حرص الموقع الالكتروني للمجلس الثقافي البريطاني على إجراء هذه المقابلة مع الشاعر والروائي البريطاني شين أوبرين بمناسبة صدور روايته الأولى بعنوان «الآخرة» مؤخراً، والتي تمثل استمراراً لاشتغاله على النثر بعد صدور مجموعته القصصية «قاعة الصمت»، حيث ألقى الضوء على ما تعنيه هذه الرواية بالنسبة له. وقال إنه لم يقصد كتابة رواية شاعر وأنها بعيدة عن السيرة الذاتية والجمال الملتف بالسكون .يرتبط اسمك بكونك شاعر الشمال البريطاني، فما الذي تعنيه لك روايتك الأولى «الآخرة». الشمال هو مستقر ولائي، ففيه أصدقائي وعائلتي وحياتي السياسية، والشمال باختصار شديد هو الشعر بالنسبة لي. أما النثر فينبع من مصدر آخر تماماً، وفي رواية «الآخرة» تجري الأحداث في المستنقعات الولشية في صيف 1976 الحارق والمجرد من نسمة واحدة. حيث يلتقي أربعة أصدقاء من خريجي جامعة كامبردج للإقامة في كوخ منعزل في البرية، ويمضون لياليهم مؤرقين على أسرة متقدة في انتظار ألق الفجر الذي يبدأ من جديد دائرة من عدم الارتياح. والحر الجهنمي هو بالنسبة لي مرادف للطقس الداخلي للشخصيات، ذلك الاتقاد اللافح الذي لا يعرف التراجع، والذي يجعل الرأس دوماً حائرة كأنها وسط الغيوم، الأمر الذي يمكن توظيفه في إبراز الأحداث كعنصر يشكل مفارقة حادة لهذا المناخ. وأنا لم أرد كتابة رواية يقدمها شاعر بالمعنى السلبي لهذا التعبير. ولم أسع إلى تقديم عمل يتسم بالجمال المغلف بالسكون، وإنما حرصت على أن يواصل العمل انطلاقه وحركته طوال الوقت، وأرجو أن يوافقني القارئ في الاعتقاد بأن هذا هو ما فعلته على وجه الدقة، بما في ذلك سرعة الإيقاع وتوظيف الحوار والحبكة في دفع الرواية قدماً على لسان الراوية الذي يروي العمل عبر ضمير المتكلم. ما هو الشيء الذي تحرص عليه أكثر من أي شيء آخر في هذه المرحلة من مسيرتك؟ الحلم الذي لا يفارقني هو مواصلة الإبداع حتى نفسي الأخير، فأنا أحب مواصلة المسير، ولي أصدقاء من الشعراء عندما لا يكون هناك ما يقومون به يمضون لحضور مباريات الكرة أو لصيد السمك، أما أنا فأميل إلى البقاء جالساً أمام مكتبي بطريقة أو بأخرى، وأحاول الاشتغال على ما لديّ من عمل، فأنا أحس بالقلق الشديد إذا اضطررت إلى البقاء بعيداً عن عملي. وروايتي الأولى استفادت إلى حد كبير من أوقات وأماكن وأحداث سبق لي أن عايشتها، ولكن لابد من ملاحظة أنها ليست عملاً من أعمال السيرة الذاتية، وإنما هي رواية، ويتعين علي التأكيد على ذلك، فأنا أكبر سناً من أن أقدم روايات تعتمد على سيرتي الذاتية، وسيرتي الذاتية ليست مثيرة للاهتمام بما يكفي لكي تدرج في عمل روائي. ولكنني أردت أن أجد طريقة للحديث عن واحد أو اثنين من أبناء جيلي ممن لم يقدر لهم أن يحققوا ما كانوا يعدون به من عطاء، فنحن لم نعد في الستينات من القرن العشرين وليس لدينا شيء يمكننا أن تقول إنه على وجه التحديد من إبداعنا، لقد أردت أن أوحي بشيء في هذا الخصوص، بشيء عن زمن يفقد طاقته. ما الذي تعكف على انجازه الآن؟ لديَّ ديوان يضم قصائد متواصلة سيصدر قريباً بعنوان «قطار الليل» يضم صوراً أقدمها بالتعاون مع الفنان بيرتلي أريس، حيث لدينا اهتمام مشترك بالقطارات، وأنا مهتم بتبين امكانية تقديم هذه النوعية من الأعمال. كما أعكف على انجاز ديوان آخر آمل أن أقوم بنشره في غضون عامين لأقوم بعد ذلك بتقديم مجلد يضم مجموعة قصائدي كلها، وهناك ترجمة أعمل على انجازها لمجلد «المطهر» لدانتي اليجيري، وأكتب أيضاً المزيد من القصص، فأنا أكره الوقت المهدر بدرجة تكاد تكون عصابية، وشعار هو أنه إذا كان لديك عمل يستحق الإنجاز فبادر إلى إنجازه. ما الذي عكفت على قراءته مؤخراً؟ قرأت الكثير من الروايات والقصص. والرواية المعاصرة الأكثر إثارة للاهتمام التي قرأتها مؤخراً هي رواية «كاستورب» للروائي البولندي بافل هويل، وهي بمثابة جزء أول لرائعة توماس مان «الجبل السحري». وفيما عدا ذلك قرأت بعض قصص هنري جيمس . وكذلك بعض أعمال أنوريه دي بلزاك بما في ذلك روايته «الأوهام المفقودة» وأيضاً سيرة بلزاك بقلم جراهام روب، وبالنسبة للشعر فقد أعجبت بديوان فرانسيس ليفستون الأول بعنوان «حلم عام» وكذلك الترجمة الجديدة ل «الإنياذة» التي أنجزها فردريك أهل، وأظن أنها جيدة للغاية. قرأ الكثيرون بإعجاب ديوان «الكتاب الفريق» من إبداعك وكذلك ديوان «أنشودة الجهاز المفقودة». فما الذي دفعك إلى انجاز هذا العمل وما الذي شكله على هذا النحو وهل جانب منه «وجد» من موارد أخرى؟ نعم، مادة ديوان «أنشودة الجهاز المفقودة» تم إيجادها في جانب منها من كتاب عن السكك الحديدية الاسكتلندية، وفي جانب آخر من طبعة مدرسية من عمل لفرجيل. وقد أردت أن أتبين ما الذي يحدث عندما توضع هذه المواد التي تبدو متباعدة جنباً إلى جنب. ويبدو أن النتيجة كانت خليطاً من الكوميديا والكآبة. كيف صادفت موضوع الماء الذي نجده طاغياً في ديوانك الأخير؟ هل كان تجسيداً لانشغال مستمر أم أنك طورته من موضوعات أخرى؟ منذ عدة سنوات كتبت عدداً من القصائد بعنوان «أنهار»، وهو مشروع مشترك مع جون كينسيلا وريتر بورتر، واللذين تناولا هذا الموضوع بطرق مختلفة. وقد كان موضوع طبيعة الجانب الشمالي من نهر هامبر على الدوام موجوداً بالنسبة لي، وبمثابة نوع من الطبيعة المؤسسة، فيما اعتقد، وهذا الموضوع منتزع من الماء، والطبيعة المائية للديوان مرتبطة، حسب اعتقادي، بالاشتغال على ترجمة دانتي، وعلى وجه التحديد أنهار «الجحيم». ما الذي جعلك تقرر ترجمة دانتي ولماذا تعتقد أن الترجمة الجديدة ل «الجحيم» هي عمل تمس الحاجة إليه؟ «العقل وليس الاحتياج» كما يقول الملك لير، فقد علقت الآمال على تقديم صياغة سهلة القراءة. وقد انتهت بعض الصياغات التي انجزها أساتذة الشعر إلى تقديم لغة تعد علاقتها باللغة الانجليزية مصدر عذاب شديداً، وأردت تجنب ذلك إذا كان هذا مستطاعا وكذلك الإشارة إلى قوة الدفع التي تضمها القصيدة. عندما تقوم بانجاز ترجمات شعرية، هل تبدأ من معرفة معمقة باللغة أم أن من الممكن العمل من ترجمات أخرى؟ هل تعتزم تقديم المزيد من الترجمات في المستقبل؟ لقد عملت بالاستعانة بقاموس وبشروحات وترجمات نثرية، كما أن لدى الإرشاد المستمر الذي يقدمه لي الشاعر والمترجم البارز الستير إليوت، وسوف انتقل إلى ترجمة «المطهر». المؤلف في سطور ولد الشاعر والروائي والقاص والمترجم البريطاني متعدد المواهب شين أوبرين في لندن، ونشأ في هال، وبرزت موهبته المتألقة وإنتاجه الغزير على امتداد سنوات طويلة ما بين إبداع الشعر والمسرحيات والقصص والترجمة والتحرير والعمل الإذاعي، وهو يعمل حالياً أستاذاً للكتابة الإبداعية بجامعة نيوكاسل وزميلا في الجمعية الملكية للأدب. ونالت دواوينه الستة العديد من الجوائز، وكان أحدثها ديوانه «الكتاب الغارق» الصادر عام 2007 والذي جمع بين جائزتي فورورد وتي. إس. إليوت اللتين تعدان من أبرز جوائز الشعر في بريطانيا، وقد فاز الشاعر بجائزة فورورد ثلاث مرات. . عن البيان