح تسيطر عليه المادة والذي أخذ حيزا لا يستهان به في حياة الفرد وبالتالي انعكس على حياة وشخصية بطل النص، ليس لأنه جنس مجرد لكنه كان واقعا معاشا في مجتمع خارج من غلالة الاشتراكية. وتعد الرواية رحلة متشابكة بين الأمكنة ومن خلال شخصيات محورية كثيرة تزيد عن العشرين بالإضافة إلى الشخصيات الثانوية، رحلة وسط غابة من الضياع النفسي في مدينة أوروبية تعيش مرحلة انتقالية فيما نفس الشخصيات أيضا تعيش انتقالا نفسيا ارتبط بالوضع العام، رحلة البحث عن النفس هذا ما يمكن أن نصف به هذه الرواية. ومن الجدير ذكره أن الروائي خيري حمدان أصدر العديد من الأعمال الأدبية منها باللغة البلغارية: "أوروبي في الوقت الضائع" و "مذكّرات موسومة بالعار" وديوان "مريمين" و "عيون العاصفة" ومسرحية "هل يسمعني أحد" التي حازت على جائزة المسابقة الأوروبية للمسرح المتخصّص باللجوء وعرضت على مسرح الدارة الحمراء في صوفيا عام 2008. أما باللغة العربية فقد صدرت للكاتب رواية "انعتاق" التي فازت بجائزة الألوكة السعودية، كما ورُشّحت مسرحيته "دعني أعِش، دعني أمُت" للمجلّد الأول للمسرح العربي المعاصر، ونشرت روايته "شجرة التوت" في المواقع الإلكترونية على حلقات، وصدرت له مجموعة قصصية بعنوان"غواية منتصف العمر" وروايات "مراكبي" و"مذكرات موسومة بالعار". وفي مجال الترجمة إلى اللغة العربية صدر للكاتب مجموعة قصصية للأطفال بعنوان "كم أنت رائع يا تينو" للأديبة البلغارية نيللي بيشيروفا، ورواية "هدايا شهرزاد السبعة" للمستشرق البلغاري إميل غيورغييف، كما نقل للبلغارية العديد من الأعمال الشعرية لكلّ من محمود درويش، سميح القاسم، راسم المدهون، حيدر محمود وغيرهم.